الملتزم دينيا في بلادنا هو بالتأكيد عنيف أو يعاني الهوس النفسي هذه للأسف هي الصورة التي تقدمها السينما والمسرحيات والكتب، والتي روجتها أعمال شهيرة مثل "طيور الظلام، عمارة يعقوبيان ودم الغزال"، لكن الكاتب الشاب أحمد أبوخليل يرى أنه قد آن الأوان لهؤلاء أن يعبروا عن أنفسهم وعن حياتهم بتفاصيلها اليومية بعد الثورة، ليثبتوا زيف كل الأفكار التي تروج ضد الإسلاميين. كان "أحمد" حاضرا ليلة أمس بين عدد من أصدقائه المقربين بدار "دون" للنشر والتوزيع، حيث حلقوا حوله لمناقشة كتابه الأكثر مبيعاً لدى الدار والذي يحمل عنوان "يوما ما كنت إسلاميا" ..
أدار اللقاء الكاتب مصطفى الحسيني، أحد المؤسسين للدار، وشاكس ضيفه بسؤال عن العنوان الذي يتصور من يراه أنه لكاتب علماني هاجر عالم الإسلاميين لعالم آخر، وابتسم أبوخليل ووضع عبارته "اضطررت لذلك ربما لدواعي السوق" مضيفا : عنيت بهذه الجملة أنني أصبحت اليوم إسلاميا مختلفا عن النمط الذي عشت به حياتي السابقة ؛ فقد اقتربت من الإخوان والسلفيين، ولم أجد نفسي مع أي الفريقين، رغم كل ما أكنه لهما من تقدير حقيقي .. وتابع: وجدت أن تركيبتي الذهنية تدفعني لتشكيل "جماعة" جديدة . نعم . جماعة تكون خلفيتها إسلامية لكنها غير ملتزمة بالدفاع المستمر عن أخطاء ترتكبها قيادات تلك الجماعات، وغير ملتزمة بالسير في توجهات غير مقتنعة بها من الأساس، وجماعة معنية بأن يكون هيكلها ديمقراطيا إصلاحيا، وهي فضيلة غائبة عن الإخوان والسلفيين حتى الآن، ناهيك عن إقصاء الشباب في أغلب الأحزاب الإسلامية .
الكتاب لاقى نجاحا في عدد من البلدان العربية أيضا كالأردن والمغرب والسعودية، ما يدل على ترابط حالة الإسلاميين العرب من الشباب وتشابه همومهم وأفكارهم.
يشعر أبوخليل بضيق حقيقي من الذين يوجهون اتهامات نابية للمنتمين لجماعة الإخوان، كمن يصفهم بالخراف، لأنهم يطيعون أوامر قائدهم أو المرشد، وفي الحقيقة هناك شريحة واسعة منهم لا تفعل إلا ما تقتنع به أولا .
يقول أبوخليل : شجعني على كتابي هذا صديقي الكاتب أحمد مهنا ، بعد أن كان مجرد خواطر صغتها وقت الانتخابات الرئاسية السابقة حين حاولت تأييد الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح في مواجهة خصومه، ووجد سيلا على الإنترنت من الاتهامات المتبادلة بين الإسلاميين وغيرهم، والإسلاميين أنفسهم.
هنا طرأت للكاتب فكرة التدوين عن سيرته الحياتية الشخصية واشتباكها مع الإسلاميين في مصر، كما أنه يسير في طريق كتابات جديدة يخطها الإسلاميون عن حياتهم اليومية، وهو المنحى الإنساني الذي نجح فيه اليهود فروجوا لمزاعمهم الكاذبة حول العالم وبالفعل لاقت قبولا، لأنهم ركزوا على اليهودي كإنسان في أفلامهم يعاني ويتألم من الاضطهاد.
بالطبع تأثر الكاتب بالثورة كثيرا، وأعانه على ذلك أنه كان منضما للتيار الثوري الذي قادته حركة "كفاية" بالشوارع المصرية لوقف فساد وتوريث النظام السابق، وإن كان بداخله كان يشعر بأسى لأن الإسلاميين لا ينظمون مثل تلك الوقفات السياسية الصريحة ضد الظلم ، وهم الذين يتمسكون بكتاب الله وسنة رسوله التي تدعو لقولة الحق أمام السلطان الجائر .
يتذكر أبوخليل أنه سعى قريبا لدى إحدى القيادات الإخوانية البارزة لتكوين نواة لمجموعات محبة للفكرة الإسلامية، وليست منضمة لجماعة الإخوان، وتكون همزة الوصل بينهم وبين المجتمع، ويعتبر أنه كلما زادت التجمعات الإسلامية كلما كان عبر ذلك عن ثراء فكري واجتماعي مطلوب للغاية بعد الثورة، فليس في مصلحة أي مجتمع إسلامي أن يكون فصيل بعينه محتكر لعمله العام والسياسي أيضا .
وسأل الكاتب مصطفى الحسيني شباب الحاضرين حول تجاربهم الشخصية مع الجماعات الإسلامية في مصر، وتفاوتت الآراء، ففيما رأت صحفية مصرية أن التيار السلفي تطور كثيرا بعد الثورة بخلاف جماعة الإخوان التي لم تبارح جمودها المعهود، رأى شاب آخر أنه لا يجوز إلقاء اللوم عليهم ولا الرئيس المنتخب منهم لأن الظروف المواتية والإضرابات والثورة المضادة تقف حائلا أمام النهضة بالبلاد، ودعا شاب ثالث لعدم اختزال عطاء الإخوان والسلفيين في السياسة، بينما على النقيض اعتبر أحد الحضور أنها جماعات تنافي ممارساتها حقيقة الإسلام.
من جانبه، علق عمرو عبدالمنعم، مسئول الإسلام السياسي بشبكة الإعلام العربي "محيط" على فكرة الكتاب بقوله أن الإسلاميين كانوا يتمتعون بحرية حركة منذ السنوات الأولى بالثمانينات حتى نهاية العقد، لكن باقتراب التسعينيات بدأ خوف امن الدولة من تأثير الدعاة الدينيين على الشباب خاصة من ينتقدون منهم سلوك الحكومة والنظام ، فبدأت حالة السرية في عمل الإسلاميين وكان كل من يقتني كتبا لجهاديين أو إخوان يخبئها بمنزله.
واعتبر عبدالمنعم أن النقد الذاتي داخل الجماعات الإسلامية هو أفضل سبل تطورها في كل المجتمعات، مؤكدا أن كتاب أحمد أبوخليل يندرج تحت هذا النوع الذي يسعى للنقد البناء وليس التجريح .
ومن جهة أخرى نظر عبدالمنعم إلى طائفة من الكتاب الذين تحولوا من الحالة الإسلامية للحالة العلمانية المعادية باعتبارها ظاهرة سلبية، وللأسف فهؤلاء فقط هم من تروج لهم وسائل الإعلام ويهلل لهم الوسط الثقافي في مصر ، رغم أن ما كتبوه يظل محل نقد وتمحيص ويحوي مبالغات، ويندرج تحت هذا البند بعض المنشقين عن الجماعات الإسلامية الكبرى .
وسأل عبدالمنعم مؤلف الكتاب هل ينتمي لجماعة الإخوان ؟ فأجاب بالنفي، مؤكدا أنه يندرج تحت فئة المحبين للجماعة، والذين يختلفون أيضا مع بعض أفكارها بشكل جذري، وقد نشأ في بيت محب للإخوان لأن أبيه كان منضما للجماعة وتركها ، ثم عاد إليها بعد الثورة . وأكد على فكرة أن تحزب الشباب بجماعة إسلامية واحدة خطأ ، فلو كان الإمام الشافعي أمينا لإنتمائه لأفكار معلمه الإمام مالك ولم يحاول تأسيس مذهب جديد لما نعمنا بحالة الرحابة الفقهية التي نعيشها اليوم في كنف الإسلام.
ردا على فكرة العمل الجهادي، قال أبوخليل أنه سافر لسوريا بالفعل ولكنه لم يشعر أنه سيقدم جديدا لهم، وكان صديقا للشاب المصري الذي استشهد هناك، محمد محرز، ويتذكر أنه قال قبل شهادته أنه يريد أن يكون فعالا وأن يجاهد وهو يشعر أن الوتيرة في مصر بطيئة وليست هناك نصرة للمسلمين، وحين يستشهد ستكون تلك رسالة لشباب أمته، وبالفعل قرر السفر .. وهو نموذج يرى أبوخليل أنه لإسلامي حقيقي بلا شعارات، فقد حقق مقولة الإخوان "الموت أسمى أمانينا" بالفعل لا القول ، رغم أنه لم ينتم لأي تنظيم في حياته.
أخيرا، وردا على تساؤل "محيط" حول كسر عزلة الشباب الإسلامي، أكد أبوخليل أن هؤلاء بغض النظر عن انتمائهم لجماعات من عدمه، عليهم أن يفكروا في استغلال طاقتهم خارج نطاق الجماعة، خاصة لو كانوا يتعرضون للتهميش داخلها، وأن يكونوا فاعلين بالأنشطة النهضوية الشبابية ، وقد اندمج الكاتب نفسه في تجربة فريق "معرفة" التي أسسها مع عدد من رفاقه للتعريف بتراث المسلمين، وهناك آلاف المشروعات الرائعة التي يمكن أن تخرج الشاب من حالة التحزب الضيقة لرحابة العمل الإسلامي العام .
وردا على تساؤل آخر، أكد أبوخليل أن اتجاه الإخوان من الدعوة للسياسة أضر بالجماعة كثيرا، لأن بناء الفكرة هو الأساس ، مؤكدا أن علينا تبني قواعد إسلامية بديلة لبناء مجتمع قوي متماسك .