استقرار أسعار الأسماك وارتفاع الجمبري في أسواق الإسكندرية اليوم    رئيس الوزراء: مستعدون لتقديم أي دعم مُمكن لزيادة صادرات الصناعات الغذائية    توريد 587 ألف طن قمح لشون وصوامع الشرقية    وزير التنمية المحلية: مشروعات الرصف والتطوير بالغربية تحقق رضا المواطن    إنفوجراف| تعرف على أنشطة مديريات الزراعة والطب البيطري خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: نحذر من استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية ضد شعبنا من رفح إلى جنين    بعد تحقق توقعاته عن زلازل إيطاليا.. العالم الهولندي يحذر العالم من أخطر 48 ساعة    حزب الله يستهدف جنودا إسرائيليين عند موقع الراهب بالأسلحة الصاروخية والقذائف المدفعية    تطورات بيان «كاف» عن نهائي الكونفدرالية.. إيقاف لاعب الزمالك وعضو المجلس | عاجل    شوبير يكشف موعد عودة علي معلول إلى الملاعب.. مفاجأة كبرى ل الأهلي    وكيل «تعليم مطروح» يشكل لجنة لمراجعة ترجمة امتحان العلوم للشهادة الإعدادية    تحرير 121 محضرا مخالفا خلال حملات تموينية وتفتيشية بمراكز المنيا    مدير «القومية للحج» يوضح تفاصيل تفويج حجاج الجمعيات الأهلية (فيديو)    إصابة مواطنين في حادث تصادم بين سيارتين بالفيوم    الإعدام لعامل والمؤبد والسجن لآخرين في قضية قتل سيدة وتقطيع جسدها في الإسكندرية    فيلم السرب يواصل صعوده في شباك التذاكر.. وإيراداته تتجاوز 31 مليون جنيه    الليلة.. أبطال وصناع فيلم "بنقدر ظروفك" يحتفلون بالعرض الخاص    أخصائي أمراض الجهاز الهضمي يوضح الفرق بين الإجهاد الحراري وضربات الشمس    «صحة المنيا» تنظم قافلة طبية بقرية رسلان غدا.. تضم 8 تخصصات    محافظ جنوب سيناء ومنسق المبادرة الوطنية للمشروعات الخضراء يتفقدان مبنى الرصد الأمني بشرم الشيخ    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    إستراليا ونيوزيلندا ترسلان طائرات إلى كاليدونيا الجديدة في ظل الاضطرابات    صباح الكورة.. 7 لاعبين مهددون بالرحيل عن الهلال وبنزيما يقرر الرحيل عن اتحاد جدة وميسي يفاجئ تركي آل الشيخ    كيف تستعد وزارة الصحة لأشهر فصل الصيف؟    وزير التعليم: مدارس IPS الدولية حازت على ثقة المجتمع المصري    أخبار الأهلي : قلق داخل الأهلي قبل نهائي دوري أبطال أفريقيا    لمواليد برج الحمل.. توقعات الأسبوع الأخير من مايو 2024 (تفاصيل)    رئيس الإذاعة: المولى عز وجل قدّر للرئيس السيسي أن يكون حارسا للقرآن وأهله    الموعد والقناة الناقلة لقمة اليد بين الأهلي والزمالك بدوري كرة اليد    أخبار الأهلي : هجوم ناري من شوبير على الرابطة بسبب الأهلي والزمالك.. وكارثة منتظرة    حفل تأبين الدكتور أحمد فتحي سرور بحضور أسرته.. 21 صورة تكشف التفاصيل    بالتزامن مع فصل الصيف.. توجيهات عاجلة من وزير الصحة    في يومه العالمي.. طبيب يكشف فوائد الشاي    استعدادات مكثفة بجامعة سوهاج لبدء امتحانات الفصل الدراسي الثاني    تاريخ المسرح والسينما ضمن ورش أهل مصر لأطفال المحافظات الحدودية بالإسكندرية    «القومي للمرأة» يوضح حق المرأة في «الكد والسعاية»: تعويض عادل وتقدير شرعي    طلب تحريات حول انتحار فتاة سودانية صماء بعين شمس    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    الثلاثاء 21 مايو 2024.. نشرة أسعار الأسماك اليوم بسوق العبور للجملة    صعود جماعي لمؤشرات البورصة في بداية تعاملات الثلاثاء    استشهاد رئيس قسم الجراحة بمستشفى جنين    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 49570 جنديًا منذ بداية الحرب    حسم اللقب أم اللجوء للمواجهة الثالثة.. موعد قمة الأهلي والزمالك في نهائي دوري اليد    لجان البرلمان تواصل مناقشة مشروع الموازنة.. التموين والطيران والهجرة وهيئة سلامة الغذاء الأبرز    داعية إسلامي: الحقد والحسد أمراض حذرنا منها الإسلام    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-5-2024    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    حسام المندوه: الكونفدرالية جاءت للزمالك في وقت صعب.. وهذا ما سيحقق المزيد من الإنجازات    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    المقاومة الفلسطينية تستهدف قوات الاحتلال قرب مفترق بلدة طمون جنوب مدينة طوباس    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    عمرو أديب عن وفاة الرئيس الإيراني في حادث الطائرة: «إهمال وغباء» (فيديو)    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صورة مصر في عيون المستشرقين (2)
نشر في محيط يوم 29 - 05 - 2013

يُعد المصور "دافيد روبرتس" David Roberts من أهم المصورين المستشرقين الذين ينتمون إلى المدرسة الإنجليزية في "الاستشراق"، وترجع شهرته إلى ما خلفه من إنتاج فني رائع تناول في أكثره موضوعات العمارة الإسلامية والآثار الفرعونية في مصر.
وحيث أن للفنان "دافيد روبرتس" من أكثر الفنانين تناولاً للشرق بصفة عامة ومصر بصفة خاصة، ومن خلال ذلك الكم من الأعمال التي أنتجها هذا الفنان وذلك الكم الأكبر الذي يعرضه ذلك المعرض؛ لذا سوف نستعرض حياته بصورة موجزه
نبذه عن حياة الفنان:
عاش الفنان فيما بين عامي (1796-1864)، وهو اسكتلندي الأصل، ونشأ في مدينة "أدنبره"؛ حيث كان يعمل والده في صناعة الأحذية وكانت شهرته كرسام قد ظهرت خلال العصرين "الجريجوري"، و"الفيكتوري" البريطانيين. وقد عرفت هذه الفترة ب"عصر الثورات الحادة" (1789، 1720، 1848)، وظهر خلالها نبوغه الفني الذي بهر الناس بموهبته المتفجرة، وبخاصة في رسم التصميمات المعمارية.
زيارته لمصر:
لقد وصل "دافيد روبرتس" إلى أقصى ما استطاع الوصول إليه في مصر عند "الشلال الثاني" راكباً سفينة تحمل العلم الإنجليزي في نهر النيل، مسجلاً كل ما تراه عينه بفرشاته مدوناً يومياته التي عن طريقها استطعنا أن نتعرف على انطباعاته عن مصر في ذلك الوقت، وأثر ذلك على أعماله الفنية بها. وقد زار بعد ذلك "فلسطين"، و"الشام"، و"لبنان"، فرسم "كنيسة القيامة"، وكذلك بعض المعالم في "بانياس"، و"صفر"، و"رأس النافورة"، و"بيت لحم"، و"نابلس". وامتدت هذه المرحلة إلى سيناء "أرض التيه – حيث عكست أعماله الكثير عن طبيعتها".
وكان لذيوع شهرة "دافيد روبرتس" في أوروبا، رواج أعماله الاستشراقية بجانب لباقته السياسية، سبباً في ثرائه، والذي أثر على تيسير سبل الترحال والعيش المتسع له. ويعلق الدكتور "ثروت عكاشة" على رحلة "روبرتس" للشرق قائلاً: "بالرغم من أن جولته في الشرق الأوسط كانت حلم حياته منذ الصبا، إلا أنها كانت في الوقت نفسه مشروعاً تجارياً رابحاً بالنسبة له، وقليل هم الفنانون الإنجليز من مستوى "روبرتس" الذين استطاعوا زيارة تلك الرقعة الفسيحة، التي اجتازها هو في رحلة واحدة كشف فيها بريشته عن مصر، والنوبة، والأراضي المقدسة، وبعلبك، ولم يمنعه غير المرض من زيارة دمشق وتدمر".
أهمية إنتاج المصور:
تكمن أهمية إنتاج "دافيد روبرتس" كفنان كلاسيكي، ومستشرق فني وعلمي في أنه قدم خلال هذا الإنتاج تسجيلاً شاملاً لرحلته في الشرق. فقدم كتابات عن يومياته وملاحظاته عن طابع الحياة الشرقية. كما تنوع إنتاجه الفني في الرسم، والتصوير، والصورة المحفورة (الحفر)، لكل المشاهد التي وقعت تحت عينيه، وتأثر بها.
قد أسفر ذلك النشاط الاستشراقي للفنان عن إخراجه مؤلفه الضخم عن زيارته لمصر والشرق الأدنى بعنوان "الأراضي المقدسة ومصر والنوبة" وهو عبارة عن ثلاثة مجلدات، كذلك كان لأهم مجلداته الذي تعلق ب"مدينة القاهرة" دور كبير في الإحاطة بطابعها الفني والاجتماعي.
القيم الجمالية في أعماله
نقطة الانطلاق:
هناك من العوامل ما أثر على فكر "دافيد روبرتس" وحرك نزعته نحو الاهتمام بالعمارة الإسلامية وقيمها الجمالية، كذلك على أسلوب التعبير عنها في تصوير لوحاته. ولعل أهم هذه العوامل هو نبوغه في التصميمات المعمارية التي اشتهر بها قبل زيارته لمصر، والتي أوجدت الموهبة الهندسية في خطوطه وتنظيمه لعناصر الشكل.
غير أن مما يثير الدهشة أن ذلك العمل الفني جاء مشبعاً بالروح العلمية القائمة على البحث حول آثار وتاريخ مصر الفرعوني والإسلامي مما أثقل تلك الأعمال في جوهرها وأضاف لها قيمة تاريخية. ولذلك فإن معظم إنتاج "دافيد روبرتس" حفلت به مجلدات ضخمة أثرت على شكل العمل الفني حيث اختار الألوان المائية الملائمة لطبيعة هذه المجلدات، كذلك فإن معظم لوحاته اتصفت بالالتزام نحو الواقع وأمانة النقل من خلال أسلوبه الفريد في التعبير عنها.
تحليل الأعمال:
حينما نتأمل بعض أعمال "دافيد روبرتس" المتعلقة بالعمارة الإسلامية من خلال المنظر كما في لوحة "باب زويلة"، وكذلك لوحة "بوابة المتولي". نلاحظ إلى أي مدى يبدو اختياره لهذا العنصر المعماري من زاوية الرؤية المتسعة التي يكتمل من خلالها إبراز خصائص ذلك الشكل المعماري من الضخامة إذا قيس بالعنصر البشري أسفل اللوحة، فهو حريص دائماً على المحافظة على نسب العناصر في جزئيتها، ثم نسبها الكلية داخل المنظر. وبرغم اهتمام "روبرتس" بالأبعاد والمنظور فإنه يحافظ على تفاصيل الشكل المعماري وإن لم يلتزم الدقة أحياناً في تفسيراتها البصرية محافظاً على النظرة الكلية للعمل الفني.
ويحرص الفنان أيضاً على اختيار الشكل المعماري في أحسن زواياه بحيث يبدو أكثر صفاته واضحة فنلاحظ إظهاره جزء من البوابة الضخمة بجانب المئذنة التي تبدو في أعلى المنظر ولكي لا يزيد من الاتجاه الرأسي في اللوحة جعل لون المئذنة يتلاشى مع لون السماء مستخدماً تأثير الضوء. كما أن الخطوط الأفقية التي تُزين بها جدران الشكل المعماري كسرت حدة الارتفاع الرأسي للخطوط، وإن كانت هذه الخطوط الملونة قد استخدمت في الأشكال المعمارية الإسلامية لتحقيق قيمة جمالية في الشكل وإذابة ماديته السطحية في تكرار لا نهائي مبعثه إحساس روحي.
ولكي يحافظ الفنان على الاتزان داخل المنظر استخدم الضوء استخداماً درامياً مسرحياً بحيث أتاح له الظل الهدوء في إبراز جزء من التفاصيل التي تريح الرؤية غير أن استخدامه للضوء يعمل على تحقيق الاتزان والأبعاد ويبدو ذلك في اللون الفاتح الذي غمر شخصين أسفل المنظر في منطقة تعمل على اتزان العمل وهي أيضاً محل جذب للعين من أعلى المئذنة التي تلاشت في الأفق. ويعمد "دافيد روبرتس" دائماً على اختياره مجموعة ألوانه المائية في توافق قائم على تقارب الدرجة اللونية ويبدو ذلك في لوحته "جامع المؤيد من الداخل"، حيث أنه وجد أن كثرة اختلاف الألوان بجانب التفاصيل المعمارية ذات الزخارف من شأنها إرهاق النظرة الكلية للعمل. ففي هذه اللوحة ينجح الفنان في توصيله للمتلقي الجو الرومانسي وسمو المكان بتوضيح ارتفاع الأعمدة والسقف وإخراجه المسرحي في تنظيم الضوء، كما أنه يربط بين ذلك الحس الديني في خشوعه وبين التكوينات البشرية داخل المسجد، فصور الخطيب، وقد سكنت الحركة للاستمتاع إليه. إن اهتمام "روبرتس" بالموضوع بجانب التزامه بعناصر الشكل المعماري هو غايته، ولكن مسألة التعبير عنها تستلزم منه محورين أولهما التعبير عن الفن الإسلامي والطابع الشرقي في واقعيته وهذا يتطلب منه الالتزام بالمطابقة.
والمحور الثاني التعبير عن ذلك الواقع بإحساس الفنان مما يتطلب منه الإبداع في طريقة تنفيذ اللون، وهذا يعتمد على حساباته الهندسية في بناء العمل الفني.
فلوحة "سوق النحاسين تحف به المساجد والدكاكين" لإظهار مقدرة الفنان "دافيد روبرتس" على رؤيته الهندسية، فهو في هذه اللوحة يبدو كرساماً عبرت خطوطه عن المنظور والإحساس بالعمق في إتمام المنظر كما أنه تميز من خلال رسمه المئذنة على مقدرته في نقل ارتفاعات المباني ونسبها (حتى في المناطق الضيقة) وإن ذلك الأثر لا يضارعه في التسجيل غير آلات التصوير ذات العدسات الفسيحة الزوايا.
والشيء المدهش لدى المشاهد للوحات "روبرتس" في أنه يشعر بالخطوط المبدئية الأولية لأعماله، وبرغم اهتمامه باللوحة حتى يصل بها لدرجة تقنية عالية في بعض أجزائها إلا أنه يظل محافظاً على الانطباع الأول، نلاحظه في خطوط المئذنة التي تبدو في صورة "الاسكتش" وفي هذا يمكن الإشارة لما كتبته بعض المراجع: "كان "روبرتس" على وعي بمقالاته أحياناً في خلع الأهمية على الموضوع الذي يصوره، كما كان كثير من أن يؤدي إسرافه في تصوير التفاصيل الدقيقة إلى التضحية بطاقة الرسم الخلاقة، ولذا كان يؤمن بأن مثل هذه الاسكتشات أشد ارضاءًا للمشاهد منها بعد استكمال صيغتها النهائية المزدحمة بالتفاصيل الدقيقة التي تتناقص معها الطاقة المصاحبة للانفعال الوجداني والقوى الكامنة في الانطباع الأول للمشهد" ويؤكد ذلك بعض رسومه الخطية في معالجة موضوعاته، وحول اهتمامات "روبرتس" بالعمارة الفرعونية تنعكس دراسته المستفيضة في معظم لوحاته التي تناولتها، فحينما نتأمل لوحته "المدخل الجليل لمعبد دندره"، وكذلك لوحة "معبد دندره"، يدفعنا منذ الرؤية الأولى للخوض معه داخل هذا المعبد، حيث اتخذ مكان تصويره من نقطة المنتصف المدخل ويجذب عين المشاهد للإحساس بالعمق. كما أن دراسته للأعمدة بطريقة اصطفافها يعكس ذلك الإيقاع الجمالي لها.
واستمراراً لدراسته ومتابعة لحركة الضوء، نلاحظ أنه أحسن استخدام الظل والضوء من الخارج ليضفي الحيوية على المشهد كما أنه استخدم الضوء من الداخل بانتظام أدى إلى التوازن.
كذلك فإن اهتمام "روبرتس" باللون يتضح في اختياره توافقاً لونياً قائماً على تقارب الدرجات، غير أنه أحياناً يلجأ إلى خشونة الأجزاء الملونة بوضع بقع الألوان الصريحة. كما إنه يكرر الإيقاع اللوني في أعلى وأسفل اللوحة بدرجات متفاوتة بالقدر الذي يؤدي في النهاية إلى وحدة العمل الفني.
وفي لوحته "المعبد المكشوف بجزيرة فيله"، يظهر "روبرتس" مقدرته على تكوين عناصر المنظر مع المحافظة على واقعيته. فيبدو ذلك الامتداد الطبوغرافي لطبيعة المنطقة واضحاً في الأبعاد. وبصورة تعبيرية يربط بين "المعبد"، و"نيل مصر" الخالد بأسلوبه المسرحي الذي يتغاضى أحياناً عن دراسة التفاصيل معوضاً عن ذلك بالتعبير الذاتي عن طريق درجات اللون والتنوع في تشكيل ملامس السطوح.
ومع الإحساس بسكون الشكل المعماري في المنظر يستغل مناطق الظل الداكنة يضفي عليها الحركة عن طريق رسم الشخوص بأوضاع مترابطة فيما بينها على شكل كتلة ذات ألوان صريحة أحياناً على هيئة بقع صغيرة محدثاً نوعاً من التوازن يقابل الشكل المعماري للمعبد.
ويمتد أسلوبه المسرحي في لوحته "معبد ادفو من عتبة المدخل" التي نفذها بالألوان المائية. وقد أبرز الطابع العلمي الذي اتسم به المكان في الشكل والمنظور وكذلك نسب الارتفاعات المعمارية، ومن زاوية التقاطه للشكل المرسوم أمكنه اتساع الرؤية لخصائص المعبد من الداخل كالاتساع وضخامة المبنى.
ويستمر في دراسته للشكل من الاهتمام بملامس سطوح الأرض الصخرية التي صاغ الفنان المصري القديم معبده، كما تكتمل شخصية المعبد في شكلها الفني حين اهتم الفنان في دراسته جزء من الزخارف التي تحلى بها سقف المعبد.
ومن أشهر لوحات "دافيد روبرتس" لوحته المسماة ب "أبو الهول والهرم تعانقهما الشمس في مغيبها"، وهي ألوان مائية وقد أعاد صياغتها على لوحة زيتية، وترجع شهرة هذه اللوحة – إن لم تكن أفضل أعماله – إلى أنها كانت محل النقد الفني من قبل المصور "وليام هولمان" W. Holman، الذي أشار لتحريف الفنان "روبرتس" لموضوع "أبي الهول" مبيناً على حد قوله: "إن أبو الهول قد أقيم ليواجه الشمس، وأن في وضعيته هذه خروجاً لا مبرر له على أصول العقيدة المصرية". كما افتتن بهذه اللوحة الروائي "تشارلز ديكنز" Ch. Deknez.
وعلى الرغم من أن "دافيد روبرتس" اهتم بالتسجيل المطابق لعالم الطبيعة المصرية وآثارها من الناحية الطبوغرافية والشكلية وذلك انعكس في استخدامه لدرجات الضوء حيث نتلمس هذا الحس الدرامي في إيحاءات الغروب في هذه اللوحة والإخراج المسرحي للشخوص التي التفت حول "أبو الهول" في سيمفونية احتفال مهيب.
لذلك نستنتج أن الفنان "دافيد روبرتس" قد صور هذه الموضوعات التي ارتبطت بالعمارة في مصر مدفوعاً بطاقة علمية أكدت أبحاثه، وأمدت المجتمع الأوروبي وقتها بمادة علمية فنية ساعدت على شهرته فيها، اكتشاف الآثار الفرعونية ودراسة الآثار الإسلامية في أوروبا مما فرض عليه التسجيل بصورة واقعية، عكس خلالها الدراسة الأكاديمية لفن التصوير.
بريشته التي امتزجت فيها روح التوثيق بلمسات الفنان الحالمة رسم المستشرق البريطاني "دافيد روبرتس" معالم مصر وآثارها ومدنها المترامية، بعد أن جاب ربوعها خلال رحلته التاريخية نحو الشرق التي بدأها عام (1838)، وانتهت عام (1839).
وصل روبرتس إلى الإسكندرية عام (1838) ثم أبحر عبر النيل إلى القاهرة، ومن القاهرة انطلق عبر سيناء إلى البتراء في الأردن، وبعدها إلى الخليل والقدس والأماكن المقدسة الأخرى في فلسطين، ثم تابع رحلته نحو الشمال من خلال نابلس والنصرة وطبرية ثم وصل إلى لبنان وبعدها غادر من بيروت إلى لندن في شهر مايو (آيار) عام (1939).
ومن بين أعماله التي وضعته ضمن المستشرقين الكبار لوحات تصور معالم مصر، منها لوحات: "قناطر على النيل"، و"جامع الغوري"، و"قصر محمد علي"، و"مسلة في الأقصر"، و"معبد الكرنك"، و"باب زويلة"، و"شجرة العائلة المقدسة"، و"معبد إيزيس في أسوان"، و"معبد أبو سمبل"، و"معبد ادفو"، و"منظر بانورامي لأبي الهول وخلفه الأهرامات"، و"مقياس النيل في الروضة"، و"دير سانت كاترين".
نقل واقع الحياة ليمنح المشاهد فرصة عظيمة ليرى كيف كان الناس يعيشون بأزيائهم ووسائلهم الحياتية الأخرى، نقلها بريشة عبقرية تميزت بدقتها وإبداعها.
حازت مصر في فترة محمد علي على نصيب الأسد من اللوحات ومجلسه، وضيوفه، وكذلك جبال سيناء حتى معبد فيله في أعالي النوبة، فقد رسم كل شيء قابله في رحلته أثناء تنقله بدءًا من جبال سيناء مروراً بمدينة السويس، والأهرامات وما يحيط بها ومنطقة سقارة، ثم القاهرة (القديمة الآن)، بكل تفاصيلها من شوارع نظيفة وأنيقة وحركة الناس في هذه الشوارع من تنقل وتبادل تجاري وغيرها، وكذلك المساجد بمآذنها وبوابات القاهرة ومقاهيها.
ثم تلا ذلك حركة تنقل السفن في النيل بكل تفاصيلها ليرسم صوراً لبولاق، والجيزة وكرداسة مروراً بمنطقة الصعيد، مثل أسيوط، وصولاً إلى ادفو، وإسنا، وكوم امبو، وصولاً إلى أسوان ثم النوبة، ليرسم ما قابله من معابد وآثار فرعونية بدقة مدهشة، كما ضمنت اللوحات صوراً للفلاحين في هذه الفترة، حتى تماسيح النيل رسمها في إحدى اللوحات، وكذلك مقياس النيل في منطقة الروضة الذي كان يعد تحفة معمارية، ومما رسمه لوحة كتب أسفلها "الغوازي" التي تعني ومازالت في الريف المصري الراقصة الشعبية مع عازفي الربابة.
وعلى ما يبدو أن هذا الفنان عندما جاء كان محملاً بنظرته الغربية للشرق، فقد رسم في واحدة من اللوحات سوقاً للعبيد يمتلئ بالرجال والنساء السود من الجنسين، كما رسم سفينة تجري في النيل وعليها ركاب سود وكتب أسفلها نقل العبيد، وفضلاً عن ذلك رسم نساء من النوبة، خلط بين الإفريقي والفرعوني.
كان لمدينة القاهرة أو مدينة الألف مئذنة سحر جذب الرحَّالة والأدباء والفنانين الأوروبيين، فحركت في نفوسهم الحنين المضطرم إلى عبق الصحَّاري وصخب الزحام وواجهات الحوانيت، ودفء الحياة، والثياب المزركشة، وآثار الماضي العريق وأساطين ألف ليلة وليلة؛ ليرسموا لنا مشاهد تنبض بالحياة، متباينة الألوان والظلال لمجتمع القاهرة في زمانها الجميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.