الزيارات الخارجية ليست "فانتازيا" أو تسلية، وإنما تعتبر في عرف السياسة الدولية نوعاً من الدبلوماسية الناعمة، ومؤشراً يقاس به نجاح الدولة في علاقاتها الخارجية، ويرتبط هذا النجاح إلى حد كبير بمدى قدرتها على تحقيق الأهداف التي سعت من أجلها، أو تحقيق بعض أهدافها على الأقل. ومنذ وصول الرئيس "مرسي" إلى سدة الحكم، نجده يقوم بعدة زيارات خارجية بدءاً من "إثيوبيا" و"السعودية" ومروراً ب"باكستان" و"الهند" و"السودان"، وأخيراً "موسكو"، مما أثار العديد من التساؤلات حول الهدف من تلك الزيارة في الوقت الحالي، وما هي القضايا المتوقع طرحها خلال الزيارة؟ وهل سينجح في تحقيق تلك الأهداف، أم ستصبح الزيارة مجرد فانتازيا؟
أسباب متعددة تأتي هذه الزيارة في إطار الاحتفال بذكرى مرور سبعين عاماً على بدء العلاقات الدبلوماسية بين "مصر" و"الاتحاد السوفيتي"، التي بدأت منذ العام1943.
ويشير البعض إلى أن "القاهرة" تراهن بشدة على هذه الزيارة لتنشيط علاقاتها مع "موسكو"، ولكي تثبت لإدارة الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" بأن "مصر" قادرة على الانفتاح على عدد من القوى العالمية المؤثرة.
ويصف أصحاب هذا الاتجاه بأن زيارة الرئيس المصري ل"روسيا" خطوة في الاتجاه الصحيح، وبمثابة تلويح ل"أمريكا" بإمكانية الاستغناء عن دعمها بسبب تأخر قرض صندوق النقد الدولي.
في حين يرجع البعض الزيارة إلى هدف مشترك، وهو سعي البلدين إلى التوصل لعدة اتفاقات بشأن عدد من القضايا التي تخص الطرفين، مثل التعاون الاقتصادي والأمني والأزمة السورية.
بينما يرى فريق ثالث، أن هذه الزيارة تأتي حرصاً من "مصر" على بقاء علاقات متوازنة مع كل العالم، وتهدف إلى بناء جذور ثقة جديدة بين الدولتين في ظل تحول جديد في السياسة الخارجية المصرية بعد الثورة.
بينما يعتبر البعض هذه الزيارة اقتصادية بالأساس، حيث تهدف "مصر" إلى الحصول على كميات كبيرة من الغاز المسال والغاز الطبيعي ومشتقات نفطية، للتصدي بقوة لأزمة متوقعة في الكهرباء والوقود خلال الصيف المقبل.
ونلاحظ من خلال العرض السابق بأن هذه الزيارة تحمل في طياتها، بعداً اقتصادياً بالأساس، فضلاً عن الرغبة في تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين.
قضايا مفتوحة: ومن المتوقع أن يناقش الطرفان عدداً من القضايا الإقليمية خلال الزيارة، يأتي على رأسها مناقشة الأزمة السورية، وخاصة في ظل رغبة الدولتين التوصل إلى حل سياسي لها، يضمن الانتقال المنظم للسلطة، ويحفظ في الوقت ذاته وحدة الأراضي السورية ووحدة نسيج المجتمع السوري.
إلى جانب ذلك، فهناك عدد من القضايا الخاصة بالبلدين، ومنها ملف العلاقات الثنائية اقتصادياً وتجارياً واستثمارياً، ومن المتوقع أن تركز الزيارة على الطابع الاقتصادي وبخاصة؛ لأن الرئيس يرافقه وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال المصريين.
ومن جانبه، يرى الخبير الاقتصادي "أحمد سامي"، أن الرئيس "مرسي" سيسعى خلال الزيارة لانتزاع تعهدات من الرئيس "بوتين" بحصول "مصر" على صفقات قمح متنوعة بأسعار تفضيلية وتسهيلات في السداد، لاسيما أن "القاهرة" تواجه أزمة في مساعيها لإبرام صفقات قمح مع عدة دول تطالب بسداد فوري ومسبق لهذه الصفقات، وهو ما يصعب على "مصر" في الوقت الحالي.
ويشير البعض إلى أن الزيارة قد تمتد لتناقش ملف "الشيشان"، غير أن وزير الخارجية "محمد عمرو" لا يعتقد أنها ستكون ضمن الملفات المثارة.
ترقب وانتظار وحول مدى نجاح زيارة الرئيس "مرسي" ل"روسيا" في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها، تتباين التحليلات، ولكنها تتفق على وجود أربعة سيناريوهات يتوقع أن يحدث أحد منها خلال الأيام القليلة القادمة.
يتعلق السيناريو الأول بنجاح زيارة الرئيس "مرسي" في تحقيق بعض أهدافها، وخاصة في شقيها الاقتصادي والتعاوني بين البلدين، بينما ستفشل فيما يتعلق بالملف السوري، نظراً لقناعة الطرفين بأمور متناقضة، رغم اتفاقهما على ضرورة الحل السلمي للأزمة، حيث تؤمن "مصر" بضرورة رحيل نظام "الأسد" نهائياً، بينما تعارض "روسيا" هذا التوجه.
أما السيناريو الثاني، فيشير إلى احتمال نجاح الزيارة في تحقيق كل أهدافها، بداية من التوافق بشأن الأزمة السورية، ومروراً بالتعاون الاقتصادي والأمني، لكن يواجه هذا السيناريو صعوبات بالغة تمنع حدوثه، إما لشعور "روسيا" بعدم استقرار "مصر" في توجهاتها الخارجية، أو لرفض "مصر" عدداً من القضايا التي قد تطرحها القيادة الروسية، ولا سيما فيما يتعلق بالأزمة السورية.
ويذهب السيناريو الثالث إلى احتمال الضغط على "روسيا" من قبل "الولاياتالمتحدة"، منعاً لتوطيد علاقاتها ب"مصر"، حتى لا يتعارض ذلك التعاون مع تحقيق "أمريكا" لمصالحها وأهدافها في المنطقة، مما ينبئ بفشل الزيارة في تحقيق أهدافها.
أما السيناريو الأخير، يرتبط أيضاً باحتمال فشل الزيارة في تحقيق أهدافها، ولكن بسبب صعوبة توصل الطرفين إلى اتفاق بشأن الأزمة السورية، وعدم الوصول إلى مغريات تدفع بالطرف الروسي إلى التمسك بإقامة علاقات تعاون اقتصادية مع "مصر".
ولكن يتفق معظم المحللين على أن السيناريو الأول هو الأرجح في الحدوث خلال الفترة القادمة، وفقاً لمبدأ التوازن في المكاسب والخسائر في العلاقات الدولية.
وختاماً، يمكن القول: إن السياسة الخارجية للرئيس "مرسي" تشهد ما يمكن توصيفه بنقلة نوعية، غير أنه من المهم أن تؤتي ثمارها حتى لا يتشاءم المواطنون من فكرة الزيارات الخارجية – نفسها - كوسيلة للتعاون الدولي.