أثار قرار هيئة محكمة جنايات القاهرة، برئاسة المستشار مصطفى حسن عبد الله بالتنحي عن نظر القضية المتهم فيها حسني مبارك الرئيس السابق ونجليه، الساحة السياسية المصرية بالكامل، محدثا تيارات متفاوتة بين الغضب والاستهجان والدهشة، لاسيما بعد الصورة التي ظهر بها مبارك حيث بدا شديد الثقة، ودخل ملوحًا بيده للمواطنين كأنه ما زال رئيسا، ليثير تساؤلا آخر مؤداه هل تنحى القاضي يعد السبب في ابتسامة مبارك؟ "البديل" تجولت بين عدد من "القانونين" من أجل محاولة استكشاف بصورة أكثر وضوحا. أكد محمد الدماطى - نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان، وأحد المدعين بالحق المدني، أن تنحى المستشار حسن عبد الله - رئيس محكمة جنايات القاهرة عن الحكم، يعد أمرا متوقعا، لأنه منذ عدة أيام تقدم أعضاء لجنة الحريات بالنقابة العامة للمحامين بطلب تنحى المستشار حسن عبد الله عن نظر جلسات إعادة محاكمة مبارك، نظرا لكونه القاضى الذى حكم بالبراءة على جميع المتهمين فى قضية قتل المتظاهرين بموقعة الجمل. وأوضح الدماطى، أن تنحى المستشار جاء بسبب مرض أصاب عينه، لكن المبرر الحقيقى الذى لا بد أن يقدم "قضائيا" هو لاستعشاره الحرج بعد أن قضى فى إحدى القضايا المرموقة بحكم غير مرض للشعب المصرى. من جانبه أوضح المستشار جمال رمضان - رئيس محكمة استنئاف القاهرة، أن استشعار القاضى للحرج أمر يحدث كثيرا، لكن الغريب أن القاضي الذى يستشعر الحرج لا بد أن يعلن عن ذلك خلال الجلسة دون إبداء أسباب، لأن القاضى ليس ملزما بإبداء أسباب تنحيه عن الحكم. وأضاف رمضان أن تنحى القاضى عن الحكم جاء لعدة أسباب، أولها: أنه لا يجوز الطعن فى الحكم النهائى أو إعادته حتى ولو ظهرت أدلة جديدة تدين "مبارك"، والسبب الثانى أن يكون القاضى قد اكتشف أنه على علاقة صداقة مع أحد المتهمين أو على صله قرابة لهم. وأكد محسن بهنسى - المحامى الحقوقى وعضو لجنة تقصى حقائق أحداث ثورة 25 يناير سابقا، أن قرار المحكمة بالتنحى قرار محترم، لأن القاضى سبق أن نظر قضية "موقعة الجمل" وجاء بأمر إحالة المتهمين نفس الاتهامات المنظورة فى هذه القضية، وهى التحريض على قتل وإصابة المتظاهرين، وأن المحكمة سبق وأصدرت حكمها فيها بالبراءة، وبذلك فإن المحكمة قد تشكلت لديها عقيدة سابقة قبل نظر القضية. وأضاف أن القرار جاء لصالح النيابة العامة، لتتمكن من تقديم المعلومات، خاصة أنها لم تقدم أدلة كاملة، فحتى أمس الأول لم يتم تقديم أسماء الجنود الذين تواجدوا فوق سطح وزارة الداخلية ولم يتم تحديدهم بعد، وكذلك لم يتم التحقيق فى واقعة السيارة الدبلوماسية التى تم تحديد أرقام اللوحات المعدنية الخاصة بإحدى السفارات الموجودة فى مصر. من ناحية أخرى قال الدكتور محمد نور فرحات الفقيه الدستورى إن استشعار الحرج لن يكون إلا فى حالة أن تكون بين القاضى وأحد الخصوم مودة أو بغضاء تجعله لا يؤمن بعدم الحيده، أما ما حدث اليوم من المستشار مصطفى حسن عبد الله قاضى المحكمة، هى مسألة غريبة. وأضاف "فرحات" المسالة لا تقاس بمعيار ذاتى بل بمعيار موضوعى، وإذا طبقنا المعيار الذاتى فى محاكمة مبارك فإن كل القضاة سيستشعرون بالحرج، لأن بعضهم يقدرون أحكامهم تقديرا إيجابيا، والآخرون تقديرهم سلبى، و"بهذا المعنى فإن الشعب المصرى بأكمله يستشعر الحرج مع مبارك، وبالتالى "آسفين ياريس كلنا حرج".