ظهرت في الآونة الأخيرة ملامح عودة لبعض المسميات (والتي كثيراً ما سمعناها قبل ثورة 25 يناير) لتهدد ملف حرية التعبير والرأي وحقوق الإنسان، ومن أبرزها ظاهرة الاعتقال السياسي، ولاسيما بعد إعلان حركة 6 أبريل "الجبهة الديمقراطية"، عن اعتقال الناشط عبد الرحمن محسن رزق عضو حزب الدستور وعضو بالحركة إلى جانب آخرين. وهو ما يستدعي فتح هذا الموضوع من جديد، لطرح تساؤلات عدة منها: ما المقصود بالاعتقال السياسي؟ وما هي التبعات الناتجة عنه؟ وهل ستشهد الفترة القادمة في ظل النظام الحالي مزيداً من الاعتقالات؟
مفاهيم واختلافات عادةً ما يُعرف المعتقل السياسي بأنه كل شخص يسجن أو يحبس بسبب معارضته للنظام القائم في الرأي والمعتقد والانتماء السياسي أو تعاطفه مع معارضيه أو مساعدته لهم.
وهناك فرق بين معتقل الرأي ومعتقل السياسة، وبخاصة لأن معتقل الرأي هو كل من يعتقل بسبب تعبيره عن رأيه في أي موضوع سواء تعلق الأمر بالمجال السياسي، الاقتصادي، الاجتماعي أو الديني وغيره من مجالات الفكر والعقيدة.
غير أن المعتقل السياسي هو جزء من معتقل الرأي لكون اعتقاله يكون بسبب انتمائه السياسي وآرائه السياسية ومنطلقاته العقدية التي يعبر عنها.
ويفرق الفقه بين المعتقل والمجرم السياسي، حيث يمر المجرم السياسي من مرحلة الفكر والعقيدة ويتجاوزهما إلى مرحلة ثانية وهي درجة أعلى بالنسبة له من النضال وهي الممارسة على أرض الواقع بهدف تطبيق أفكاره أو عقيدته، فتراه مندفعاً من أجل ارتكاب أفعال إجرامية مادية مقصودة.
دوافع الاعتقال ولكي تستطيع الطبقة الحاكمة مواصلة استغلالها للطبقات المحكومة، تتجه إلى تكوين مؤسسات متنوعة للدولة مثل الجيش والشرطة والمحاكم والسجون وغيرها، ورغم أهميتها الكبيرة في حماية الوطن والمواطن العادي، إلا أنها تستخدم كأداة لممارسة العنف والقمع على الطبقات المحكومة بشتى ألوانه سواء القمع الخالص أي المادي أو القمع الفكري الأيديولوجي الممارس عن طريق المؤسسات التعليمية والتثقيفية والإعلامية.
وتتم الاعتقالات بواسطة أجهزة الدولة لخدمة الصراع السياسي، حيث يرغب النظام الحاكم في ضمان استمراره من خلال تهديد أصحاب الرأي والتعبير المناهضين له.
تبعات سلبية وحول التداعيات السلبية لهذه الظاهرة، يشير البعض إلى أنها تؤرق الضمير الإنساني المصري وبخاصة أسرهم (الأمهات والزوجات والأولاد).
ويشير تقرير رابطة المعتقلين المصريين إلى أن هناك عدة تبعات سلبية من هذا الاعتقال، تتمثل في الوفاة داخل السجن أو أثناء التعذيب أو الاختفاء قسراً بسبب تصفية جسدية أو قتل أثناء الهروب فضلاً عن ارتفاع عدد حالات العجز الكلي.
وأوضح هذا التقرير أن عدد الذين دخلوا المعتقلات من خلال أوامر الاعتقال كان نحو 60 ألفاً، وأن هناك أشخاصاً صدر لهم أكثر من أمر اعتقال خلال الفترة من 1988 إلى 2009.
وبعد إعلان حركة 6 أبريل عن اعتقال عدد من أعضائها، فضلاً عن استمرار حالة التهديدات الملاحقة لبعض الصحفيين والإعلاميين، تتزايد المخاوف مجدداً من استمرار هذه الاعتقالات وتزايدها في المستقبل.
سيناريوهات وتصورات وفي ضوء ذلك تتعدد التكهنات والتصورات، فقد تشهد الفترة القادمة تزايد حملة الاعتقالات، نتيجة استمرار الخلافات السياسية بين كافة القوى ومؤسسة الرئاسة، فضلاً عن استمرار حالة الضعف الاقتصادي وغياب الثقة بين الدولة والمجتمع المدني.
بينما يستبعد فريق آخر هذا الاحتمال مشيراً إلى أن النظام الحالي لن يتجه لمثل هذا الخيار في التعامل مع المشكلات والتحديات السياسية التي تلاحقه، ولكن يرتبط عدم تحقيق خيار الاعتقال السياسي، بمدى تفاديه حالة أزمة الثقة الموجودة في الشارع المصري واحتواء أصحاب الرأي دون عنف وبطرق سلمية وقانونية.
ختاماً؛ يجب على النظام الحالي أن يتعلم من أخطاء الماضي، حيث عانى رأس النظام الحالي مرارة تلك الاعتقالات وقسوتها، لذا؛ يلزم عليه ألا يكررها مجدداً وأن يحتوي أجنحة المعارضة وقواد الرأي، وفي حالة إصراره على إتباع خيار الاعتقالات السياسية كحل سياسي، فسيكون في مهب أمرين إما تدخل أجنبي بزي الدفاع عن حقوق الإنسان أو ثورة جديدة للدفاع عن الحقوق والحريات.