في مجتمع عرف بعشقه لإقتناء الأشكال المختلفة من السلاح، تثير قضية انتشار الأسلحة في "الولاياتالمتحدة" جدلاً واسعاً مع تكرار معاناة أسر الضحايا الذين لاقوا حتفهم في مجازر متعددة، كان أخرها مجزرة وقعت في مدرسة ابتدائية بمدينة "نيوتاون" بولاية "كونيتكت" منتصف ديسمبر الماضي، وراح ضحيتها (26) قتيلاً بينهم (20) طفلاً. وازداد الجدل في "أمريكا" خلال هذه الأيام حول حيازة السلاح؛ بسبب رفض الكونجرس الأمريكي لمشروع القانون المقدم من البيت الأبيض، الذي يتناول إصلاح قوانين حيازة الأسلحة النارية في البلاد، الأمر الذي مثل ضربة قوية لخطط الداعمين لتشديد شروط اقتناء الأسلحة، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" وحزبه الديمقراطي.
وفي هذه الأثناء زاد تخوف المواطن الأمريكي من ارتفاع أعمال العنف، التي تأتي من الداخل والخارج، بالإشارة إلى تفجيرات "بوسطن" الأخيرة، وتفجيرات في مصنع للأسمدة بولاية "تكساس"، مما تسبب في حالة من الذعر الشامل في "الولاياتالمتحدة".
هزيمة "أوباما" وقد أشعل رفض مجلس الشيوخ غضب البيت الأبيض - وعلى رأسه "باراك أوباما" - الذي شن هجوماً عنيفاً على نواب الكونجرس لإحباطهم إقرار هذا المشروع، واصفاً ما حدث ب"اليوم المخجل في تاريخ "واشنطن""، ومتهماً لوبي الأسلحة ب"الكونجرس" بتعطيل هذا المشروع لتحقيق مصالح خاصة.
وفي تلك الأثناء، وصف بعض المحللين هذا الرفض بالهزيمة الثانية للرئيس "باراك أوباما" في إطار جهوده في هذا المجال لمكافحة العنف المسلح، مع التأكيد على وجود تصيد للأخطاء بين الحزب الديمقراطي الحاكم وغريمه الجمهوري، الأمر الذي انعكس على تكريس الهاجس الأمني لكل الأمريكيين.
وقال "أوباما" في تصريح من مقر البيت الأبيض: إن التعديل المقترح "كان يمثل الاعتدال والمنطق"، وتعهد بأن غضبه الكبير من فشل إقرار المشروع لن يمنعه من مواصلة المعركة لإقرار الإصلاحات المطلوبة، مضيفاً: "بالنسبة لي هذه ليست سوى جولة أولى".
عادة أمريكية ولأن الدستور يحمي حق المواطنين في امتلاك الأسلحة منذ الحرب الأهلية الأمريكية التي عمقت ذلك الفكر في الثقافة الأمريكية، أصبحت حيازة السلاح تشكل جزءاً هاماً في حياة الأمريكيين، وتباع للأفراد بشكل اعتيادي وبسهولة ربما لا نظير لها حتى في بعض الدول التي تشهد صراعات طائفية مسلحة من دول العالم النامي.
وعلى ذلك فإن محاولات الحد من الحصول على تلك الأسلحة، كثيراً ما تواجه العديد من التحديات، نتيجة اعتراض بعض أصحاب المصالح من الشركات المنتجة للسلاح، فضلاً عن لوبي السلاح في مجلس الشيوخ، الذي يعتبر تلك المقترحات أحد الأمور المهددة له بالحصول على أصوات الناخبين، الذين ارتبطوا بثقافة اقتناء الأسلحة النارية في ظل توفر الغطاء القانوني لها.
ضغوط المصالح وبجانب تلك العوامل التي تعتبر أحد الدوافع وراء تعطيل هذا المشروع، لا شك أن جماعات المصالح (أو ما يعرف بجماعات الضغط) لعبت دوراً كبيراً هي الأخرى في إفشال مساعي هذا الإصلاح، ويقود هذا التيار قيادات في الحزب الجمهوري، ولوبي شركات تصنيع الأسلحة بزعامة الجمعية الوطنية للأسلحة(NRA) ، التي تقف ضد أي قيود على حيازة السلاح، بل تطالب بنشر المزيد من الأسلحة للدفاع عن النفس، ولهذه الجمعية نفوذ قوي على المشرعين الأمريكيين في الكونجرس.
وفي هذا الاتجاه، قال رئيس الجمعية "واين لابيار" على خلفية هذا المشروع: "إن الشيء الوحيد الذي يمنع شخصاً سيئاً يحمل السلاح، هو وضع آخر صالح يحمل سلاحاً"، ودعا لوضع شرطي مسلح في كل مدرسة، من أجل ضمان عودة الأمن إلى المدارس.
وفي سياق متصل، أكد الخبير القانوني والدستوري "سول كورنل"، أن الجمعية الوطنية للأسلحة (NRA) تنفق أموالاً أكثر من أي جماعة أخرى على أعضاء في الكونجرس، وتؤثر عليهم بشأن الدفاع عن حمل السلاح، وعرقلة أي تشريعات لحظر بيعه، الأمر الذي يمثل تأثيراً على مسار السياسة الأمريكية الداخلية، مضيفاً أنه "رغم أن هذه الجمعية ليس لها تأثير كبير في شمال شرق أمريكا، فإنها تستطيع تغيير موازين القوى في بعض المناطق، خصوصاً تلك التي تهتم جداً باقتناء السلاح مثل ولاية "تكساس".
ومن جانبه، قال "بول باريت" مؤلف كتاب "صعود السلاح في أمريكا": إن جماعات الضغط تلعب دوراً فعالاً في كبح أي تشريع بالكونجرس بشأن الأسلحة، وتمتلك نفوذاً على أعضائه، و"بذلك فإنها تشجع الفوضى"، على حد تعبيره.
وفي تحقيق أجرته صحيفة "الجارديان" الأمريكية حول رفض إقرار الإصلاح على قانون حيازة السلاح في "الولاياتالمتحدة"، كشفت الصحيفة أن غالبية نواب الكونجرس الذين رفضوا الإصلاحات، تلقوا تبرعات من شركات وجماعات مصالح مؤيدة لبيع وحيازة الأسلحة النارية في "الولاياتالمتحدة".
مردود سياسي وذهب العديد من المحللين والمهتمين إلى أن هناك أثراً مباشراً ومردوداً سياسياً لتلك المحاولات التي يتعرض لها الرئيس "باراك أوباما" في ولايته الثانية، لما يرتبط بها من تأثير على الأمن القومي الأمريكي، خاصة وأنه في الفترة الأخيرة تعرضت البلاد لمشكلات أمنية خطيرة في الداخل والخارج، بدايةً من مقتل سفيرها في "ليبيا"، رغم مشاركة القوات الأمريكية في إنهاء حكم زعيمها "معمر القذافي"، واستمرار الهاجس الأمني في الداخل بخصوص حيازة الأسلحة، وأخيراً ما تعرضت له البلاد من اعتداءات تفجيرية في "بوسطن" وصفتها التقديرات الأولى بالإرهابية.
لذا؛ من المتوقع أن تشهد الفترة القادمة من الأجندة السياسية لولاية الرئيس "باراك أوباما"، سواء في الداخل أو الخارج، حرباً شرسة يستعيد معها ماء الوجه؛ ليثبت حرصه على الأمن القومي، فهو الذي قتل "أسامة بن لادن" زعيم تنظيم القاعدة، وشاركت القوات الأمريكية في عهده لإنهاء حكم "العقيد معمر القذافي"، والآن يخوض حرباً تشريعية شرسة لفرض قيود على امتلاك السلاح في "الولاياتالمتحدة"، وفي إطار كل ذلك هل يعيد "أوباما" إلى الأذهان ذكرى "جورج بوش" ومفهوم الحرب على الإرهاب في الداخل والخارج؟