حبس وغرامة، نص تصديق السيسي على تعديل بعض أحكام قانون الموارد المائية والري    نقابة المعلمين بعد واقعة محافظ المنيا: المعلم ركيزة العملية التعليمية واحترامه واجب مجتمعي    ميناء الإسكندرية يستقبل السفينة السياحية الهولندية MS Oosterdam قادمة من اليونان    "قناة السويس" و"التمثيل التجاري" يبحثان آفاق التعاون في التسويق الخارجي وتوطين الصناعة البحرية    إيران: المحادثات مع وكالة الطاقة الذرية ستكون تقنية ومعقدة    الأمم المتحدة: قتل إسرائيل للصحفيين "انتهاك خطير" للقانون الدولي    رومينيجه يشيد ببطولة كأس العالم للأندية    بعد قرار اتحاد الكرة.. الأهلي أول الأندية حصولا علي كارنيهات جهازه الفني بعد تقديم رخص التدريب    ضبط صبي لترويعه الفتيات ب كلب في الجيزة    السائق شريك في الجريمة.. ضبط المتهمين بسرقة سيارة محملة ب1.5 طن نحاس خردة في الجيزة    موجة شديدة الحرارة تضرب مصر ودرجات الحرارة تصل إلى 49 جنوب الصعيد    سحب 950 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكترونى خلال 24 ساعة    الأوبرا تُدشن هاشتاج خاصا بفعاليات مهرجان القلعة الدولي للموسيقى والغناء 33    ذكرى رحيل نور الشريف... ناظر مدرسة الفن والإبداع    قبل طرحه الأربعاء المقبل.. تعرف على شخصيات فيلم درويش    هيئة الدواء المصرية توضح طرق إدخال الأدوية للجسم    فوائد الرجلة، غنية بالأوميجا 3 وتعزز صحة النظر وتحمى من السرطان    مصر تواجه تونس فى البطولة العربية للناشئين والناشئات لكرة السلة    هل يشارك أحمد فتوح في مباراة الزمالك القادمة بعد تدخل زملائه للعفو عنه؟ اعرف التفاصيل    جدول ترتيب الدوري المصري الممتاز بعد نهاية الجولة الأولى    أشرف بن شرقي يقترب من تشكيل الأهلى أمام فاركو فى الدوري    مدبولى يتابع الموقف التنفيذى لتوفير تغذية كهربائية لمشروعات الدلتا الجديدة    وزارة التربية والتعليم تشارك جميع المناهج المطوّرة على موقعها الرسمي    محافظ أسيوط يشهد تسليم تعويضات مالية لسكان عرب المدابغ    ترامب يطالب بالتحرك الفوري لإبعاد المشردين عن العاصمة واشنطن    ضبط سائق للنقل الذكي تعدى على سيدة خلال رحلتها بمدينة 6 أكتوبر    بعد مصرع شخصين وإصابة 7 آخرين .. التحفظ على كاميرات المراقبة فى حادث الشاطبى بالإسكندرية    أوكرانيا والسويد تعدان مشروعًا لتطوير الطيران القتالي    إعلام إسرائيلى: الجيش سيعرض خلال أسبوعين خطة شاملة لاحتلال قطاع غزة    في إنفوجرافات لمجلس الوزراء : مصر ضمن 7 دول للاستفادة من برنامج صندوق الاستثمار فى المناخ    الشاطر يكتسح شباك التذاكر.. وأمير كرارة: من أحب التجارب لقلبي    شباب كفر الشيخ يحصد المركز الأول فى الفنون الشعبية والنحت والدورى الثقافى فى "إبداع"    وزير المالية: دعم جهود تمكين القطاع الخاص المصري مع التركيز على التوسع والنفاذ إلى الأسواق الأفريقية    شوبير يكشف موقف إمام عاشور من المشاركة أمام فاركو: اللاعب يسعى لصناعة المفاجأة    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 40.7 مليون خدمة طبية مجانية خلال 26 يومًا    كلية طب قصر العينى تطلق مجلة دولية محكمة بالشراكة مع ناشر عالمى    ضبط عاطل بالجيزة لتصنيع الأسلحة البيضاء والإتجار بها دون ترخيص    المصرية للتعلم الإلكتروني الأهلية تشارك في النسخة الأولى من بطولة العلمين للجامعات    ضبط 8 أطنان خامات أعلاف مجهولة المصدر في حملة تفتيشية بالشرقية    «لمحبي الصيف».. اعرف الأبراج التي تفضل الارتباط العاطفي في أغسطس    لليوم ال 11.. «التموين» تواصل صرف مقررات أغسطس    وزير الري يؤكد أهمية صيانة وتطوير منظومة المراقبة والتشغيل بالسد العالي    مؤتمر صحفي لإعلان نتيجة انتخابات مجلس الشيوخ.. الثلاثاء    السياحة والآثار: وادي الملوك بالأقصر آمن والمقابر لم تتأثر بالحريق    نقص مخزون الحديد.. أجراس تحذير للجسم وطرق علاج الأنيميا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاثنين 11-8-2025 في محافظة قنا    الذهب يتراجع مع انحسار التوترات الجيوسياسية وترقّب بيانات التضخم الأمريكية    أمين الفتوى: رزق الله مقدّر قبل الخلق ولا مبرر للجوء إلى الحرام    انطلاق فعاليات مبادرة "أنا أيضا مسئول" بجامعة جنوب الوادى    شيري عادل تخطف الأضواء وتعتلي منصة التكريم في مهرجان إبداع بحضور وزير الشباب والرياضة وكبار المحافظين    موعد مباراة بيراميدز والإسماعيلي في الدوري الممتاز    مسئول أمريكي: تقدم ملموس نحو تسوية سياسية بين روسيا وأوكرانيا    تعرَّف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 11 اغسطس 2025 بمحافظة بورسعيد    بقوة 6.1 درجة.. مقتل شخص وإصابة 29 آخرين في زلزال غرب تركيا    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل الصحفي أنس الشريف في غارة على غزة    أمين الفتوى: لا يجوز كتابة كل ما يملك الإنسان لبناته لأنه بذلك يعطل أحكام الميراث    أمين الفتوى يوضح: المال الموهوب من الأب في حياته لا يدخل في الميراث    هل يجوز إجبار الزوجة على الإنفاق في منزل الزوجية؟.. أمينة الفتوى تجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة مصر في عيون المستشرقين (2)
نشر في محيط يوم 30 - 05 - 2013

يُعد المصور "دافيد روبرتس" David Roberts من أهم المصورين المستشرقين الذين ينتمون إلى المدرسة الإنجليزية في "الاستشراق"، وترجع شهرته إلى ما خلفه من إنتاج فني رائع تناول في أكثره موضوعات العمارة الإسلامية والآثار الفرعونية في مصر.وحيث أن للفنان "دافيد روبرتس" من أكثر الفنانين تناولاً للشرق بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، ومن خلال ذلك الكم من الأعمال التي أنتجها هذا الفنان وذلك الكم الأكبر الذي يعرضه ذلك المعرض؛ لذا سوف نستعرض حياته بصورة موجزه نبذه عن حياة الفنان:عاش الفنان فيما بين عامي (1796-1864)، وهو اسكتلندي الأصل، ونشأ في مدينة "أدنبره"؛ حيث كان يعمل والده في صناعة الأحذية وكانت شهرته كرسام قد ظهرت خلال العصرين "الجريجوري"، و"الفيكتوري" البريطانيين.
وقد عرفت هذه الفترة ب"عصر الثورات الحادة" (1789، 1720، 1848)، وظهر خلالها نبوغه الفني الذي بهر الناس بموهبته المتفجرة، وبخاصة في رسم التصميمات المعمارية.زيارته لمصر:لقد وصل "دافيد روبرتس" إلى أقصى ما استطاع الوصول إليه في مصر عند "الشلال الثاني" راكباً سفينة تحمل العلم الإنجليزي في نهر النيل، مسجلاً كل ما تراه عينه بفرشاته مدوناً يومياته التي عن طريقها استطعنا أن نتعرف على انطباعاته عن مصر في ذلك الوقت، وأثر ذلك على أعماله الفنية بها. وقد زار بعد ذلك "فلسطين"، و"الشام"، و"لبنان"، فرسم "كنيسة القيامة"، وكذلك بعض المعالم في "بانياس"، و"صفر"، و"رأس النافورة"، و"بيت لحم"، و"نابلس".
وامتدت هذه المرحلة إلى سيناء "أرض التيه – حيث عكست أعماله الكثير عن طبيعتها".وكان لذيوع شهرة "دافيد روبرتس" في أوروبا، رواج أعماله الاستشراقية بجانب لباقته السياسية، سبباً في ثرائه، والذي أثر على تيسير سبل الترحال والعيش المتسع له. ويعلق الدكتور "ثروت عكاشة" على رحلة "روبرتس" للشرق قائلاً: "بالرغم من أن جولته في الشرق الأوسط كانت حلم حياته منذ الصبا، إلا أنها كانت في الوقت نفسه مشروعاً تجارياً رابحاً بالنسبة له، وقليل هم الفنانون الإنجليز من مستوى "روبرتس" الذين استطاعوا زيارة تلك الرقعة الفسيحة، التي اجتازها هو في رحلة واحدة كشف فيها بريشته عن مصر، والنوبة، والأراضي المقدسة، وبعلبك، ولم يمنعه غير المرض من زيارة دمشق وتدمر".
أهمية إنتاج المصور:تكمن أهمية إنتاج "دافيد روبرتس" كفنان كلاسيكي، ومستشرق فني وعلمي في أنه قدم خلال هذا الإنتاج تسجيلاً شاملاً لرحلته في الشرق. فقدم كتابات عن يومياته وملاحظاته عن طابع الحياة الشرقية. كما تنوع إنتاجه الفني في الرسم، والتصوير، والصورة المحفورة (الحفر)، لكل المشاهد التي وقعت تحت عينيه، وتأثر بها.قد أسفر ذلك النشاط الاستشراقي للفنان عن إخراجه مؤلفه الضخم عن زيارته لمصر والشرق الأدنى بعنوان "الأراضي المقدسة ومصر والنوبة" وهو عبارة عن ثلاثة مجلدات، كذلك كان لأهم مجلداته الذي تعلق ب"مدينة القاهرة" دور كبير في الإحاطة بطابعها الفني والاجتماعي.القيم الجمالية في أعمالهنقطة الانطلاق:هناك من العوامل ما أثر على فكر "دافيد روبرتس" وحرك نزعته نحو الاهتمام بالعمارة الإسلامية وقيمها الجمالية، كذلك على أسلوب التعبير عنها في تصوير لوحاته.
ولعل أهم هذه العوامل هو نبوغه في التصميمات المعمارية التي اشتهر بها قبل زيارته لمصر، والتي أوجدت الموهبة الهندسية في خطوطه وتنظيمه لعناصر الشكل.غير أن مما يثير الدهشة أن ذلك العمل الفني جاء مشبعاً بالروح العلمية القائمة على البحث حول آثار وتاريخ مصر الفرعوني والإسلامي مما أثقل تلك الأعمال في جوهرها وأضاف لها قيمة تاريخية.
ولذلك فإن معظم إنتاج "دافيد روبرتس" حفلت به مجلدات ضخمة أثرت على شكل العمل الفني حيث اختار الألوان المائية الملائمة لطبيعة هذه المجلدات، كذلك فإن معظم لوحاته اتصفت بالالتزام نحو الواقع وأمانة النقل من خلال أسلوبه الفريد في التعبير عنها.تحليل الأعمال:حينما نتأمل بعض أعمال "دافيد روبرتس" المتعلقة بالعمارة الإسلامية من خلال المنظر كما في لوحة "باب زويلة"، وكذلك لوحة "بوابة المتولي". نلاحظ إلى أي مدى يبدو اختياره لهذا العنصر المعماري من زاوية الرؤية المتسعة التي يكتمل من خلالها إبراز خصائص ذلك الشكل المعماري من الضخامة إذا قيس بالعنصر البشري أسفل اللوحة، فهو حريص دائماً على المحافظة على نسب العناصر في جزئيتها، ثم نسبها الكلية داخل المنظر. وبرغم اهتمام "روبرتس" بالأبعاد والمنظور فإنه يحافظ على تفاصيل الشكل المعماري وإن لم يلتزم الدقة أحياناً في تفسيراتها البصرية محافظاً على النظرة الكلية للعمل الفني.
ويحرص الفنان أيضاً على اختيار الشكل المعماري في أحسن زواياه بحيث يبدو أكثر صفاته واضحة فنلاحظ إظهاره جزء من البوابة الضخمة بجانب المئذنة التي تبدو في أعلى المنظر ولكي لا يزيد من الاتجاه الرأسي في اللوحة جعل لون المئذنة يتلاشى مع لون السماء مستخدماً تأثير الضوء. كما أن الخطوط الأفقية التي تُزين بها جدران الشكل المعماري كسرت حدة الارتفاع الرأسي للخطوط، وإن كانت هذه الخطوط الملونة قد استخدمت في الأشكال المعمارية الإسلامية لتحقيق قيمة جمالية في الشكل وإذابة ماديته السطحية في تكرار لا نهائي مبعثه إحساس روحي.ولكي يحافظ الفنان على الاتزان داخل المنظر استخدم الضوء استخداماً درامياً مسرحياً بحيث أتاح له الظل الهدوء في إبراز جزء من التفاصيل التي تريح الرؤية غير أن استخدامه للضوء يعمل على تحقيق الاتزان والأبعاد ويبدو ذلك في اللون الفاتح الذي غمر شخصين أسفل المنظر في منطقة تعمل على اتزان العمل وهي أيضاً محل جذب للعين من أعلى المئذنة التي تلاشت في الأفق.
ويعمد "دافيد روبرتس" دائماً على اختياره مجموعة ألوانه المائية في توافق قائم على تقارب الدرجة اللونية ويبدو ذلك في لوحته "جامع المؤيد من الداخل"، حيث أنه وجد أن كثرة اختلاف الألوان بجانب التفاصيل المعمارية ذات الزخارف من شأنها إرهاق النظرة الكلية للعمل. ففي هذه اللوحة ينجح الفنان في توصيله للمتلقي الجو الرومانسي وسمو المكان بتوضيح ارتفاع الأعمدة والسقف وإخراجه المسرحي في تنظيم الضوء، كما أنه يربط بين ذلك الحس الديني في خشوعه وبين التكوينات البشرية داخل المسجد، فصور الخطيب، وقد سكنت الحركة للاستمتاع إليه. إن اهتمام "روبرتس" بالموضوع بجانب التزامه بعناصر الشكل المعماري هو غايته، ولكن مسألة التعبير عنها تستلزم منه محورين أولهما التعبير عن الفن الإسلامي والطابع الشرقي في واقعيته وهذا يتطلب منه الالتزام بالمطابقة.
والمحور الثاني التعبير عن ذلك الواقع بإحساس الفنان مما يتطلب منه الإبداع في طريقة تنفيذ اللون، وهذا يعتمد على حساباته الهندسية في بناء العمل الفني.فلوحة "سوق النحاسين تحف به المساجد والدكاكين" لإظهار مقدرة الفنان "دافيد روبرتس" على رؤيته الهندسية، فهو في هذه اللوحة يبدو كرساماً عبرت خطوطه عن المنظور والإحساس بالعمق في إتمام المنظر كما أنه تميز من خلال رسمه المئذنة على مقدرته في نقل ارتفاعات المباني ونسبها (حتى في المناطق الضيقة) وإن ذلك الأثر لا يضارعه في التسجيل غير آلات التصوير ذات العدسات الفسيحة الزوايا.
والشيء المدهش لدى المشاهد للوحات "روبرتس" في أنه يشعر بالخطوط المبدئية الأولية لأعماله، وبرغم اهتمامه باللوحة حتى يصل بها لدرجة تقنية عالية في بعض أجزائها إلا أنه يظل محافظاً على الانطباع الأول، نلاحظه في خطوط المئذنة التي تبدو في صورة "الاسكتش" وفي هذا يمكن الإشارة لما كتبته بعض المراجع: "كان "روبرتس" على وعي بمقالاته أحياناً في خلع الأهمية على الموضوع الذي يصوره، كما كان كثير من أن يؤدي إسرافه في تصوير التفاصيل الدقيقة إلى التضحية بطاقة الرسم الخلاقة، ولذا كان يؤمن بأن مثل هذه الاسكتشات أشد ارضاءًا للمشاهد منها بعد استكمال صيغتها النهائية المزدحمة بالتفاصيل الدقيقة التي تتناقص معها الطاقة المصاحبة للانفعال الوجداني والقوى الكامنة في الانطباع الأول للمشهد" ويؤكد ذلك بعض رسومه الخطية في معالجة موضوعاته، وحول اهتمامات "روبرتس" بالعمارة الفرعونية تنعكس دراسته المستفيضة في معظم لوحاته التي تناولتها، فحينما نتأمل لوحته "المدخل الجليل لمعبد دندره"، وكذلك لوحة "معبد دندره"، يدفعنا منذ الرؤية الأولى للخوض معه داخل هذا المعبد، حيث اتخذ مكان تصويره من نقطة المنتصف المدخل ويجذب عين المشاهد للإحساس بالعمق.
كما أن دراسته للأعمدة بطريقة اصطفافها يعكس ذلك الإيقاع الجمالي لها.واستمراراً لدراسته ومتابعة لحركة الضوء، نلاحظ أنه أحسن استخدام الظل والضوء من الخارج ليضفي الحيوية على المشهد كما أنه استخدم الضوء من الداخل بانتظام أدى إلى التوازن.كذلك فإن اهتمام "روبرتس" باللون يتضح في اختياره توافقاً لونياً قائماً على تقارب الدرجات، غير أنه أحياناً يلجأ إلى خشونة الأجزاء الملونة بوضع بقع الألوان الصريحة. كما إنه يكرر الإيقاع اللوني في أعلى وأسفل اللوحة بدرجات متفاوتة بالقدر الذي يؤدي في النهاية إلى وحدة العمل الفني.
وفي لوحته "المعبد المكشوف بجزيرة فيله"، يظهر "روبرتس" مقدرته على تكوين عناصر المنظر مع المحافظة على واقعيته. فيبدو ذلك الامتداد الطبوغرافي لطبيعة المنطقة واضحاً في الأبعاد. وبصورة تعبيرية يربط بين "المعبد"، و"نيل مصر" الخالد بأسلوبه المسرحي الذي يتغاضى أحياناً عن دراسة التفاصيل معوضاً عن ذلك بالتعبير الذاتي عن طريق درجات اللون والتنوع في تشكيل ملامس السطوح.ومع الإحساس بسكون الشكل المعماري في المنظر يستغل مناطق الظل الداكنة يضفي عليها الحركة عن طريق رسم الشخوص بأوضاع مترابطة فيما بينها على شكل كتلة ذات ألوان صريحة أحياناً على هيئة بقع صغيرة محدثاً نوعاً من التوازن يقابل الشكل المعماري للمعبد.
ويمتد أسلوبه المسرحي في لوحته "معبد ادفو من عتبة المدخل" التي نفذها بالألوان المائية. وقد أبرز الطابع العلمي الذي اتسم به المكان في الشكل والمنظور وكذلك نسب الارتفاعات المعمارية، ومن زاوية التقاطه للشكل المرسوم أمكنه اتساع الرؤية لخصائص المعبد من الداخل كالاتساع وضخامة المبنى.ويستمر في دراسته للشكل من الاهتمام بملامس سطوح الأرض الصخرية التي صاغ الفنان المصري القديم معبده، كما تكتمل شخصية المعبد في شكلها الفني حين اهتم الفنان في دراسته جزء من الزخارف التي تحلى بها سقف المعبد.
ومن أشهر لوحات "دافيد روبرتس" لوحته المسماة ب "أبو الهول والهرم تعانقهما الشمس في مغيبها"، وهي ألوان مائية وقد أعاد صياغتها على لوحة زيتية، وترجع شهرة هذه اللوحة – إن لم تكن أفضل أعماله – إلى أنها كانت محل النقد الفني من قبل المصور "وليام هولمان" W. Holman، الذي أشار لتحريف الفنان "روبرتس" لموضوع "أبي الهول" مبيناً على حد قوله: "إن أبو الهول قد أقيم ليواجه الشمس، وأن في وضعيته هذه خروجاً لا مبرر له على أصول العقيدة المصرية". كما افتتن بهذه اللوحة الروائي "تشارلز ديكنز" Ch. Deknez.
وعلى الرغم من أن "دافيد روبرتس" اهتم بالتسجيل المطابق لعالم الطبيعة المصرية وآثارها من الناحية الطبوغرافية والشكلية وذلك انعكس في استخدامه لدرجات الضوء حيث نتلمس هذا الحس الدرامي في إيحاءات الغروب في هذه اللوحة والإخراج المسرحي للشخوص التي التفت حول "أبو الهول" في سيمفونية احتفال مهيب.
لذلك نستنتج أن الفنان "دافيد روبرتس" قد صور هذه الموضوعات التي ارتبطت بالعمارة في مصر مدفوعاً بطاقة علمية أكدت أبحاثه، وأمدت المجتمع الأوروبي وقتها بمادة علمية فنية ساعدت على شهرته فيها، اكتشاف الآثار الفرعونية ودراسة الآثار الإسلامية في أوروبا مما فرض عليه التسجيل بصورة واقعية، عكس خلالها الدراسة الأكاديمية لفن التصوير.بريشته التي امتزجت فيها روح التوثيق بلمسات الفنان الحالمة رسم المستشرق البريطاني "دافيد روبرتس" معالم مصر وآثارها ومدنها المترامية، بعد أن جاب ربوعها خلال رحلته التاريخية نحو الشرق التي بدأها عام (1838)، وانتهت عام (1839).
وصل روبرتس إلى الإسكندرية عام (1838) ثم أبحر عبر النيل إلى القاهرة، ومن القاهرة انطلق عبر سيناء إلى البتراء في الأردن، وبعدها إلى الخليل والقدس والأماكن المقدسة الأخرى في فلسطين، ثم تابع رحلته نحو الشمال من خلال نابلس والنصرة وطبرية ثم وصل إلى لبنان وبعدها غادر من بيروت إلى لندن في شهر مايو (آيار) عام (1939).ومن بين أعماله التي وضعته ضمن المستشرقين الكبار لوحات تصور معالم مصر، منها لوحات: "قناطر على النيل"، و"جامع الغوري"، و"قصر محمد علي"، و"مسلة في الأقصر"، و"معبد الكرنك"، و"باب زويلة"، و"شجرة العائلة المقدسة"، و"معبد إيزيس في أسوان"، و"معبد أبو سمبل"، و"معبد ادفو"، و"منظر بانورامي لأبي الهول وخلفه الأهرامات"، و"مقياس النيل في الروضة"، و"دير سانت كاترين".
نقل واقع الحياة ليمنح المشاهد فرصة عظيمة ليرى كيف كان الناس يعيشون بأزيائهم ووسائلهم الحياتية الأخرى، نقلها بريشة عبقرية تميزت بدقتها وإبداعها.حازت مصر في فترة محمد علي على نصيب الأسد من اللوحات ومجلسه، وضيوفه، وكذلك جبال سيناء حتى معبد فيله في أعالي النوبة، فقد رسم كل شيء قابله في رحلته أثناء تنقله بدءًا من جبال سيناء مروراً بمدينة السويس، والأهرامات وما يحيط بها ومنطقة سقارة، ثم القاهرة (القديمة الآن)، بكل تفاصيلها من شوارع نظيفة وأنيقة وحركة الناس في هذه الشوارع من تنقل وتبادل تجاري وغيرها، وكذلك المساجد بمآذنها وبوابات القاهرة ومقاهيها.
ثم تلا ذلك حركة تنقل السفن في النيل بكل تفاصيلها ليرسم صوراً لبولاق، والجيزة وكرداسة مروراً بمنطقة الصعيد، مثل أسيوط، وصولاً إلى ادفو، وإسنا، وكوم امبو، وصولاً إلى أسوان ثم النوبة، ليرسم ما قابله من معابد وآثار فرعونية بدقة مدهشة، كما ضمنت اللوحات صوراً للفلاحين في هذه الفترة، حتى تماسيح النيل رسمها في إحدى اللوحات، وكذلك مقياس النيل في منطقة الروضة الذي كان يعد تحفة معمارية، ومما رسمه لوحة كتب أسفلها "الغوازي" التي تعني ومازالت في الريف المصري الراقصة الشعبية مع عازفي الربابة.
وعلى ما يبدو أن هذا الفنان عندما جاء كان محملاً بنظرته الغربية للشرق، فقد رسم في واحدة من اللوحات سوقاً للعبيد يمتلئ بالرجال والنساء السود من الجنسين، كما رسم سفينة تجري في النيل وعليها ركاب سود وكتب أسفلها نقل العبيد، وفضلاً عن ذلك رسم نساء من النوبة، خلط بين الإفريقي والفرعوني.كان لمدينة القاهرة أو مدينة الألف مئذنة سحر جذب الرحَّالة والأدباء والفنانين الأوروبيين، فحركت في نفوسهم الحنين المضطرم إلى عبق الصحَّاري وصخب الزحام وواجهات الحوانيت، ودفء الحياة، والثياب المزركشة، وآثار الماضي العريق وأساطين ألف ليلة وليلة؛ ليرسموا لنا مشاهد تنبض بالحياة، متباينة الألوان والظلال لمجتمع القاهرة في زمانها الجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.