لست ضد التجارب ففيها دروس وعبر وهي إضافة إلي رصيد الخبرات يقول الإمام على رضى الله عنه (وفي التجارب علم مستأنف) ولكن الذي أعنيه في مقالي هذا هو لماذا الإصرار على إعتماد التجارب الخاطئة التى ثبت فشلها بل وتخلى عنها أصحابها ؟!
لماذا نجد من يتحدث عن النظام الاشتراكى وقد تخلى عنه أصحابه ولماذا نجد أيضاً من يعتمد النظام الرأسمالي وقد وضح للجميع بوادر انهياره ويدعو بعض أنصاره إلى دراسة النظرية الإقتصادية الإسلامية .
وفي الوقت الذى تمتلك فيه الأمة الإسلامية نظاماً فريداً يجمع بين الملكية العامة والملكية الخاصة ويوازن بينها ويحفظ حق الفقراء في أموال الأغنياء نجد أن القائمين على إدارة شئون الحكم لا يُسلٌمون للنظام الإسلامي بالصدارة وكأنهم يكرهون دينهم ويستبعدون تراثاً فقهياً كبيراً عالج الواقع وحسم المشكلات المماثلة.
ثم كيف يوجد من بيننا من يدعم النظام الربوي في البنوك وقد سمع قول الله تعالى (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) ، وقوله في شأن من لم يترك الربا (فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله) كيف له أن يأمن على نفسه و إقتصاد بلده بعد أن سمع هذا التحذير الشديد اللهجة؟!
وكيف بنا نرى أناساً يأكلون أموال شعوبهم بالباطل من خلال ضرائب لا أساس لها ويجمعون الأموال من مصادر محرٌمة شرعه وربنا سبحانه يقول (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
ورسولنا يحذر من ذلك بقوله [ كم لحم نبت من حرام فالنار أولى به ].
وكيف بنا نشاهد أصحاب المظالم يقفون على أبواب المحاكم يطالبون بحقوقهم الضائعة ولا يجدون من ينصفهم من المسئولين وسط عراقيل و ألاعيب قانونية فاسدة ورسولنا يقول [ أتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب ] إنه يمكن الصبر على صبى أو غلام لا ينتصح كي يقع في التجربة الخطأ ثم يعود أدراجه بعد أن يكتوى من مرارة الدرس ولكن حين ترى أن الخطأ يصدر من الحكومات ومؤسسات ويتكرر كل يوم فذلك أمر يتعدى على حق المجتمع بأسره وهو مالا يمكن الصبر عليه ...فعندما نشاهد انفتاحاً هائلاً أمام الحريات الشخصية تصل إلى تقليد تجربة المجتمع الغربي الفاشلة في سلوكياته حتي يصبح الشارع المصرى قطعة من أوربا لا ينكر فيه المنكر بل ويتستر المسؤلون فيه على أوجه الفساد فتلك مصيبة كبرى يبغضها الله تبارك وتعالى ( وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ) .
وفي المقابل نرى قيوداً تفرضها الحكومة تجاه التيار الإسلامي وتعوق حركته الرامية إلى الإصلاح على المستوى العقائدي والأخلاقي والإجتماعي والسياسي والإقتصادي الذي تحيا به الأمم و تتقدم به الشعوب فتلك طامة كبرى لأن فيه إعانة على تفشي أوجه الفساد في المجتمع و إفساح المجال له لينال من جذور ضارتنا الراسخة وتراثنا العريق ولن يدرك المسئولون خطورة ذلك الإ بعد وقوع الضرر العام .
لأن امتناع الحكام عن إقامة شرع الله تعالى ومعاقبة المتجاوزين بإقامة حد الله عليهم يؤذن بالعقوبة الإلهية التي تلحق بالجميع فهل إعتبر أولو الألباب والأبصار بما جرى في إعصار تسوماني الذي ضرب سواحل ثماني دول في لحظات وأغراق مئات الألوف وشرد ملايين أم أنهم توسعوا في إنشاء القرى السياحية ورفعوا عنها القيود كي يقُبل عليها السياح أفواجاً ليستمتعوا باوجه الحرام على سواحلها من أجل عائد مادي حرام يفسد ما إختلاط به من أموال الدولة !!
إن تكرار التجربة والخطأ يمكن أن يكون مقبولا من أناس لا منهج لها ولا مرجعية فهم يتخبطون هنا وهناك حتى يتبن لهم الحق بعد أن ترهقهم آثار التجارب ونتائجها السيئة إن أمتنا الإسلامية تمتلك النظام الرباني الفريد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلماذا نجرب أشياء محكوم عليها بالفشل ونسير في طريق معلوم أن نهايته مغلقة ؟!
إن من يفعل ذلك لا يحظى بتوفيق الله بل طمس الله على بصيرته ليتحقق فيه قول الحق جل وعلا { سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ } ، فالبدر البدار إلى المنهج الإسلامي الرشيد فهو نظام حياة كامل لمن أراد أن يختصر الطريق إلى الغاية ويأمن السبيل حتي النهاية فما من مسلم عاقل يختار بعد اختيار الله تعالى له قال جل شأنه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ).
وهنا يأتي دور العلماء والدعاة لتوعية الشعوب بالمخاطر المحدقة كي يتصرفوا بما ينقذ أنفسهم وأهليهم من عواقب الأجواء الفاسدة التي تملأ أركان البلاد وطرقاتها وتقتحم المباني والمنشآت إلى سكانها لتجهيز على ذخيرة الأمة .
إننا بحاجة إلى نهضة شاملة نتصدى فيها ككيان واحد نرفض كل أشكال التغريب الوافدة التي أهلكت أصحابها ونتمسك بما أقرته عقيدتنا وأجازته شريعتنا غير عابئين بما يصدر نحونا من نقد أو إستنكار دول أجنبية أو منظمات دولية لا تستوعب حقيقة ديننا بل وتختلف جذرياً معنا فهذا شأننا ندير حياتنا وفق منهجنا وليس بما يرضيهم لأن هؤلاء وأمثالهم لن يرضوا إلا أن نكون على ملتهم هذا محال فنحن نحب ديننا ونرضى بإسلامنا ولن نقبل بغيره بديلا ونقول لتلك التجارب الفاشلة وداعاً إلى غير رجعة فنحن أبرياء منك وممن يدعون إليك فطريقنا معروف لن نحيد عنه ولن نلتفت إلى غيره [قل هذه سبيلى أدعوا إلى الله على بصيرة أنا من اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين ] .
هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد
الآراء المنشورة في الموقع تعبر عن توجهات وآراء أصحابها فقط ، و لا تعبر بالضرورة عن الموقع أو القائمين عليه