ما يحدث فى تركيا اليوم يعطى درساً قاسياً لحكام الربيع الربيع الذين ينامون على حرير الغفلة اعتماداً على الصندوق الذى جاء بهم.. حزب العدالة والتنمية الذى ينتمى إليه أردوغان حقق طفرة اقتصادية هائلة قفزت بدخل الفرد من ثلاثة آلاف دولار سنوياً إلى 11 ألف دولار.. فتركيا اليوم تنعم بقوة اقتصادية عم خيرها على الشعب كله ، كما أن أردوغان تمكن من تجنب آثار الأزمة الاقتصادية العالمية التى اعتصرت أوروبا عام 2009 .. لذا كان من حقه أن يمشى ملكاً وفخوراً بالنموذج التركى الذى بدأ كل الإسلاميين العرب يتخذونه قدوة لنجاح المشروع الإسلامى وذلك تطبيقاً للمثل المصرى الشائع "القرعاء تتباهى بشعر بنت أختها"!! لكن كل ماسبق لم يشفع لأردوغان وحزبه او يحميهم من غضب وثورة الجماهير.. فالحكومة التركية قررت هدم حديقة غازى وهى حديقة أثرية فى قلب اسطنبول لبناء مول تجارى مكانها يمتلكه أحد أصدقاء أردوغان!! ثار أنصار البيئة واعتصموا وتظاهروا وكان أن ردت عليهم الحكومة بعنف شديد واستخدمت الشرطة التركية القنابل المسيلة للدموع ومدافع الماء.. عنف وقسوة الشرطة جعلت المظاهرات تشتعل كالنار فى الهشيم .. ورغم انجازات حزب العدالة والتنمية التركي فإن المتظاهرين رأوا أن أردوغان تحول إلى حاكم فردى "لم يقل أحد أنه ديكتاتور" يتخذ قراراته فى غرف مغلقة.. وما زاد الطين بلة أن الحزب المعارض فى تركيا بدأت شعبيته تزيد مما يهدد حزب أردوغان بفقدان الأغلبية فى الانتخابات البرلمانية القادمة.. وقد دفع هذا التخوف أردوغان إلى التفكير فى إعداد مشروع قانون يعرضه على البرلمان الحالى بتحويل تركيا لدولة رئاسية وتكون السلطات فى يد الرئيس وليس رئيس الوزراء كماهو الحال الآن.. الرئيس التركى حاليا رئيس "شرفى"مثل اسرائيل والهند والمانيا ، ويبدو ان أردوغان يرغب بالبقاء فى السلطة أطول مدة ويأمل أن ينجح كرئيس فى الانتخابات لفترتين استناداً إلى ما حققه للاقتصاد التركى.. وربما يكون هذا هو السبب الحقيقى للمظاهرات.. لكن يبدو أن المصطلحات السياسية للإسلاميين واحدة.. فكما وصف الرئيس مرسى الاحتجاجات ضده فى مصر بأنها "مؤامرة" "وأصابع خارجية وداخلية" فإذا بأردوغان أيضاً يصف الاحتجاجات ضده بأنها مؤامرة ومكائد للمعارضة التى تريد العودة بتركيا للوراء! أكرر هنا أن معجزة تركيا الاقتصادية لم تمنع الاحتجاجات ضد أردوغان ،فما بالك بمصر والإخوان الذين يعودون بها للوراء فى كل شىء ويفجرون أزمات جديدة مثل انقطاع الكهرباء وندرة الوقود والغلاء الفاحش والارتفاع الجنونى للدولار أمام الجنيه. الرئيس مرسى مطالب بأن يتعلم الدرس التركى فحزب أردوغان الذى حقق معجزة ثار عليه الناس ، وحزب الاخوان الذى لم يحقق شيئاً لمصر ماضى فى طريق تحدى نصف الشعب الذى لم ينتخبه ويتحدى القضاء معه.. يجب أن يتنبه الرئيس إلى أن عليه أن يبحث عن حلول للمشاكل الحقيقية أو الوهمية التى يواجهها.. الناس أصبحت غير مقتنعة بالتفسير الذى يردده الإخوان دائماً وهو أنها مشاكل موروثة من النظام السايق! وإذا كانت كذلك فالرئيس مطالب بحل لها.. وإذا صدقنا أن النظام السابق هو سبب جميع البلاوى ، فماذا عن قرارات الرئيس التى أعلنت المحاكم عدم قانونيتها ودستوريتها.. وماذا عن "أخونة" البلد كلها.؟! إن فشل الإخوان وسياستهم المزدوجة ليس لها علاقة بالنظام السابق الذى كان فاسداً حتى النخاع لكنه لم يرسب فى الاقتصاد والأمن وهما المثلان الواضحان لفشل الإخوان.. هناك مشاكل تؤكد أن أهل الحكم فى مصر منافقون وكاذبون.. فالعلاقات المصرية الامريكية التى اعتقد كثيرون من السذج فى بداية حكم الإخوان أنها ستتحول إلى الصدام على اعتبار أن "الرأسمالية الأمريكية" لا تمتزج مع "الخلافة الإسلامية" تحولت إلى تناغم لطيف وتواءم ظريف بجمع بين طرفى النقيض.. فنفس الذين كانوا يتهمون النظام السابق بالعمالة للامريكان وخيانة الإسلام تحولوا اليوم إلى صداقة لابناء العم سام.. والذين رفضوا قرض الصندوق الدولى باعتباره ربا صريح ومخالف للشريعة الإسلامية خصوصاً وأنه صادر من صناديق الإقراض الأممية ذات الميول الغربية والمصالح الصهيونية ، تحولوا اليوم إلى القبول بالربا على اعتبار أنها مصاريف إدارية من مؤسسات عالمية ذات ميول تنموية وأغراض "نهضوية".. وفى العمق الأفريقى اثناء تزعم الإخوان المعارضة فى مجلس الشعب عام 2009 عندما برزت فكرة "سد النهضة الأثيوبى" قالوا أنه يحمل الخير لأثيوبيا ولا ينبغى أن نعترضه ، وهو نفس المشروع الذي تحول اليوم إلى سد يحمل الخراب لمصر.. لقد وجد الإخوان نفسهم بعد عام واحد من حكمهم فى "حيص بيص" والخير الذى وعدوا به المصريين أصبح يتحقق بالفعل فى اثيوبيا بعد أن حلق "طائر النهضة" بعيداً عنا وحط الرحال فى أديس أبابا.. لقد تحول الإخوان وكان "تحولهم واضحاً" بل وفاجراً.. فقد مدوا التراخيص للملاهى الليلية 3 سنوات وتجدد بعد أن كانت عامين فقط.. والذين قالوا أن مبارك عميل صهيونى صاروا يخاطبون "بيريز" بلقب "صديقى الوفى بيريز".. وفى النهاية يهمنى العودة إلى "تركيا" لأوكد أن رجب طيب أردوغان أذكى من الذين ابتلينا بهم يوما قبل عام.. فقد اعترف بأن الشرطة استعملت عنفاً غير مبرر مع المتظاهرين ، وعندما طلب من قوات الجيش مساندة الشرطة فى مواجهة المتظاهرين ، لم ينتقد الجيش الذى أبدى تعاطفاً واضحاً معهم.. ولم يتهم وسائل الإعلام بالمبالغة والتحيز فى تغطية المظاهرات وإنما حاول استمالتهم إلى جانبه , كما أنه لم يهاجم القضاة ولا يمكن أن يفعل.. وأخيراً إذا كان التركى الذى نجح فى كل التحديات التى واجهتهه يواجه اعتراضات قوية على حكمه ، فلماذا يغضب الإخوان الفاشلون من حجم الاحتجاج الذى يواجههم .. على الإخوان أن يعوا بسرعة أهمية الدرس التركى إن كان عندهم وعى أو تفكير.. استيعاب الاحتجاجات التركية ورد فعل أردوغان السياسى عليهم سيجعلهم يقللون رد الفعل الغاضب عليهم الذى بلغ ذروته فى انقطاعات الكهرباء والمياه والوقود..