راوية الصاوي : هناك لبس في هدف الاسلام من تحريم الربا, بل إن هناك لبسا أكبر في مفهوم الربا نفسه.. وهذا اللبس ليس وليد العصر الحاضر نتيجة تعدد مظاهر الربا, بل هو لبس قد نشأ منذ اللحظة الأولي التي انطلقت فيها الآيات القرآنية لتحريم الربا.. وهذا يتضح من قوله تعالي: الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهي فله ما سلف وأمره إلي الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون وتشرح الدكتورة خديجه النبراوي أستاذة الاقتصاد أن تحريم الربا يستلزم معرفة الفرق بين الدخل القومي والناتج القومي; فالدخل القومي: مجموع ما يحصل عليه الأفراد من دخول. والناتج القومي: مجموع ما ينتجه الشعب من سلع وخدمات. والفرق بينهما فرق شاسع يظهر من خلاله لماذا حرم الحكيم الخبير الربا وأحل البيع, وفي ذلك يقولe الذهب بالذهب مثلا بمثل, والفضة بالفضة مثلا بمثل, والتمر بالتمر مثلا بمثل, والبر بالبر مثلا بمثل, والملح بالملح مثلا بمثل, والشعير بالشعير مثلا بمثل, فمن زاد أو ازداد فقد أربي, بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد, وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد فالربا يؤدي إلي الزيادة في الدخل القومي, زيادة لا يصحبها زيادة في الناتج القومي الحقيقي, أي زيادة في النقود عن المعروض من السلع والخدمات وهذا يؤدي إلي التضخم وما يصحبه من ويلات تكلم عنها الاقتصاديون في جميع النظريات والمناهج فالكل لا ينكر أثر التضخم الرهيب علي الاقتصاد القومي في مجموعه.. ولذلك حرمته الشريعة. أما البيع وجميع أنواع الأنشطة الاقتصادية التي تؤدي إلي زيادة الناتج القومي من السلع والخدمات بدون أن يصاحبها ظلم أو غش أو خداع, فهي مطلوبة في الشريعة, ويثاب عليها الإنسان فكل جالب سلع لزيادة الناتج القومي فهو مرزوق من الله, وكل محتكر لأقوات الشعب بأي وسيلة وفي أي مجال, فهو ملعون من المولي عز وجل. ونحب أن نوضح نقطة أساسية تزيل اللبس في مفهوم الربا: فالربا بصفة عامة هو كل زيادة نقدية يمقتها الشرع وبالتالي فهو يشمل الأنشطة الاقتصادية بصفة عامة, بل يشمل طريقة الاستثمار في الاقتصاد القومي ككل والذين يقصرون الربا علي فوائد البنوك فقط يقعون في خطأ كبير, لأن البنوك ما هي إلا أداة من أدوات تنفيذ السياسة الاقتصادية في الأمة فالإسلام لا يرفض البنوك أو غيرها من الشركات, ولكنه يرفض النظام الذي يمكن أن يتبعه كل منهم في استثمار الأموال.. حيث يقرر الاسلام نظاما عاما يتلخص في قواعد أساسية هي:- ضرورة مشاركة العمل ورأس المال في العملية الإنتاجية فلا تقديس لرأس المال علي حساب العمل( وهو النظام الرأسمالي) ولا تقديس للعمل علي حساب رأس المال( وهو النظام الشيوعي).. بل وسط بين الاثنين. وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء علي الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ضرورة تحديد نصيب كل من الشريكين مسبقا في بداية أي مشرع إنتاجي سواء كان بين العميل والبنك, أو بين المساهمين في شركات المساهمة, أو بين الأفراد أو.. علي أن يتم هذا التحديد بنسبة من الربح وليس رأس المال كما هو السائد حاليا.. فإن تحديد نسبة من رأس المال هو الربا الذي يحرمه الاسلام لأن معناه حصول صاحب رأسي المال علي زيادة نقدية سواء دخل رأس ماله في مشروع إنتاجي أو لم يدخل, وساء حقق هذا المشروع ربحا أم خسر, وهذا يتناقض مع أساسيات الشرع أن الغنم بالغرم. تلك كانت نظرة سريعة جدا علي هدف الاسلام من تحريم الربا ومفهوم الربا.