تطور الوضع في سوريا بشكل بالغ الخطورة، وأسفر "الهلال الشيعي" الممتد من إيران والعراق إلى جنوب لبنان مرورا بدمشق عن وحشيته ويخوض حرب "تطهير ديني" علنية ومكشوفة، ضد العرب السنة، في سوريا.الموقف المصري الرسمي حتى اليوم يثير الكثير من التساؤلات، لاسيما وأن الحزب الحاكم "الإخوان المسلمين" يحتفظ بعلاقات تاريخية شديدة الود مع النظام الديني المتطرف في طهران. المفارقة أن الخطاب السياسي الرسمي المعلن، يتحدث عن "تطابق" الموقف المصري مع الموقف الإيراني، بشأن "الأزمة السورية".. وهو كلام "خطير" لا يخضع لمنطق تعدد القراءات أو التفسيرات.. لأن كلمة "تطابق" تعني موافقة مصر رسميا بدعم بشار الأسد، ليس سياسيا وحسب، وإنما بالسلاح والخبرات الأمنية والعسكرية، جنبا إلى جنب مع الحرس الثوري الإيراني ومليشيات حزب الله التي تحاصر المدن السورية المحررة، وتمطرها بالصواريخ على مدار الساعة. الرئيس مرسي زار "طهران".. وكذلك "موسكو" و"بكين" وهي ذات العواصم التي تساند بشار الأسد، وتفتح له خزائنها من الأموال والعتاد للحيلولة دون سقوط نظامه.. بل أعاد مرسي السفير المصري إلى "دمشق" بعد وعود إيرانية بإنعاش الخزينة المصرية المفلسة بأموال السياحة الدينية الإيرانية إلى مصر.. وهي الممارسات التي كانت محل انتقادات قاسية للرئيس، غير المكترث ب"التطهير الديني" الذي يمارسه الأسد ضد العرب السنة في سوريا بالسلاح الإيراني من جهة وبالغطاء السياسي لكل من روسيا والصين من جهة أخرى. موقف مصر الرسمية وليس الشعبية "غير الأخلاقي"، تجاه الأزمة السورية، أعاد طرح التساؤل بشأن ما إذا كان الرئيس يدير هذا الملف عملا لاستحقاقات الأمن القومي المصري.. أم لحسابات "تنظيمية" محضة؟!لا يخفى على أحد طبيعة العلاقة الحميمية التي تجمع إيران وحزب الله والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين.. ويبدو أن "تطابق" المواقف بين "القاهرة" و"طهران" يمضي في اتجاه "تفهمات" بشأن خريطة النفوذ للجماعات السياسية والدينية والجهادية التي حملت السلاح ضد النظام العلوي في دمشق، وخاصة نصيب الإخوان السوريين من "التورتة" السورية في مرحلة ما بعد بشار. إيران تحكمها مصالح "طائفية" وقلقة إلى حد الفزع من انهيار "الظهير الشيعي" في سوريا، والذي سيفضى بالتبعية إلى ضعف قبضتها على أداتها الشيعية الباطشة في جنوب لبنان "حزب الله" وانهيار البنية الجغرافية التي كانت تربطها به "سوريا العلوية".. وهي تطورات تاريخية كبيرة، ستضع حدا للمشروع الإيراني التوسعي في منطقة الخليج العربي واليمن والذي يمتد إلى الشام مخترقا جنوبفلسطين "غزة". والرئيس مرسي استنادا إلى خبرة الشهور التي أمضاها في السلطة لم يتحرر بعد من ضغوط المصالح "التنظيمية" لجماعة الإخوان المسلمين.. وهي جماعة عابرة للحدود، تتحرك تحت مظلة "التنظيم الدولي" والذي يقوم بحلقة الوصل بين الجماعة الأم في مصر، والأفرع الأخرى المنتشرة في كافة أنحاء العالم. ولا يخفى على أحد أن العلاقات التاريخية الطيبة بين "إيران" و"الجماعة" منذ نشأتها على يد حسن البنا عام 1926، ساعدت على أن يتفهم كل منهما مصالح الآخر.. وفي هذا السياق، يبدو أن ثمة "تسوية" جرت بين القاهرةوطهران، أقرب إلى الترضية، بشأن أحلام وأشواق إيران "الطائفية" في سوريا من جهة والنصيب المقرر لإخوان سوريا في تركيبة النظام الجديد في دمشق، بعد سقوط بشار الأسد من جهة أخرى. وأيا ما كان الأمر، فإن تأمل الموقف الرسمي المصري، يحيل المراقب المدقق إلى الاعتقاد بأنه من المرجح أن الرئيس يدير الملف السوري لحسابات تنظيمية محضة.. وإلا فليقدم لنا تفسيرا آخر، لمعنى تطابق رؤيته مع رؤية إيران التي هي في حالة حرب دينية حقيقية مع الشعب العربي السني في سوريا.