في الوقت الذي تتجدد فيه أحزان المسلمين مع حلول ذكرى احتلال مدينة القدس في يونيو 67، أعلنت إسرائيل - في خطوة وصفت بمزيد من التعقيد والتشابك في الصراع العربي الإسرائيلي ، اعتزامها إعداد قانون جديد يسمح بدخول اليهود إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه. وتأتي خطورة هذا الإعلان الإسرائيلي، مما يحمله من اجتراء غير مسبوق على الطابع المقدس للمسجد الأقصى، ومكانته لدى مسلمي العالم كله، فضلاً عما تؤدى إليه من تقييد حرية المصلين المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية في مواقيتها الشرعية. حيث أعلن مدير وزارة الأديان الإسرائيلية أن الوزارة ستسعى إلى "تعديل قانون" السماح للمصلين اليهود بالصلاة في المسجد الأقصى في القدسالشرقيةالمحتلة، وقال "الحنان غلات" في لجنة برلمانية كلفت بدراسة هذا الموضوع بحضور ممثلين عن وزارات مختلفة: "نريد أن يتمكن اليهود الذين يريدون الصلاة في الموقع من ذلك". وقال "موشيه فيغلين" وهو عضو متطرف من حزب "الليكود" الذي يتزعمه رئيس الوزراء "بنيامين نتانياهو": "كيف نقبل بحقيقة أنه ليس من حق اليهود الصلاة في المكان الأكثر قدسية بالنسبة لهم"، وأكدت رئيسة اللجنة البرلمانية "ميري ريغيف" أن "منع اليهود من الصلاة على جبل الهيكل هو تمييز لا يمكن احتماله وخرق لحرية العبادة". الأمر الذي جعل المراقبون يتساءلون حول الأسباب الرامية إلى توجه "إسرائيل" نحو هذه الخطوة، وما الذي يمكن ل"مصر" أن تفعله إزاء ذلك؟ مقدمات ثلاثة في بداية الأمر يجب أن نوضح الأسباب الرامية إلى هذا الإعلان والمقدمات الحقيقية التي جعلت "إسرائيل" تقدم على هذه الخطوة، والتي تكمن في ثلاثة عوامل رئيسة: العامل الأول يتمثل في انشغال أغلب الدول العربية والإسلامية بشئون داخلية ضاغطة، إما بسبب تداعيات ما يسمى ب"ثورات الربيع العربي"، أو بسبب مشكلات الأمن والطائفية، ودعاوى التقسيم، مع ظهور أسوأ درجات التباين والاختلاف بين النظم الحاكمة. أما العامل الثاني فهو يرتبط إلى حد كبير بحالة التدني الراهن في مستوى العلاقات التي تربط النظم الحاكمة في كل من مصر وسوريا بالولايات المتحدةالأمريكية"، وعدم وجود ظهير دولي قوي يمكن اللجوء إليه في الضغط على "إسرائيل". ومثل استمرار حالة الانقسام بين القوى والفصائل الفلسطينية، وعدم إتمام المصالحة الوطنية على نحو يكفل الانسجام والقوة والفاعلية للموقف الفلسطيني، عاملاً ثالثاً في سبيل توجه إسرائيل نحو هذا الإعلان. وهنا من يفسر هذا الإجراء الإسرائيلي بأنه يأتي تمهيداً للتسوية الشاملة للقضية الفلسطينية، حيث تسعى إسرائيل إلى امتلاك كافة خيوط العملية للتفاوضية؛ كي تبقى في مرتبة أعلى من التفاوض يمكنها من الحصول على مميزات كثيرة، إذا ما أرادت تسوية الصراع العربي الإسرائيلي. ومن الجدير بالذكر أن هناك خطورة سياسية وقانونية من أقدام إسرائيل على هذه الخطوة، وذلك لمخالفتها نصوص القرارات الدولية، وفي ملاحق المعاهدات المبرمة مع كل من مصر و"الأردن" التي تجعل "ملف القدس" من قضايا التسوية النهائية المؤجلة لما بعد إتمام الاتفاقات السياسية والأمنية. وبالتالي، فإن أي إجراء أحادي ومبكر من جانب إسرائيل بشأن المسجد الأقصى أو مدينة القدس، يعد انتهاكاً لهذه الالتزامات القانونية، وخروجاً عن صلاحيات إسرائيل ومسئولياتها كسلطة احتلال مؤقتة في الأراضي العربية المحتلة منذ يونيو 1967. تقصير شديد هكذا كانت العوامل التي أدت إلى سعي "إسرائيل" نحو هذا المنحى، فهل تقبل الدول العربية بذلك وتظل صامتة إلى أن يتم تنفيذ هذا القرار؟ وفي محاولة للإجابة على هذا التساؤل، يلاحظ المراقبون أن ردود الفعل الفلسطينية والعربية والإسلامية، والتي جاءت حتى الآن في إطار الشجب والإدانة والاستنكار، وتحميل مجلس الأمن الدولي مسئولية ما قد يحدث نتيجة لهذه الخطوة الإسرائيلية؛ لم تكن كافية لتعبر عن وجهة النظر العربية، وقد لا تحدث نجاحاً ملموساً في كف الطرف الإسرائيلي عن خططه، وعلى الرغم من توجه عدد من الدول إلى تصعيد ملحوظ مثل استدعاء السفير العربي من تل أبيب مثلما قامت الحكومة الأردنية باستدعاء سفيرها في تل أبيب تعبيراً عن الاحتجاج. ومن هنا ينبغي القول أن نعترف بالتقصير الشديد تجاه هذا الإجراء، ولا سيما الموقف المصري ممثلاً في تيار الإسلام السياسي الرافض دوماً للحركات الصهيونية، فلا تزال قضية القدس والصراع ضد الصهيونية يمثلان في تاريخ الإخوان المسلمين وفي حركتهم ركناً أساسياً، بل قد تكون في الحقيقة من أبرز مجالات نضالهم التاريخي. حسابات دقيقة ولمحاولة التغلب على هذا القصور، يشير المحللون بأن الموقف المصري ينبغي أن ينطوي على خيارات كثيرة وحسابات دقيقة؛ كي يستطيع منع الطرف الإسرائيلي من الإقدام على تلك الخطوة، وحتى لا يقع في فخ الحرب العسكرية أيضاً. ومن هذه الخيارات، إقدام القيادة السياسية المصرية على خطوات راديكالية كطرد السفير الإسرائيلي من القاهرة، أو وقف أشكال التبادل التجاري، وخطوط الطيران، أو منع السياحة الإسرائيلية، أو إغلاق المركز الأكاديمي الإسرائيلي، أو السماح بفتح باب التطوع أمام المصريين للالتحاق بفصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة الموجودة في غزة وباقي الأراضي الفلسطينية، ولكن لا يحبذ البعض هذا الخيار لأنه يعد خروجاً على معاهدة السلام المبرمة بين مصر وإسرائيل، وربما يؤدي إلى تصعيد من الجانب الإسرائيلي قد يصل إلى حد القيام بعمليات عسكرية داخل سيناء، أو في خليج العقبة، وبعض مناطق رفح" والعريش والبحر الأحمر. وفي منحى آخر، يقدم صانعو القرار بدائل سياسية ودبلوماسية يمكن لمصر اتخاذها صداً لهذا الإجراء، وبدون أن تحمل انعكاسات سلبية على التزاماتنا القانونية الواردة في معاهدة السلام، وتتفادى من خلالها خطر الحرب العسكرية في الوقت الحالي، ومن بين ذلك مثلاً: الإعلان عن استبقاء السفير المصري الموجود منذ نوفمبر الماضي في القاهرة، وعدم إعادته إلى تل أبيب مرة أخرى، قبل مراجعة الإجراء الإسرائيلي الأخير الخاص بالمسجد الأقصى، علاوة على تخفيض أعداد ودرجات الموظفين المصريين العاملين في سفارتنا في تل أبيب. إلى جانب ذلك يجب الضغط بقوة من أجل إتمام عملية المصالحة الفلسطينية في أسرع وقت ممكن، فضلاً عن قيام مصر بدور قيادي داخل الجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي للتحرك لدى محكمة العدل الدولية، ومنظمة اليونسكو، بهدف الحصول على أحكام تقضي ببطلان الخطوات الإسرائيلية الأخيرة، على أساس مخالفاتها لمسئوليات سلطة الاحتلال المؤقتة، وإقدامها على تغييرات إدارية وفنية، من شأنها تعطيل حرية ممارسة الشعائر الدينية للمسلمين في المسجد الأقصى. وختامًا، يلزم التأكيد على أن خطوة "إسرائيل" الهادفة السماح لليهود بدخول المسجد الأقصى والصلاة فيه، لم تكن الأولى أو الوحيدة في اتجاه تهويد القدس، وتقويض المسجد الأقصى، وإعادة بناء الهيكل التاريخي المزعوم، فقد سبق ذلك محاولات لإحراق المسجد في عام 1969، وأخرى في اتجاه إحاطته بمبان ومستوطنات يهودية ينقل إليها السكان اليهود، في مسعى واضح لتغيير التركيبة السكانية، والمعالم الديموجرافية للمدينة، بما يخلق أمراً واقعياً جديداً يعقد التفاوض حول الوضع النهائي للمدينة مستقبلاً، وبالتالي يجب الوقوف وبقوة تجاه هذه الإجراءات العدوانية التي قد تسبب حدوث اشتباكات بين الديانتين اليهودية والإسلامية.