وصول سفينة غاز مسال إلى ميناء دمياط لتفريغ 75 ألف طن    المشاط تبحث مع هواوي مصر التوسع في الاستثمارات وتعزيز التحول الرقمي    عاجل| ارتفاع مفاجئ في معدلات البطالة بمصر... ما الأسباب؟    "لن تُقام".. وزير الدفاع الإسرائيلي يرفض إقامة دولة فلسطينية    قافلة زاد العزة ال73 تدخل إلى الفلسطينيين في قطاع غزة    الأهلي يواصل استعداداته لمواجهة شبيبة القبائل بدوري أبطال إفريقيا    لفتة إنسانية.. أمن القاهرة يستجيب لسيدة وينقلها إلى المستشفى لتلقى العلاج    ضبط أجنبية تعدت على طفلتها بالضرب وتركتها بالشارع في كفر الشيخ    خالد النبوي يهدي شكرا خاصا ل إيناس الدغيدي بسبب فيلم المهاجر    متحدث الصحة: الاستراتيجية الوطنية للصحة الرقمية تساهم في تقديم خدمات عالية الجودة    مستشفيات جامعة قناة السويس تُطلق مؤتمر الجودة العالمي تحت شعار «اتحضّر للأخضر»    تجدد الاشتباكات بين الجيش السودانى والدعم السريع فى بابنوسة    "القومي للأشخاص ذوي الإعاقة" يواصل تنظيم فعاليات المبادرة القومية "أسرتي قوتي" في الإسكندرية    الصندوق السيادي السعودي يخفض استثماراته الأمريكية إلى 19.4 مليار دولار    حقه يكمل مشواره| شوبير يدافع عن حسام حسن قبل مباراة مصر وكاب فيردي    يسجل 59.96 جنيه، سعر الفرنك السويسري بالبنوك المصرية (تحديث لحظي)    إعتماد المخطط العام لأرض مشروع «عربية للتنمية والتطوير العمراني» بالشيخ زايد    الهلال الأحمر المصرى يقدم خدمات الدعم النفسى للمصابين بحادث طريق أسنا    "الداخلية" تصدر 3 قرارات بإبعاد أجانب خارج البلاد لدواعٍ تتعلق بالصالح العام    مصر وتشاد يبحثان خارطة طريق لتعزيز الاستثمار المشترك في الثروة الحيوانية    عظيم ومبهر.. الفنانة التشيكية كارينا كوتوفا تشيد بالمتحف المصري الكبير    اقتراح برلماني بتعديل اللائحة الداخلية لمجلس الشيوخ    وزيرة التضامن: 31.5% معدل التحاق الأطفال بالحضانات    برنامج بطب قصر العينى يجمع بين المستجدات الجراحية الحديثة والتطبيقات العملية    حالة الطقس في السعودية اليوم الأحد.. أمطار رعدية غزيرة وتحذيرات من السيول    تعليم الإسماعيلية: يعلن جداول امتحانات شهر نوفمبر للعام الدراسي 2025/2026    «البيئة» تشن حملة موسعة لحصر وجمع طيور البجع بطريق السخنة    البورصة تستهل تعاملات جلسة اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025 بارتفاع جماعي    الأوقاف تعلن عن المقابلات الشفوية للراغبين في الحصول على تصريح خطابة بنظام المكافأة    لإضافة بُعد روحي وتربوي، الجندي يوضح سبب وجود مصطفى حسني في لجنة تحكيم "دولة التلاوة"    الليلة على DMC .. ياسمينا العبد تكشف أسرار مشوارها الفني في صاحبة السعادة    الإفتاء تواصل مجالسها الإفتائية الأسبوعية وتجيب عن أسئلة الجمهور الشرعية    تقارير: زين الدين زيدان يقود منتخب فرنسا بعد انتهاء كأس العالم 2026    تقرير: أرسنال قلق بسبب إصابتي جابريال وكالافيوري قبل مواجهة توتنام    إخماد حريق نشب داخل شقة سكنية دون إصابات في الهرم    الرعاية الصحية تبحث تطوير خدمات القساطر القلبية المتقدمة لمرضى التأمين الصحي الشامل    فيديو.. عمرو أديب يحتفي بتلال الفسطاط: من أعظم المشروعات في السنوات الأخيرة    كيف نظم قانون الإجراءات الجنائية الجديد تفتيش المنازل والأشخاص؟    مصر ترحب باتفاق الدوحة الإطاري للسلام بين جمهورية الكونجو الديموقراطية وحركة M23    الرياضية: أهلي جدة يفتح ملف تجديد عقد حارس الفريق إدوارد ميندي    ما هي عقوبة مروجي الشائعات عبر السوشيال ميديا؟.. «خبير» يجيب    سؤال برلمانى بشأن ظاهرة العجز الصارخ فى المعلمين    كبير الأثريين يكشف تفاصيل تطوير المتحف المصري بالتحرير    وزير الدفاع يشهد تنفيذ المرحلة الرئيسية للمشروع التكتيكي بالذخيرة الحية في المنطقة الغربية    وزير الخارجية يجري اتصالات مكثفة بشأن الملف النووي الإيراني    استقرار أسعار الذهب الأحد 16 نوفمبر.. وعيار 21 يسجل 5455 جنيهًا    إصابة العشرات بعد اندلاع اشتباكات في المكسيك وسط احتجاجات الجيل زد    اليوم.. وزيرالثقافة ومحافظ الإسكندرية ورئيس أكاديمية الفنون يفتتحون فرع ألاكاديمية بالإسكندرية    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 16نوفمبر 2025 فى محافظة المنيا..... اعرف مواقيت صلاتك    بريطانيا تجرى أكبر تغيير فى سياستها المتعلقة بطالبى اللجوء فى العصر الحديث    فيلم شكوى 713317 معالجة درامية هادئة حول تعقيدات العلاقات الإنسانية    كمال درويش يروي قصة مؤثرة عن محمد صبري قبل رحيله بساعات    حامد حمدان يفضل الأهلي على الزمالك والراتب يحسم وجهته    خالد عبد الغفار: مصر تحقق نجاحات كبيرة جدًا على المستوى الدولي    محمود حسن تريزيجيه: الانضباط والاحترام أساس تكوين شخصية لاعب الأهلي    هل تشفي سورة الفاتحة من الأمراض؟.. داعية توضح| فيديو    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    الإفتاء: لا يجوز العدول عن الوعد بالبيع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مذبحة يوم الغضب حولت (مدينة السلام) إلى دار أيتام
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 02 - 2011

لايزال ملف شهداء جمعة الغضب مفتوحا.. ولاتزال دماؤهم الزكية ساخنة.. تسيل من عروقهم.. ولايزال قتلتهم ينعمون بالحرية.. بنفس الدعم الرسمى القديم.. بالنوم الهنىء فى أحضان زوجاتهم.. فهم لا يشعرون بوخز من تأنيب الضمير.. ولا تلاحقهم صور الشهداء وهم يقبلون أطفالهم.. فهم كانوا يؤدون واجبهم المقدس.. واجبهم فى حماية النظام.. وإذلال الشعب.. وقتله.. وسفك دماء أبنائه.. والفتك بفلذات أكباده.. لايزال القتلة وآمروهم يخرجون ألسنتهم لأسر الشهداء.. وأسلحتهم لاتزال مصوبة على الصدور.. مستعدة لأن تقتل أضعاف من قتلت.. ولاتزال جوقة النظام الفاسد تردد نفس الكلام.. ونفس الطنطنات القديمة عن شرف ونبل وبراءة وطهارة من قتلوا الأبرياء.
الملف لايزال مفتوحا.. واليوم نقلب فى صفحة شهداء مدينة السلام.. التى تحولت فى يوم جمعة الغضب إلى مدينة الأيتام.. والثكالى.. والحزانى على الأحبة ممن قضوا فى أكبر مذبحة شهدتها مصر فى هذا اليوم.. بحسب كل من حدثنا فى هذه المدينة، التى فتح فيها ضباط وجنود أقسام الشرطة نيران أسلحتهم على جموع المتظاهرين العزل.. فقتلوا ما لا يقل عن 20 شابا، وجرح عشرات المواطنين، وفق تقديرات مصدر طبى فى مستشفى السلام.
بمجرد دخولك هذه المدينة يخطفك الصمت الرهيب الذى يخيم عليها.. حالة الحزن العامة التى تكسو الوجوه والبنايات والمتاجر والحافلات.. وحتى مواقف السيارات المعروفة بالضجيج.. بمجرد مرورنا على قسم أول همس لى سائق السيارة التى كنا نستقلها بصحبة شقيق شهيد ممن قضوا أمام هذا القسم برصاص الشرطة بأن هذه المنطقة هى التى قتل فيها أكبر عدد من المتظاهرين.
وعندما تمعن النظر فى المكان تجده مسرحا مثاليا لعمليات القنص والضرب المباشر.. فواجهة القسم المطلة على الشارع عريضة.. ويلف سطح القسم سور من الجهات الأربع.. والجنود المدججون بالبنادق الآلية يقفون خلف هذ السور من كل اتجاه.. وفى منتصف السطح يجلس مجموعة من الضباط.. أصوات ضحكاتهم تملأ الأرجاء.. وتخدش حياء الصمت الجنائزى الذى يخيم على مدينة الثكالى والأيتام.
المشهد الذى وقع يوم جمعة الغضب فى هذا المكان، كما سرده عبدالعظيم على.. وهو أحد المتظاهرين، الذى أصيب برصاصتين فى يده كان كالتالى: «خرج المصلون من المساجد عقب صلاة الجمعة.. تجمع الشباب فى تظاهرة سلمية.. رددوا شعارات مناهضة للنظام والرئيس المخلوع مبارك.. ولما كان القسم فى أكبر شوارع المدينة كما ترى كان طبيعيا أن تمر المظاهرة عليه.. وقبل أن تصل إليه ب300 متر.. انفتحت علينا نيران جهنم.. الرصاص يحصد فينا حصدا.. ونفس الأمر تكرر عند قسم النهضة.. لما ذهبنا لاستخراج جثة أخى وجدنا المستشفى مليئًا بالقتلى والجرحى.
الشهيد أحمد حسين على
أول منزل طرقنا بابه فى مدينة السلام هو منزل الشهيد أحمد حسين على (23 سنة)، على باب شقته المطلة على شارع رئيسى فى (مساكن النيل د) كتب أبوه لافتة كبيرة على واجهة منزله «الشقة للبيع».. لم يطق الرجل الستينى العيش فى هذا المنزل من دون سماع ضحكات ابنه البريئة.. أنفاسه.. وحركاته العفوية التى اعتاد عليها طيلة 23 عاما «فهنا كبر.. وهناك كان يحبو.. وفى هذا المكان لعب.. وفى ذاك بكى.. فكم هو بغيض المكان من دونه» ، يؤكد الرجل.
«ولدى أنهى الخدمة العسكرية من قيمة سنة.. وربنا كرمه واستلم شغل فى مصنع بالعاشر من رمضان.. مكنش مصدق نفسه لما لم ربنا كرمه بالشغل.. يطلع يوميا من 6 صباحا، ويعود 8.30 بالليل.. أنا مش مصدق إن مصر قتلت ولدى.. أيوه مصر قتلت ولدى.. مش كانوا بيقولوا مصر هى مبارك ومبارك هو مصر.. يبقى مصر قتلت ولدى بعد ما خدمها وسهر للدفاع عنها».. يقول والد الشهيد.
ويواصل الرجل الذى نزح من محافظة قنا قبل 30 عاما وهو يغالب دموعه «ولدى لو كان مات فى الحرب ضد إسرائيل والله ما كنت هزعل.. لكن يموت مع من ماتوا من إخواته بيد الشرطة.. بيد ضباط قسم السلام أول اللى المفروض يحموه.. هو ده اللى مخلينى هتجنن».
«فى يوم الجمعة 28 يناير.. حوالى الساعة 5.. أنا كنت قاعد هنا فى البيت وسمعت ضرب نار كثيف جدا.. سألت الجيران قالوا الشرطة فتحت النار على المتظاهرين عند قسم أول.. ما جاش فى بالى إن ولدى فيهم.. لحد ما لقيت أخوه جاى يصرخ: أحمد أخوى انضرب.. نزلت أجرى لقيتهم ضربوه رصاصتين فى صدره ومات على الفور».
«ما نريده هو القصاص العادل لدماء أولادنا.. لكن ما أعتقدش إن ده هيحصل.. لأن دم ولدى فى رقبة حسنى مبارك.. اللى هو فوق الحساب.. هو فيه حد يقدر يحاسبه.. وحتى لما جم يضحكوا علينا بمحاكمة العادلى ما جبوش سيرة أوامره بفتح النار على صدور المصريين.. ليه؟ لأنهم عارفين إن حسنى مبارك اللى وراء الموضوع.. وما دام مبارك وراء الموضوع.. يبقى نعتبرهم غرقوا فى عبارة بالبحر.. ولا اتحرق بيهم قطر (قطار).. وفى الآخر تقولى ثورة.. ونجحت.. والكلام الفاضى ده».. ينهى الرجل حديثه لكن بعد دخوله فى نوبة بكاء هستيرية.
الشهيد إسماعيل.. عريس الثورة
تركنا مساكن (النيل د) وتوجهنا لمساكن (الصعيد أ) بنفس المدينة.. فدلنا الأهالى على منزل الشهيد إسماعيل محمد محمود (22 سنة)، كان يعمل سائقا فى إحدى شركات السياحة.. اليوم الذى وصلنا فيه لمنزل إسماعيل (أول أمس السبت) كان اليوم المحدد لزفافه.. فبمجرد دخولك المنزل تجد تجهيزات عش الزوجية تحيط بك من كل الجهات.. من بعض قطع الموبيليا.. إلى بطاقات الدعوى.
«كنت فرحانة قوى بيه.. كان زى البدر.. كان طاير من الفرح بعد ما ربنا وقف جنبه وحوش تكاليف الزواج.. كان نفسه يفرح زى الشباب.. لكنهم طفوا شمعته.. طفوا فرحته.. راح ولدى يوم جمعة الغضب مع من راحوا.. ضربوه طلقتين فى رأسه».. تقول والدته، التى بالكاد تسمع صوتها المبحوح من فرط البكاء.
«إسماعيل لم يكن مشاركا بالمظاهرات التى اندلعت يوم جمعة الغضب، لكنه بمجرد علمه بإصابة أحد جيرانه خرج لإسعافه هو وصديق ثان له اسمه أيمن أنور واستشهد هو الآخر.. كان الرصاص يحصد فى الشباب حصد.. لا كانوا بيرحموا مشارك أو حتى مار بالشارع.. حسبنا الله ونعم الوكيل فى كل من ضرب طلقة على أولادنا».. تضيف والدة الشهيد.
«إن كان على فأنا كبيرة وربنا مصبرنى.. اللى شايلة همها هى عروسة ولدى.. من يوم ما استشهد وهى ربنا وحده العالم بيها.. لا بتاكل ولا بتشرب.. ولا بتطلع بره حجرتها.. كانت عروسة يا ناس.. لكنهم حرموها من الفرح.. منه لله حبيب العادلى.. ينتقم منه المنتقم الجبار». قالت والدة الشهيد وراحت فى موجة عارمة من البكاء.
الشهيد أيمن أنور عبد العزيز
على بعد 50 مترا من منزل الشهيد إسماعيل يوجد منزل الشهيد أيمن أنور عبدالعزيز (24 سنة).. فهما صديقان فى الدنيا.. ورفقاء فى الشهادة مساء يوم جمعة الغضب.. أيمن هو الابن البكر لأبيه.. تصغره أخت هى آية (20 سنة) وعبدالرحمن (16 سنة).
بمجرد دخولك منزل الشهيد تشعر بسكينة غير عادية تخيم على المكان.. والده برباطة جأش نادرة فى مثل هذه الظروف قال: «أيمن وإسماعيل كانوا بينقذوا صديقهم أحمد المصاب.. الشرطة فتحت عليهم النار أثناء نقلهم لصديقهم.. أصابوه بطلقة فى ذراعه وأخرى فى جنبه.. ظل يصارع الموت حتى لاقى ربه يوم 10 فبراير بمستشفى الهلال».
والد أيمن لفت نظرنا إلى أن اليوم الذى زرناهم فيه هو يوم عيد ميلاد الشهيد.. وبمرارة بالغة واصل حديثه «اللى تاعب أسر الشهداء إحساسهم إن دماء أولادهم راحت هدر.. سدى.. دون فائدة.. فلا النظام تغير.. ولا السياسات القديمة تغيرت.. والوجوه هى نفس الوجوه.. لم يحدث أى جديد يذكر.. كل اللى حصل إن حسنى مبارك ترك القاهرة وراح شرم الشيخ.. حتى دى الأخرى مش جديدة.. حسبنا الله ونعم الوكيل».. وأنهى الرجل معنا بهذه الكلمات.
الشهيد طارق محمد عبده
فى مساكن الضباط الراقية نسبيا فى مدينة السلام كان منزل الشهيد طارق محمد عبده (24 سنة)، وهو أكبر إخوته السبعة، بحسب والده لم يكن له أى نشاط سياسى.. لكنه أصر على المشاركة فى جمعة الغضب.. رغم أن لديه مكتب عقارات ويكسب منه ما يكفيه.. «هو كان حابب يشوف مصر متقدمة وديمقراطية مثل بقية البلدان.. لذلك شارك فى المظاهرات فى هذا اليوم وفى ميدان التحرير». يقول والده.
وواصل الرجل المكلوم بأن «طارق مع 22 من أصدقائه ذهبوا مبكرا لميدان التحرير يوم جمعة الغضب.. وبعد أن انتهى اليوم عادوا إلى مدينة السلام.. السائق رفض دخول المدينة بهم.. وأنزلهم قبل قسم أول بمسافة.. وما إن اقتربوا من القسم حتى انهال عليهم الرصاص من كل جانب.. فمات بعضهم.. وأصيب الآخر.. أما طارق فأصابته رصاصة فى خده الأيسر، مات بعدها على الفور».
والد الشهيد يؤكد أن ما يشفى صدور آباء وأمهات الشهداء هو «القصاص من حبيب العادلى ومدير أمن القاهرة ومأمور قسم أول السلام وضباطه.. دون هذا لن ننعم بالراحة ما حيينا».
والدة طارق بعد طول صمت قالت: «حقنا عند ربنا.. هو وحده اللى هياخد حقنا من العادلى.. ابنى شاب ابن 24 سنة.. لا فرح.. ولا عمل حاجة وحشة فى حياته.. ليه يقتلوه؟.. طول عمرنا نشوف المظاهرات فى مصر.. ما حدش كان بيطلق الرصاص الحى ده خالص.. هو إيه اللى جرالهم.. هما افتكروا إنهم بيحاربوا إسرائيل ؟».. تتساءل أم الشهيد.
الشهيد يوسف فايز أرمانوس
فى المساكن الموجودة خلف قسم أول وجدنا منزل الشهيد يوسف فايز أرمانوس (32 سنة)، لديه 8 إخوة.. هو أكبرهم.. أخوه شنودة تحفظ على الحديث «الكلام فى الموضوع ده بيزود نار الأسرة كلها.. أمى وأخواتى تعبانين جدا لفراق يوسف.. مش عايز أزيد جراحهم».
أخى أصيب برصاصة فى صدره.. وخرجت من ظهره وهو ما أدى لتهتكات بالعمود الفقرى والحبل الشوكى وهو ما أدى للوفاة فى النهاية».. يضيف شنودة.
وأكد شنودة أن أخاه لم يكن له أى نشاط سياسى.. كان تركيزه كله فى عمله.. كان فاتح محل لبيع العطور.. كل وقته يقضيه داخل هذا المحل.. ربنا يرحمه.. وحشنى جدا.. مش قادر أتصور الحياة من غيره».
الشهيد محمود شحاتة محمد
وصلنا لمنطقة النهضة الفقيرة، التابعة لقسم ثانى السلام، الذى شهدت المنطقة المحيطة به مجزرة لا تقل عما شهده قسم أول، دلنا أهالى المنطقة على منزل الشهيد محمود محمد شحاتة (27 سنة)، القاطن فى مساكن (العبد 1020)، ويعمل حدادا.. قبل أن نطرق على الباب وجدنا طفلتين صغيرتين تلعبان خارج الشقة قال الجيران إنهما بنتا الشهيد ملك (5 سنوات) وهنا (3 سنوات).
أحمد شقيق الشهيد قال إن أخاه «يوم جمعة الغضب خرج مع الشباب فى مظاهرة سلمية تنادى بسقوط حسنى مبارك.. كان الجميع يسير فى سلام.. نقول شعاراتنا ولا يوجد فى نيتنا أى شىء آخر.. وفجأة وجدنا رصاص الحكومة نازل علينا زى المطر.. أخى أصيب برصاصة فى بطنه ومات بعدها».
«أنا كنت بشيل المصابين وأنقلهم للمستشفى.. مكنش يخطر فى بالى أبدا إن أخى واحد من اللى ماتوا فى اليوم ده.. لحد ما عرفت من ناس أصحابنا فى المنطقة.. جرينا على المستشفى لقيناه قابل ربه.. يتموا أطفاله.. كان على باب الله.. ربنا بيرزقه بمصاريف كل يوم بيومه.. لم يكن لديه دخل ثابتا».
«محاكمة حبيب العادلى ليست كافية.. فقبل العادلى لابد من محاكمة ضباط أقسام الشرطة الذين أطلقوا النار على المتظاهرين العزل.. وعايز واحد عاقل يقولى إن هؤلاء الضباط ينفعوا فى الخدمة تانى بعد ما قتلوا الشعب.. لو ما اتحكموش هيرجعوا يقتلوا فينا تانى.. وبكرة تشوف».
الشهيد عبد العليم عبد النبى محمد
فى طريقنا لمنزل الشهيد عبدالعليم عبدالنبى محمد (19سنة).. الذى دلنا عليه شقيق الشهيد محمود أشار الأهالى على مساكن احتلها البلطجية وبعض من ليس لديهم شقق، أو فقراء ألهب ظهرهم الإيجار المرتفع.
وصلنا منزل الشهيد عبدالعليم لكننا لم نجد أحدا.. أشارت إلينا جاراتهم بأن أمه فى السوق، فهى بائعة خضار، توجهنا إليها فوجدناها على فرشتها مع أخيه.. قالت «ولدى كان الأمل اللى كنت عايشة علشانه فى الدنيا الصعبة دى.. كان سترى وغطاى.. كنا زى ما أنت شايف نقضى يومنا فى السوق.. ناس غلابة بناكل اللقمة بالعافية.. بس كنا مبسوطين قبل ما يموت».
تحكى السيد وهى بالكاد تلتقط أنفاسها المحبوسة من البكاء «ولدى انضرب بالنار مع شباب زيه يوم الجمعة.. سمع إن فيه مظاهرات قدام القسم قال أروح أشوف فيه إيه يا أمى.. راح ومرجعش تانى.. ضربوه برصاصتين فى دماغه».
«ياما نفسى أشرب فنجان من دم حبيب العادلى.. لأن هو ده اللى خلاهم يموتوا عيالنا اللى طلعنا بيهم من الدنيا.. نفسى أنتقم من كل كبرات البلد اللى نهبوها وسابونا جعانين».. أضافت السيدة الموجوعة على فراق ولدها.
الشهيد محمد محمود عماد
فى مساكن الإيواء الغارقة فى القمامة والصرف الصحى بمنطقة النهضة، وجدنا منزل الشهيد محمد محمود عماد.. قابلنا زوجته وأبناءه أحمد (20 سنة).. ومحمود (19 سنة) وباسم (9 سنوات).. قالت الزوجة «المرحوم كان يعمل شيال.. لم يكن لدينا دخل ثابت.. يوم الجمعة لما الشرطة ضربت الناس بالنار قدام قسم النهضة بصينا حوالينا ملقناش ابنى الصغير باسم.. نزل محمد بسرعة علشان يدور عليه.. أول ما وصل هناك أصيب ب3 طلقات.. فى الرأس والصدر والقدم.. ومات على طول قبل ما يوصل المستشفى».
«من بعد ما مات زوجى وأنا بدأت اشتغل.. بنزل أبيع فى سوق الخضار.. لكن العيشة غالية.. ولادى فى المدارس.. ومش عارفة أعمل إيه بعد ما راح أبوالعيال.. نفسى يكونوا صادقين فى موضوع المعاش.. علشان العيال تعرف تعيش». أضافت السيدة وهى تغالب دموعها.
الشهيد سعيد محمد متولى
الشهيد محمد سعيد محمد متولى، يبلغ من العمر 30 عاما، متزوج حديثا.. ولا يعول.. يعمل سائق تاكسى.. يقول أخوه متولى عن ظروف استشهاده «أخى كان قادم بسيارته من عند قسم السلام.. ولما بدأ ضرب النار وجد طفلا صغيرا.. نزل ليأخذه فى السيارة ليحميه بحسب ما روى لنا أحد شهود العيان لكنه قبل أن يلتقط الطفل أصابته رصاصة فى رأسه وخرجت من الناحية الأخرى.. والرصاصة التالية أصابت الطفل الذى كان يهم لإنقاذه.. حسبى الله ونعم الوكيل».
متولى يرى أن «مصر قبل 25 يناير هى مصر بعده.. لا شىء تغير.. ومحاكمة العادلى وبقية الوزراء اللصوص غير كافية.. بل يجب محاكمة الضباط الذين قتلوا الشهداء يوم جمعة الغضب.. أمثال محمد راسخ.. ومحمد دويدار فى قسم السلام.. إحنا مش عايزين فلوس.. إحنا عايزين محاكمات نراها بأعيننا».
بقى شهيدان آخران لم نستطع الوصول إليهما وهما خيرى رمضان عبدالعليم (24 سنة)، ويقطن فى مساكن (الجمهورية 2)، بلوك 90، والشهيد، مصطفى سعيد محمد (21 سنة)، ويسكن فى مساكن (أطلس 3).. فسلام على روحيهما الطاهرتين و أرواح بقية الشهداء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.