للمره الثانية ووسط احتفالات رأس السنة الميلادية جلست اتذكر احتفال رأس السنه يوم 31 ديسمبر 2010 وكنت معين خدمه على احد الكنائس بصعيد مصر وجلست مدة الخدمه طوال 14 ساعة مستمرة من 2 ظهرا وحتى 4 فجرا وكان مقررا لنا الانصراف عقب غلق الكنيسه اى تقريبا على 1 صباحا ولكن فوجئت بنبا مزعج اخبرنى به احد افراد الخدمه صحبتى قائلا..(الحق يا باشا فجروا كنيسه فى اسكندريه..) وعقب سماع ذلك الخبر ارتسمت وجوهنا باللون الداكن انا والمجندين والافراد صحبتى فى الخدمه متيقنين اننا لن نبرح مكاننا فى الميعاد المحدد واننا مقبلين على ايام صعبه علينا نحن فى جهاز الشرطه لدرجه جعلت احد امناء الشرطه المتواجد معى فى الخدمه يقول..(ده احنا داخلين على ايام سودا....فجروا كنيسه ...ده مش هنشوف بيوتنا لشهرين كمان..) وكان هذا مردود انفجار كنيسة القديسين على قوات الشرطه بعد الحادث مباشرة وبالتقاء الضباط صدفة وبعد كم الخدمات الهائل والذى كان بمثابة حالة الهلع التى اصابت قيادات الداخليه فى ذلك الوقت (يناير 2011) تم الدفع بكامل الضباط فى الشوارع لتأمين الكنائس واتذكر وقتها كنت معينا لتامين احد الكنائس لمدة اسبوع كامل طوال الليل يوميا من 8 مساء حتى 8 صباح اليوم التالى واثناء قيامى بالخدمه فى احدى الليالى وصحبتى احد الزملاء وقبل الفجر مباشرة كنا جالسين امام الكنيسه مباشرة فى الشارع على كرسيين خشب قمنا باحضارهم من داخل الكنيسه للجلوس عليهم طوال الخدمه ووسط البرد القارص لا مفر لنا سوى احضار بعض الاخشاب الصغيره واشعال النار فيها لمحاولة التدفئه....واثناء حديثى مع زميلى قال لى..(هو احنا ربنا مش هيتوب علينا من الهم ده....بنشتغل 14 ساعه فى اليوم وقاعدين فى الشارع على كرسى ومتغربين عن بيوتنا ....واخرتها..) قلت لزميلى ان فرج ربك لقريب ورد قائلا..( ابنى مريض وطلبت يوم اجازه طارئه من رئيسى فى العمل وبالطبع رفض ونفسى اطمن عليه..) ...هذا ما كان يحدث قبل الثوره..وهذا كان حال الغالبيه من الشرفاء المطحونين داخل وزارة الداخليه فى العهد السابق والذى فيه عانى قطاع الشرفاء من ضباط وزارة الداخليه من المحسوبيات والفساد الادارى ولا احد كان يستطيع ان يتفوه بكلمة اعتراض واحده والا كان مصيره الهلاك وسط عش التعابين.
وجاء يوم 25 يناير ليبهرنا جميعا ويعطينا بارقة امل للتغيير والاعتراض وقامت الثوره وكانت مثل العسل المر ففرحنا لقيامها واعطتنا نحن المطحونين من ضباط الشرطه بارقة أمل نحو الحريه وايدناها وجعلتنا نتكلم بصوت عالى متمردين على الاوضاع داخل وزارتنا التى ننتمى اليها ولكنها كانت الطامة الكبرى....وجاء يوم 28 يناير وبالظبط بعد صلاة الجمعة وانا وزملائى فى اماكننا نحميها ونحافظ عليها وبدات اشعر بالقلق بعد الساعه ال3 عصرا وانا اتابع القنوات الفضائية وقلبنا يتدفق امل فى تغيير حلمنا به من عشرات السنين....ولكننا انتابنا بعض القلق خوفا من التداعيات السلبية التى بدأنا نشعر بها جميعا وبالفعل بعد ساعات قليلة وفى حوالى السادسة مساء راينا فى الفضائيات مسلسل الانهيار الكامل لجهاز الشرطه الذى ننتمى له بارواحنا وطالما حلمنا بتغييره وتطهيره من الرواسب التى كانت تملأه وكنا نحلم انا وزملائى بان يصبح هذا الجهاز هو فخر للجميع عاملين به ومواطنين ولكن الصورة كانت عكس ذلك تماما وتوالت المفاجات منذ رؤيتنا لسيارات الامن المركزى وهى تشتعل حتى انباء حرق الاقسام والمراكز وكانت الصدمه بل الفرحه التى تحولت الى صراخ داخلى عميق فكم حلم الضباط الشرفاء بهذا الانجاز الذى تحقق وقتها وهو الثورة ولكن هذه الفرحه اندثرت الى صدمه هائله لانهيار الكيان الذى ننتمى اليه ونعتز به ووسط عويل زملائنا ممن كانوا يعملون بالقاهرة والجيزة والاسكندرية واللذين كانوا على اتصال بنا على فترات وكانوا فى حيره من امرهم بعد تخاذل بعض القيادات المجوفه الفارهه الغشيمه وامتناعهم عن توجيه القوات فى هذه الاوقات العصيبة على اى انسان ووجد الضباط انفسهم بمفردهم مابين نداء الواجب بحماية مقار عملهم وبين النداء الاسرى والذهاب لحماية الاسره.....وحدث ما حدث من عشوائية وخلل قيادى متعمد وكانت الضحية هم الضباط الشرفاء وهذه هى العاده التى كانت فى السابق ان الشريف بها يعانى والفاسد هو من تجده ميسور الحال ويعلم طرق الراحه بكل الاساليب.
ومرت ايام قليله ونحن فى حالة صمت بل كانت عزله عن العالم الداخلى لا تستطيع الافصاح عن هويتك ولا وظيفتك..............وكنا نجلس نتحدث ونحن نردد جميعا عبارة ( يعنى امشى كويس طول عمرى وبما يرضى الله وارفض الفساد واتظلم من بعض قياداتى بسبب انى ماشى صح ومش بقبل الغلط....وفى الاخر اتساوى بالفاسد والمرتشى واتعامل كانى سفاح...هذا ما استحفه بعد كل هذه المعاناه ) وكانت هذه العبارة تتردد بداخل قطاع المطحونين والشرفاء من ضباط الشرطةهذا الوقت واصبحنا معزولين عن اولى الامر من قياداتنا ومن المحيطين بنا ممن لا يعرفونا.
وتمر الشهور.....وتتوالى الوزارات وتتوالى الاحداث التى اصبحنا بسببها نعيش فى حاله غير ميسرة ....ومازلنا نحن ضباط الشرطة نعيش فى العزلة...فعندما بدأنا الفعالية فى العمل وجدنا سائقى الميكروباص والنقل يتعدون علينا بلا سبب بالسب واحيانا بالاسلحه والاشتباك معنا وعندما اتخذنا الاجراءات القانونيه كسبيل للحصول على الحق وجدنا انه عند تحويل هذا الشخص المعتدى للنيابه تقوم النيابه بالافراج عنه بكفاله بضع مئات الجنيهات.....فكيف اعمل وسط قانون عقيم يساوينى بالموظف العام اثناء حق الدفاع الشرعى عن النفس....فهل الموظف العام الجالس على المكتب طبيعة عمله مثل ضابط الشرطه الذى يواجه المسجلين والبلطجيه والارهابيين ليل نهار؟؟؟؟؟.
واستمرت المعاناة بمحاولات اقناع الناس ان الشرطة تغيرت واستجاب البعض ورفض الاخر وتحملنا الكثير فمازلنا نتصدر لكل شىء فى المقدمه واستمر مسلسل التضحية بشهدائنا الابرار حتى وصل عددهم الى اكثر من 166 شهيد حتى هذه اللحظه وكل شهيد فيهم يحكى عنه مأساه وقصة بطوله فعلى سبيل المثال اذكر النقيب الشهيد محمد ابو النصر مشالى ضابط مباحث اسوان واثناء حضوره محاولة الصلح بين عائلتين تم الاشتباك بين العائلتين وتمت اصابته بطلقات ناريه ادت لحدوث نزيف حاد له وكان ذلك فى الرابعه عصرا ولما كانت الامكانات الصحيه فى اسوان لم تستوعب حالته فطلبوا نقله للقاهره وكان نزيفه مستمرا وبعد الاتصالات مع القيادات على اعلى مستوى امروا بطائره خاصه له لتقله للقاهره ولكن الصدمه قادمه لا محاله....هيهات.....اتت الطائره فى ال 11 مساء وكان ينزف منذ الرابعه عصرا اى اكثر من 7 ساعات ووصل للمستشفى فى القاهره فى ال 1 صباحا وكان النزيف حاد فادى لحدوث غرغرينه فى ساقه التى امر الطبيب ببترها....واستشهد البطل بعدها بساعات..............فكم تألمنا بعد سماع هذه المأساه التى افقدتنا صوابنا لبعض الوقت من الصدمه وعرفنا وايقنا وقتها اننا سنستمر فى دفع التمن بلا مبرر وان هذا قدرنا والدور قادم علينا لا محاله مع كل اسفى
وقفت للحظة حتى انظر حولى ...فوجدت دماء زملائى تسال بلا اى ذنب فوجدت فى احداث محمد محمود وميدان سيمون الاخيره اكثر من 225 مصاب فى 6 ايام وكل ذنبهم دفاعهم عن مقار وزارتنا وبعض المنشات الهامه وقد وصل عدد المصابين حتى هذه اللحظه لاكثر من 6500 مصاب من بعد ثورة يناير حتى الان......وتجرى انتخابات واستفتاءات ونحن ندور فى ساقيه لا تنتهى فى كل مره....فكل مرحله من هذه الانتخابات فى محافظه شكل ونتحمل العبء المادى والمعنوى ولا احد يشعر فنذهب من القاهره الى اسوان على نفقاتنا الخاصه وتكون اقامتنا على نفقاتنا الخاصه ايضا وننظر لزملائنا من رجال القضاء والنيابه نجدهم فى افخم الفنادق والانتقالات والاقامه كلها على حساب جهة عملهم.......وهذا يجعلنى اتوقف لاوقات عديده ..لماذا هذا التصنيف العنصرى ؟؟؟ فكلنا نتعب ونعانى ولكن توفير سبل الراحه يكون لطرف والاخر لااااااا ونستسلم للامر الواقع وتستمر المعاناه والعزله.
تتجدد المليونيات بسبب الاحداث السياسيه التى طالما نرتدى الزى الميرى اذن ليس لنا دخل ولا راى سياسى....فنجد الفصائل السياسيه تتصارع والاطراف تتشابك ونتوه نحن فى المنتصف ولا نعلم كيف تكون الحياديه التى ترضى جميع الاطراف ....فانت فى نظر الكل موضع اتهام من كل الاوجه وكل التيارات لانك كضابط شرطه لاتفعل ما يريدونه....فاكل ينظر لنفسه فقط والانسان الفقير مازال يدفع التمن ويزداد الوضع سوء حيث اصبحنا ملطشه فالكل يسب الوزاره والمهنه بلا حساب او رادع وذلك لانه ينتمى لاحد الفصائل السياسيه القويه فاصبحنا نسمع سبابنا ولا نستطيع الرد.....فهذا اسوأ انواع العزله
ومع اخر شهيد لنا وهو النقيب عمار الحسن الشريف الذى لبى نداء وقسم بداخله على اداء واجبه راح غدرا برصاصة من انسان معدوم الحياه والضمير فكان ضابط مباحث المنيا وحدثت مشاجره بين عائلتين وذهب ليفحص البلاغ وتم قتله غدرا فى قلب الحدث...........ويوميا يسقط لنا شهيد ومصاب ولم تحرك العاصفه ساكن ولم يلقى شهدائنا او مصابينا اى تكريم معنوى او اعلامى او مادى يليق بانسان ضحى بحياته وروحه عشان البلد تعيش واللى بيدفع التمن فى ده كله الزرجه الارمله والام الثكلى والابن اليتيم....فكم يعانى هؤلاء من فقدان عزيز او غالى لهم.......وبعد كل ده اسمع واحد يقولى انت اللى اخترت شغلتك اللى بتقبض عليها فلوس......طب ارد اقولك ايه غير ان لو ليك ولد ينفع تختارله مهنه يروح يموت فيها وتقول اصل هو اللى اختار؟؟؟ ولو بيقبض عليها ...تحت تاخد كام وتجيلك رصاصه فى اى وقت؟؟ او تتصاب اصابة عجز؟؟او تتخطف زى ال 3 ضباط المخطوفين من يوم 4 فبراير 2011 وحتى الان لم يعلم احد عنهم اى شىء وسط مرأى ومسمع من كل السلطات!!!!!0
* اخرا وليس اخيرا انها العزله من ماضى به اخطاء تحملها الابيض والاسود.
* انها العزله من التصدر لاى شىء وكأن الشرطه اتكتب عليها تبقى فالوش فى اى شىء
* انها العزله من اهدار دماء المزيد من رجال الشرطه دون قانون او رادع او حمايه
* انها العزلة ممن يهاجموننا لمجرد الهجوم
* انها العزلة من اخطاء قيادية لا تراعى ادميتنا
* انها العزلة من الحيادية التى تضعك فى موضع اتهام دائم من الجميع
* انها العزله من الخوف فى عين زوجة ارملة شهيد زميل او ابنه اليتيم او امه
* انها العزله من عدم الاحساس بالامان داخل كيان وزارتى التى طالما نعتز ونهيب بانتمائنا لها لابعد الحدود
* العزلة من تفرقنا وتشتتنا نحن رجال الشرطة
* العزلة من مجهول غامض قد ياتى بشىء لا نعرفه
* انها العزلة من حبنا لمهنتنا ووزارتنا التى لا نستطيع التخلص منه ولكن اخشى ان يقل وسط المعاناة
** نقيب بوزارة الداخلية المصرية
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، ولا تعبر بالضرورة عن الموقع أوالقائمين عليه