باختصار شديد: أتصور أن أحد مقاييسُ الذكاءِ الهامة التي يمكن أن نرتبَ على أساسها المخلوقات من الأذكى إلى الأغبى هو: «مقياس المُحافظة على الحياة»، بل هو المقياس الأهم، إذ لا قيمة لشيء دون حياة!. إنَّ الإنسانَ الذي خلقه الله ليعمر الأرض بما آتاه من عقل وعلم وإرادة، يَدْْهَسُ ذاك المعيار عمداً، حين يُعملُ ذكاءه في ابتكار شيء يدمر به أشياء، أو حين يُخلُّ بنظام بيئي دقيق خُلقتْ عليه الأرض، سعياً وراء شهوة، أو طلباً لشهرة، أو إرضاءً لنزوة، ثم يقول: إني اكتشف!. معنى ذلك أنَّ من الذكاء نوعاً يمكن وصفه بالغباء دون تردد، لأنه يناهض فرض الإعمار في الأرض، بإساءة استخدام الأسباب التي وضعها الله في الكون لتكون عوناً للإنسان في بحثه وفي إنتاجه، فينتج للحياة ما يقضي عليها به، ثم يبرر ذلك بالبحث وتحري العلم!. الإنسان حين يعيش في الأرض حبيس الخوف من أن تدمره بعض ابتكاراته، لا يمكن فهمه أو استيعابه في إطار الاكتشاف العلمي، ولكن يمكن تفسيره في إطار جهل الإنسان بقيمة الحياة، رغم إدعاءاته أنه الأذكى والأكثر علماً وحرصاً عليها!. وعليه، وقياساً على سبق، سيحتل المخلوق الأذكى في الكون رأس قائمة المخلوق الأغبى وباقتدار، لأنه الكائن الأكثر همجية وعشوائية في تعامله مع معطيات الحياة، والنتيجة: قضاء على كائنات بلا ذئب، وتهديد لكائنات بالانقراض!. هل رأيتم كائناً غير الإنسان يصنع سلاحاً ليقتل به نفسه لا ليحميها به؟، وهل رأيتم كائناً غيره يلقي نفاياته السامة في مصدر إطعامه.. في الأرض؟. قال الله تعالى « ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ » (41) سورة الروم.