لا يمكن استكشاف الخلفية الفقهية التي تبيح للطائفة الشيعية تجسيد الأنبياء والصحابة والرموز الدينية علي الشاشة، دون تذكر حقيقة أن جميع المذهب الباطنية، وتلك التي تعرضت للاضطهاد والمنع والحصار عبر التاريخ اهتمت دائما بالأيقونات والرموز المصورة والرسوم والشفرات، كانت تلك الرموز دائما وسيلة تلك الطوائف والمذاهب والأديان للتواصل بين أتباعها ولإثبات الوجود وتثبيت الإيمان والعقائد، وقد ارتبطت الأيقونات بالديانة المسيحية علي سبيل المثال منذ ظروف نشأتها الصعبة في ظل الاضطهاد الروماني، وهي المرحلة ذاتها التي بدأ فيها المسيحيون المصريون نقش الصليب الأخضر الصغير علي الرسغ منذ عصر الشهدء ومازالوا يفعلون إلي الآن، ظلت الأيقونات والرموز وصور المقدسين وكذلك القادة الدينيون رمزاً مهماً لبقاء وتواصل الملة والطائفة والمذهب وحتي بعض طرائق التفكير الفلسفية، في ظل ظروف الأقليات الممنوعة والمضطهدة كما كان الشيعة لفترات طويلة في التاريخ الإٍسلامي يبدو منع التصوير رفاهية لا يمكن أن تلزم المضطهدين، بل يبقي التصوير والأيقونة لغة من لا يجيدون لغة التواصل، من هنا قد يمكن فهم الموقف الشيعي المتسامح مع تصوير وتجسيد الأنبياء والصحابة علي الشاشة، فمنذ تأسيس أول دولة شيعية في العصر الحديث «الجمهورية الإيرانية» وجد أصحابها أن تصدير الثورة / المذهب الشيعي صورة حتمية لبقاء الجمهورية الإسلامية، خاضوا في سبيل ذلك حروباً وصراعات ولكن كان الفن أحد أهم وسائل التعبير عن العقيدة والفكر الديني الشيعي، ومنه لم يجد الإمام آية الله الخوميني غضاضة في تجسيد الأنبياء والصحابة، وعلي دربه سار رجال الدين الشيعة الآخرون، الذين أطلقوا الفتاوي واحدة تلو أخري وكذلك شروحات وتصريحات صحفية تبيح ظهور المقدسين علي الشاشة «ولكن وفق شروط تحفظ علي مكانتهم». أحدث تلك التصريحات ما أدلي به لجريدة «السفير» اللبنانية السيد علي محمد حسين فضل الله نجل العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله، في لبنان، الذي قال تعليقا علي جدل ثار بخصوص مسلسل الأسباط الذي يظهر فيه الحسن والحسين «رضي الله عنهما»، قال علي فضل الله: «لا حرمة في تصوير الشخصيات الدينية التاريخية بمن في ذلك الأنبياء والأئمة في المسلسلات والأفلام، فالمهم في مثل هذه الحالات هو الاهتمام باختيار الشخص الذي سيؤدّي الدور»، متسائلاً «هل سيجسّد الشخصية بكامل روحانيتها وأبعادها؟ وهل سيعكس السمات الحقيقية للإمام أو النبي المراد تشخيصه؟ كما أنّ الأمر يتعلّق أيضًا بطبيعة النص الذي يجب أن يقدّم الصورة الإيجابية للرمز الديني الذي تدور حوله الأحداث». في المقابل، نجد شروطاً أخري يضعها المرجع الشيعي السيد آية الله السيستاني علي موقعه علي شبكة الإنترنت، حيث يسأله أحد السائلين: السؤال: قام بعض الإخوة المؤمنين بإنتاج فيلم سينمائي يوثق حياة وسيرة نبي الله إبراهيم (ع) وابنه النبي إسماعيل (ع)، هل يجوز عرض تشخيص وجه الأنبياء من دون وضع هالة نورية تخفي معالم وملامح الوجه؟ وكان الجواب: سماحة السيد دام ظله لا يرخّص في ذلك. وعلي الرغم من عدم إباحة السيد تصوير النبي من دون هالة نورانية تخفي ملامحه، إلا أن رفضه لا يتخطي ذلك، ولا يمتد إلي الشخصيات الدينية من غير الأنبياء، فعلي الموقع نفسه، يجيب السيستاني علي سؤال آخر: السؤال: هل يجوز تمثيل شخصية الإمام المعصوم عليه السلام في الأفلام والمسلسلات؟ الجواب: يجوز تمثيل شخصياتهم عليهم الصلاة والسلام ولكن بشرط ألا يسيء ذلك ولو في الزمان المستقبل إلي مقاماتهم الشريفة وصورهم المقدسة في النفوس ولعل لصفات الممثل الذي يؤدي دورهم عليهم السلام وخصوصياته بعض الدخل في ذلك . كذلك يجيب عن سؤال ثالث: السؤال: هل يجوز تصوير أو إخراج مشهد يظهر فيه النبي محمد (ص)، أو أحد الأنبياء السابقين، أو الأئمة المعصومين (ع)، أو الرموز التاريخية المقدسة علي شاشة السينما أو التليفزيون، أو علي المسرح؟ الجواب: إذا روعي فيه مستلزمات التعظيم والتبجيل، ولم يشتمل علي ما يسيء إلي صورهم المقدسة في النفوس، فلا مانع. أما السيد الخوئي المرجع الشيعي الكبير الملقب بلقب «قدس الله سره»، فيجيب بفتوي تنشرها العديد من المواقع الشيعية ومنها «شبكة بطلة كربلاء»: السؤال: هل يجوز عمل فيلم تاريخي عن النبي صلي الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وإخراجه؟.. وما الحكم بالنسبة لتمثيل الممثلين لشخصياتهم عليهم السلام؟ وهل لأي ممثل أن يمثل أدوارهم، أم ينبغي أن يكون مؤمناً؟.. وما الحكم في إظهار الطاهرين غير المعصومين كالعباس وسلمان وأبي طالب عليهم السلام وغيرهم؟.. وما الحكم في إظهار الأنبياء السابقين كذلك؟ إجابة الخوئي: المناط في الجميع واحد، والحكم سوي وهو الجواز، ولا بأس إذا لم يكن العمل هتكاً، ولا مؤدياً يوماً إلي هتكهم عليهم السلام وهتك أولياء الدين، فإذا كان هذا الشرط مضموناً فإنه يجوز. وفقا لما سبق، لم يكن غريبًا أن المخرج فرج الله سلحشور مخرج مسلسل «يوسف الصديق»، يجيب عن سؤال صحفي عن عدم وضعه هالات نورانية علي وجه الأنبياء، بالقول: فيما يتعلق بالسؤال في الثقافة الشيعية فإننا لا نواجه مشكلة في عرض صور المعصومين، كما أن الإمام الخوميني (رضوان الله تعالي عليه) قال: ليست لدينا إشكالية في ذلك أما في بقية الطوائف الإسلامية الأخري فهناك الكثير لا يعترفون بالعصمة أو عصمة الأنبياء. كما هو واضح فالرأي الشيعي هو الصورة المعاكسة للرأي السني الذي تتوجه الفتوي الأزهرية المانعة لظهور الأنبياء، وما أن اشترت قناة ميلودي حق عرض مسلسل «يوسف الصديق» حتي اخترقت ذلك الحاجز بين العالمين السني والشيعي، فأثارت الجدل، هل يحقق ذلك الاختراق التليفزيوني تقارباً فقهياً أم ابتعاداً أوسع؟