والدة سيد ابن عمرى شباب ضحوا بأحلامهم وآمالهم ودمائهم فى سبيل استرداد حقوقهم ولم يكونوا متوقعين بأن الغدر سيأتى من حُماتهم.. وأن الطعنة ستأتى لهم من الظهر.. لكن على الرغم من كل هذا فإنهم صمدوا وظلوا متمسكين بموقفهم حتى آخر قطرة من دمائهم. هؤلاء الشباب لم يكونوا ثوارا بطبعهم ولكنهم أصبحوا الآن أبطال مصر ويجب أن نفتخر بما فعلوه لأنه لولاهم لما كان التغيير وما كانت حقوقنا لتعود. والد سيد «ابن عمرى، ابنى الوحيد.. قتله «حبيب العادلى» ده كان سندى وظهرى.. كسروه وكسرونى».. هذه كلمات أبوالشهيد سيد البالغ من العمر 29 عاما كان يساعد والده فى المصاريف وقد ساعده فى تزويج إخواته البنات وكان سيد يستعد للزواج بعد ثلاثة أيام من طلبه يد عروسه وفى يوم استشهاده كان يريد اصطحاب والدته لترى الشقة التى اختارها لتكون عش الزوجية. ولكن قدر الله وما شاء فعل.. أصيب سيد وهو واقف أمام محل عمله بجانب قسم الزاوية الحمراء فى صدره.. اخترقت الرصاصة قلبه على الفور ومات فى الحال. الشهيد سيد فوزى تقول أمه: ابنى - فلذة كبدى - قتلوه بالرصاص دون ذنب أو خطية، لقد كان مطيعا بارا بنا، مهذبا، يتحدث عن أخلاقه الصغير قبل الكبير، كنت أحلم برؤية أولاده وأن أرى سعادة فى عينه كما كان هو سببا فى سعادتنا جميعا، ولكن الوقت لم يسعفنى، ثم تبكى فتقول وصوتها مختنق.. «كل ما أريده هو قتل من سلبه وسلبنى الحياة.. وبنفس الطريقة، رميا بالرصاص الحى، كما ضربوا ابنى بالرصاص الحى «حسبنا الله ونعم الوكيل» ويقول أبوه «لقد خدمت فى الجيش وحاربت فى «1973» مع الرئيس «مبارك» وكنت أحبه جدا، فهو صاحب الطلعة الجوية الأولى.. ولكن كيف يسكت على ما حدث لأولادنا ويظل صامتا ولايبرد نارنا حتى بكلمات، والآن ذهب دون أن يرد لنا دم الشهيد ذهب وترك لنا «وجع القلب ينهش صدرى». لا أريد مالا ولا عوضا.. كل ما أريده هو ثأر ابنى من الجانى الذى أطلق النار بلا رحمة ومن الذى أمره بذلك». ؟ عمرو توفى قبل زفافه بشهر الشهيد عمرو إبراهيم - 23 سنة - عامل فنى شبكات.. شخص محترم يشهد جيرانه بأدبه وأخلاقه.. وتقول جارته والدموع تنهمر على وجنتيها: «كان شاب زى الورد».. ومحبوب بين الناس.. غيابه أثر فينا حتى الآن.. ويقول صديقه إسلام: كان جدع وابن بلد.. يقف بجانب أصدقائه فى وقت الشدة.. وأنا واحد من الذين وقف عمرو بجانبهم فى الحياة.. فأنا لم أتخيل حتى الآن أنه تركنى ورحل.. يوم 28 يناير اتصل بى وقال إنه ذاهب إلى الحلاق ليصفف له شعره.. لأنه فى المساء كان سيذهب إلى منزل خطيبته التى كان من المقرر أن يتم زفافهما بعدها بشهر.. لكن القدر لم يعط له الفرصة لكى يحقق حلمه.. فأثناء وجوده عند الحلاق كنت فى طريقى إليه.. ووقتها كانت المظاهرات قد اشتدت وبدأت الشرطة تطلق الرصاص الحى على الناس.. وعند وصولى إلى الحلاق وجدته يصرخ بصوت عالٍ ويقول لى: إن عمرو أصيب برصاصة فى رأسه ولقى حتفه فى الحال.. وعندما ذهبنا به إلى المستشفى لكى يجروا له أى إسعافات أولية رفضت استقباله لأنه بالفعل كان قد مات.. وبعدها يتوقف إسلام للحظة ثم يكمل كلامه وصوته يرتجف: من الذى سيعوضنى عن صديق عمرى اللى راح؟؟ الشهيد أحمد عبدالحميد
الكابوس الشهيد أحمد عبدالحميد - 19 سنة - كان يعمل مع والده فى إحدى محطات البنزين.. وكان سيتقدم لخطبة فتاة يعرفها.. بعد انتهائه من الدراسة.. تقول والدته: فى هذا اليوم ذهب أحمد ليتناول الغداء عند أحد أصدقائه.. وعندما قامت المظاهرة اتصلت لكى أطمئن عليه وأخبره بأن أخاه جاء من البلد ويريد أن يراه.. ووقتها كان قلبى يخفق بشدة من القلق، فقال لى: «حاضر نصف ساعة وأكون عندك» بعدها بعشر دقائق اتصلت به حتى أخبره بأن صديقه أصيب بطلق نارى فى كتفه ويجب أن يأتى حتى يراه.. بعدها بدقائق قليلة من مكالمتى له وجدت أصدقاءه يحملونه إلىّ مصابا بطلق نارى فى البطن.. وقتها لم أصدق ما أراه وشعرت أننى فى كابوس ويجب أن أستيقظ منه.. لكننى وجدته واقعا. ابنى استشهد أمام عينى.. ومن الأشخاص الذين يقومون بحمايته.. تسكت للحظة ثم تنهار بعدها فى البكاء قائلة: ده كان آخر العنقود و«الحيلة» حسبى الله ونعم الوكيل فى اللى عمل كده.؟ الشهيد شريف زينهم..ترك 4 بنات بلا عائل مات ليترك 4 بنات صغاراً بلا عائل، ولا يعرفن كيف سيواجهن مصيرهن وكيف سيكملن تعليمهن، فمن سوف يتحمل مسئوليتهن بعد وفاة والدهن الذى كان يعمل أرزقيا وأرملته التى لا تعمل ولا تملك من حطام الدنيا غير مسكنها الذى تعيش فيه مع بناتها الأربع وزوجها الشهيد زينهم محمد قطب البالغ من العمر 38 عاما. فما أصعب أن تموت بدون أى ذنب فهو لم يشارك فى أى مظاهرات، ولكنه مات أثناء تواجده بالشارع صدفة عندما كان متوجها للحاق بالمواصلات للعودة إلى بيته فى أبو زعبل بعدما كان يزور والدته فى حى حدائق القبة للاطمئنان عليها هكذا تقول والدته والتى تسكن فى أحد البيوت القديمة البسيطة فى هذا الحى، فالأم مسنة وتبكى قائلة: لقد مات ابنى بدون أى ذنب فأنا لا أصدق أنه مات بعد عدة ساعات من جلوسه معى فلقد أتى ليطمئن على ولكن مات بالرصاص الحى العشوائى الذى كان يوجه بعشوائية ضد المواطنين وإذا بأحد الأشخاص يتصل بنا ويقول إن شريف «وقع على رجله وانكسر» وأن المصابين ذهبوا إلى مستشفى سيد جلال، ولم أصدق فابنى كان معى منذ ساعات وبمجرد نزوله يأتى لى هذا الخبر. وتوجهنا أنا وإخوته إلى المستشفى وعرفنا أن الناس إللى ماتت ذهبت إلى مستشفى سيد جلال، وتوجهنا إليه لكى أبحث عن ابنى ولكنى لم أجده وظللت أبحث عنه طول ليلة الجمعة حتى صباح السبت ثم توجهنا إلى مستشفيات أخرى عندما لم نجده من ضمن الموتى فى سيد جلال فلا توجد دفاتر مقيدة فيها أسماء الناس إللى دخلت المستشفى وبعد أن بحثنا فى جميع المستشفيات، طلبت من أولادى أن نعودة مرة ثانية إلى مستشفى سيد جلال، فقالوا لى إننا جئنا هنا مرة سابقة ولم نجده، فلماذا نذهب إليها ثانيا، فقلت لهم إن «قلبى يقول لى إن جثة ابنى موجودة هنا». وطلبت من الممرضة بأن تفتح لى الثلاجة لأبحث عن ابنى ثم سكتت وهى تحبس الدموع فى عينها قائلة «بعيد عنك يا بنتى لحم مرمى على الأرض ملوش صاحب» ثم سكتت قليلا وقالت: «وجدته.. ابنى الذى كان معى منذ ساعات.. ميت مقتول» أصيب برصاصة فى القلب ومات عندما وصل إلى المستشفى فلا توجد أى سجلات فى المستشفى توضح الحالات التى دخلت المستشفى وأخذت ابنى المقتول بدون أن يسألنى أحد عنه وتم دفنه بدون تصريح دفن. ولقد قام ابنى بتصوير مكان الطلقة ووجه ابنى شريف كنوع من التوثيق وبعد 10 أيام من وفاته استطعنا أن نستخرج شهادة وفاة، وأخذت تردد: حسبنا الله ونعم الوكيل هما إللى أمروا أقسام الشرطة أنها تضرب فى الناس.. ليه الظلم ده .؟ الشهيد كريم مدحت محمد وهبة .. المرض لم يمنعه من المشاركة بدأت الأم حديثها بدموع تكاد تكون دماء تسيل على وجهها وتقول: رصاص الموت كان رحيما وكريماً على ابنى من الألم. وتروى أ.هويدا حياة ابنها الذى راح ضحية رجال بلا قلب فتقول: كان كريم الابن الأكبر لأخته التوءم ب 5 دقائق وكان طفلاً يتميز بهدوء شخصيته لا يحب اللعب مع باقى الأطفال ولم يكن له أصدقاء مقربون وكأنه يعلم أن الموت هو الأقرب له وتوالت الأيام وجاءت الصدمة الأولى وتوفى والده وعمره لا يتعدى ال 7 سنوات وبدأت الوحدة تسيطر عليه وكبر وتخرج فى كلية سياحة وفنادق وظل يعمل فى وظائف مؤقتة طوال ال 4 سنوات الماضية حتى استقر فى إحدى شركات السياحة ولكن السعادة لم تجد مكاناً فى قلبه وحياته فشعر بحالة من التعب جعلته لم يستطع الوقوف على قدميه أو وضع أى شىء فى يده واكتشفنا أنه يعانى من مرض يسمى «الزئبقة الحمراء» وهو عبارة عن خلل فى المناعة يصيب أعصاب الجسم وهذا المرض علاجه الوحيد محلول كيميائى معين الكيس الواحد يتكلف 10آلاف جنيه فقدمت طلبا للعلاج على نفقة الدولة فتمت الموافقة عليه على أن تتم المساعدة بمبلغ قدره 600 جنيه شهرياً، فقدمت طلبا آخر لزيادة المبلغ حسب شدة المرض ولكن جاء القرار الثانى ليجعل ابنى زاهداً فى الحياة بكل متاعبها وشقائها والقرار يقول إن هذا الدواء لا يدخل فى البروتوكول التابع لوزارة الصحة ومن هنا رفض ابنى أن يكون حملاً على هذا البلد، وبالفعل زاد المرض عليه وتدهورت حالته ودخل المستشفى من حوالى 7 شهور حتى تحسنت حالته بقدر من الشفاء واستطاع الوقوف على قدميه وخرج يوم الخميس 27 يناير من المستشفى وذهب يوم الجمعة مثل كل الشباب وظل فى ميدان التحرير حتى المساء عندما علم بتواجد البلطجية فى أماكن متفرقة وجاء مسرعاً ليطمئن علينا ثم اتفق مع أصدقائه لتكوين اللجان الشعبية لحمايتنا وبطبيعة الحال ونحن نسكن بجانب وزارة الداخلية وتم إطلاق عدة طلقات متفرقة من المداخل المختلفة لأبواب الوزارة وأصيب ابنى بثلاث رصاصات الأولى فى كتفه والثانية فى صدره والثالثة فى عينه وكأن كل رصاصة تقول له جاء وقت الرحيل وفى هذه اللحظة لم أعرف شيئا عن ابنى من الثامنة مساء من هذا اليوم المشئوم حتى الثامنة مساء يوم الأحد ونقله بعض الضباط المجهولين إلى مسجد عباد الرحمن بالميدان وظل هناك حتى تم نقله إلى مستشفى أحمد ماهر وفى المساء جاء ضابط يحمل كل متعلقاته وسلمها لبواب العمارة وذهب.. وتكرر الأم قائلة «ابنى راح ضحية رجال بلا قلب» وفى النهاية تمنت أم الشهيد أن وزير الداخلية السابق لا يخضع للمحاكمة القانونية ولكن لابد أن يكون فى ميدان عام وتقوم كل أسرة شهيد بالثأر منه.