لقد مرت مصر على مدى عقود طويلة من التجريف السياسى والإقتصادى والإجتماعى واختراق شبه كامل وكامل لكافة مؤسسات الدولة حتى عشش الفساد فى كل مكان وصرنا نتنفسه كالهواء ولم يسلم من الفساد بالطبع مؤسسة القضاء شأنه شأن كل المؤسسات برغم التأكيد على أن فى مصر قضاة شوامخ أبوْا أن يتلوثوا وهم كثر ولكن بعض القضاة أنفسهم يستنكفوا أن يعترفوا بذلك رغم اعتراف البعض منهم بتدخل سافر وتسييس للقضاء من قبل المخلوع مبارك, ورغم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال فى حديث صحيح أن " قاضٍ فى الجنة وقاضيان فى النار" أما الذى فى الجنة رجل علم فقضى به , واللذان فى النار رجل قضى على جهل, ورجل علم بالحق وقضى خلافه.. لكن بعض القضاة يعتقدون أن كل القضاة فى الجنة لأنهم معصومون ومن التقديس بمكان بحيث لا يأتيهم الباطل من بين أيديهم أو خلفهم. وبالتزامن مع مهرجان البراءة للجميع بحق رموز نظام مبارك نجد فى الوقت ذاته موضة جديدة و غريبة من اعتذار بعض القضاة عن نظر بعض القضايا تحت دعوى ومسمى" استشعار الحرج", كانت البداية فى قضية إعادة محاكمة القرن" مبارك"( فى13 إبريل الماضى) عندما تنحى المستشار مصطفى حسن عبد الله رئيس محكمة جنايات القاهرة عن نظر القضية وهيئة محكمته مما أثار ردود فعل واسعة وجدلاً حاداً بين الغضب والاستهجان والدهشة مجتمعياً وسياسياً ,لا سيما بعد الصورة التى شاهدنا بها مبارك وهو يلوح بيده لمؤيديه مبتسماً فى حالة من الثقة الزائدة و الطمأنينة, فقد أكد المحامى محمد الدماطى نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان وأحد المدعين بالحق المدنى أن ما حدث يعد أمراً متوقعاً نظراً لكونه القاضى الذى حكم بالبراءة على جميع المتهمين فى قضية قتل المتظاهرين بموقعة الجمل, ومن جانبه أعلن المستشار جمال رمضان رئيس محكمة استئناف القاهرة, أن استشعار القاضى للحرج أمر يحدث كثيراً, لكن الغريب أن القاضى الذى يستشعر الحرج لابد أن يعلن عن ذلك خلال الجلسة دون إبداء أسباب , لأن القاضى ليس ملزماً بإبداء أسباب تنحيه عن الحكم. ومن ناحية أخرى قال د. محمد نور فرحات الفقيه الدستورى الكبير أن استشعار الحرج لن يكون إلا فى حالة أن تكون بين القاضى وأحد الخصوم مودة أو بغضاء تجعله لا يؤمن بعدم الحيدة, أما ما حدث مع المستشار مصطفى حسن عبد الله قاضى المحكمة, هى مسألة غريبة. أما القضية الأخرى فقد قضت محكمة جنح المرج برئاسة المستشار (أكرم عباس) فى( 29 إبريل الماضى أيضاً) التنحى عن نظر المعارضة المقدمة من المحامى عصام سلطان نائب رئيس حزب الوسط, ضد الحكم الصادر بحبسه شهراً وكفالة50 جنيه, وإلزامه بدفع 10 ألاف جنيه وواحد جنيه, على سبيل التعويض المدنى المؤقت فى دعوى السب والقذف المقامة ضده من الفريق أحمد شفيق, لاستشعار رئيس المحكمة الحرج, وقررت المحكمة إحالة القضية إلى محكمة أخرى لنظرها(محكمة شمال القاهرة), وذلك بعدما تنحى رئيس محكمة القاهرةالجديدة عن نظر المعارضة لاستشعاره الحرج أيضاً. المثير والملفت للجدل والإنتباه إزاء تلك (الموضة) الجديدة دون الدخول فى تفاصيلها نجد أنفسنا بصدد عدة تساؤلات خطيرة ,وهى: لماذا لا يستشعر القاضى الحرج وهو يصدر الحكم بالبراءة ؟! وهل يحق للمعلم أن يتنحى عن تأدية واجبه المقدس ويرفض دخول الفصل لاستشعاره الحرج أو الطبيب عن مريضه فى غرفة العمليات؟! أم ميزان العدل يُطبّق على المعلم والطبيب والموظف البسيط ولا يُطبّق على القاضى المنوط به إقامة العدل والقسط بادئاً أولاً بنفسه؟!, أم أن العدالة تسير على الضعفاء والبسطاء دون الوجهاء وأصحاب المقام الرفيع؟!. [email protected]