"كلنا خائفون، مهددون بالقتل وحياتنا في خطر".. تُعد هذه الكلمات الأكثر تعبيراً عن أحوال الأقليات في باكستان وفي معظم الدول، حيث تعاني من مشكلات كثيرة وبخاصة في المجتمع الباكستاني الذي يتواجد به عددٌ كبير من الأقليات التي تختلف في التوجهات والمعتقدات عن بعضها البعض، وهو ما أدى إلى ظهور ما يعرف بالجماعات المتشددة التي باتت هي الأخرى قنبلة موقوتة تهدد بمصير الأقليات في باكستان بل تلعب دوراً أساسياً في زيادة التطرف الديني. وهذا ما يجعلنا نسلط الضوء مجدداً على تلك الظاهرة والنظر إلى التطرف الديني في باكستان، وماهية الأقليات، والحلول المقترحة لحل الأزمة؟
ولأن لكل شيء سبباً ولكل ظاهرة مفهوم أيضاً ينبغي أن نعرفه حتى نستطيع التكيف مع معطياته بشكل علمي، يلزم التعرف على أبرز هذه المفاهيم للحكم بشكل جيد على أسباب التطرف والتعصب الديني.
وبالرغم من عدم وجود تعريف جامع ومانع وعلمي موحد لظاهرة الأقليات، إلا أن هذا المفهوم له أبعاد ثقافية وأيديولوجية ودينية، ومن خلالها تصنف الأقليات إما من حيث العدد أو من حيث اللغة أو العرق أو الدين ، وأخطر ما في تلك التصنيفات هو التصنيف الأخير الذي يعتمد في تفسيره ظاهرة العنف، ويطبق هذا التصنيف على الوضع في باكستان ويرتبط بمفهوم المجاوزة والغلو في الدين، بل والتصلب فيه والتشدد.
عوامل ومؤشرات: هناك عدة مؤشرات يجب أن نضعها في حساباتنا عند تقييمنا لظاهرة التعصب الديني، أحد هذه المؤشرات يتمثل في مدى تواجد واحترام الإطار الدستوري والقانوني للدولة وكيفية التعامل مع الأقلية ومدى نجاح الدولة في القضاء على العنف والتعصب، وبالإشارة إلى هذا المؤشر في باكستان، نجد أن الدستور الباكستاني رغم أنه لا يفرق بين الإسلام والديانات الأخرى، إلا أن أبناء الأقليات الدينية يرون أن ظاهرة التعصب الديني تشهد ارتفاعاً ملحوظاً في باكستان، الأمر الذي يثير استغراب البعض من عدم التوافق بين مؤشر الدولة واستيعابها للأقليات، غير أننا نؤكد مرة أخرى أن احترام الدولة للدستور هو أحد أهم المعايير الأساسية في الحكم على الظاهرة.
وهناك عوامل أخرى بخلاف الإطار الدستوري، حيث تلعب البيئة الاجتماعية والثقافية دوراً مهماً، فعدم توزيع موارد الدولة بشكل عادل وعدم المساواة بين الأفراد، تعد ضمن مقدمات ظهور المجموعات الدينية المتشددة والتي بدورها تؤدي إلى تغذية ظاهرة التطرف الديني.
ضعف أمني : وأرجع البعض سبب تزايد العنف والتطرف إلى غياب سيادة دولة القانون، فكان وجود قانون مثير للجدل مثل "قانون التجديف" الذي تراه الأقليات الدينية بمثابة رخصة لاستهداف غير المسلمين في باكستان، من العوامل التي تساعد على وضع قضية الأقليات في خانة الاتهام بل وأصبحت تلك الأقليات الدينية في خطر.
وفسر عدد من الخبراء في شؤون الأقليات الدينية، هذا الخطر بأنه نتاج لفشل الحكومات في ضمان أمن وسلامة شريحة من المجتمع، حيث يمثل غياب الأمن أحد العوائق الكبيرة لهذه الدول وهو ما ظهر في عدم قدرة السلطات الباكستانية على تأمين الحماية للأقليات والطوائف الدينية المستهدفة وتكرار أعمال العنف بصورة مستمرة.
وخير دليل على الضعف الأمني هو تزايد أعمال العنف والتعصب الديني بصورة مستمرة في مناطق عدة بباكستان كمدينة كوجرا الواقعة في إقليم البنجاب، فقبل ثلاثة أعوام ونصف، أحرق محتجون ثمانية من أبناء الأقلية المسيحية ودمروا ما يزيد عن مئة منزل لمسيحيين بتهمة ازدراء الإسلام.
كما أرجع البعض العنف بشكل عام إلى الحركات الدينية المتشددة مثل حركة "لشكر جنغوي" و"حركة طالبان الباكستانية" بالإضافة إلى القاعدة والجماعات التكفيرية؛ لاعتماد هذه الجماعات على أفكار وأيديولوجيات ثابتة بشأن الآخر، ويعتبر عدم قبول الأطراف لبعضها البعض نتيجة تحجر الإيديولوجيات والأفكار من العوامل المسببة للعنف أيضاً، فضلاً عن عدم قدرة النظام السياسي الباكستاني على استيعاب تلك الأقليات بشكل سليم.
حلول واقتراحات: وأشار عدد من الباحثين والمحللين لقضية التعصب والتطرف الديني إلى عدد من الاقتراحات والتوصيات والتي من شأنها التخلص من التعصب والعنف، تتلخص هذا الاقتراحات في عدة نقاط من بينها:
أولاً: ما يتعلق بالجماعات المتشددة،و يجب القضاء على بوادرها من محاربة الجهل إلى زيادة التفقه في الدين عن طريق نشر العلم الصحيح بين أفراد المجتمع خاصة فيما يتعلق بقضايا الولاء والبراءة والتكفير.
وبالنسبة للدولة، يجب على الحاكم العمل على توزيع الموارد بين المواطنين بشكل عادل، تتمتع به الأغلبية الحاكمة والأقلية معاً، بل يجب على الدولة أن تنظّم وتعزز مشاركة الأقليات في النظام السياسي الباكستاني.
وفيما يتعلق بالأقليات نفسها فيجب عليها أن تحرص على التعاون مع الأغلبية ليس لكونها ضعيفة في مجتمع أكبر ولكن لكونها تعيش وتتعايش مع هذه الفئة.
ومن الضروري أيضاً أن تحرص الدولة على بناء مؤسساتها الأمنية وتدعيم دور جيشها الوطني كي يكون رادعاً لكل خارج عن النظام والقانون.
ونخلص من هذا كله إلى القول بأن العنف والتطرف ظاهرة سلبية، ولكن يمكن السيطرة عليها بقيام جميع الأطراف (دولة، قوى معارضة، ومجتمع مدني) بالتحاور مع بعضهم البعض بشأن معالجة القضية من الأساس؛ كي تتمكن الدولة والمجتمع من التخلص من آفة التعصب والتطرف الديني.