في تقليد مُتّبع بكوريا، يقوم الطلاب في يوم المُعلم بغسل أرجل مُعلميهم، تقديراً لهم واحتراماً..!. صدقوني، في بداية الأمر ظننتُ أن الأمر دعابة، كوني أري المعلمين في وطني يُحذفون «بالشباشب» من كل جانب، فقلتُ في نفسي لابد من التحري عن أصل الحكاية!.
بحثتُ وتمنيتُ أن لا يكون موضوع «غسل أرجل المعلمين الكوريين» حقيقة، كي لا أصاب ب «النُّقطة» جراء الحالة المهينة التي تردى إليها المُعلم المصري مقارنة بمعلم كوريا أو اليابان، ولكن خابت الأمانيّ ووجدت عشرات الصور والمواقع تتحدث عن الأمر كما لو كان حدثاً طبيعياً، ولم يدر في خلد المواقع الميمونة أن تعقد مقارنة بين غسل المعلم على الطريقة الكورية، وغسل المعلم على الطريقة المصرية.
المُعلم عندنا يُغسل شتماً وسباً وركلاً، ثم يُجفف بتحقيق وعقوبة، ثم يُكوى بإيقاف عن العمل، أو بنقل تعسفي، أو بإلحاق إلى وظيفة مناظرة، إذا تجرأ يوماً وربى، أو تجسر يوماً ووجه، أو استأسد يوماً وعلّم.. هذا دور جهة الإدارة في الغسل، أما ولي فيأتي مهرولاً، ومتخطياً كل الحدود، ويقف فوق أعلى مكان، وبأعلى صوت يقول: «ابني متربي كويس» و«بنتي تعرف العيب» و«مش أنت يا صايع يا ضايع يا أبو تبشيرة اللي ه تعلمه أو ه تعلمها الأدب» و «على فكرة أنا اللي قلت له أو لها اعمل أو اعملي كل اللي نفسك فيه في المدرسة ومفيش حد ليه عندك حاجة»، ولن أتحدث عن ضرب المعلمين من قبل الأهالي داخل المدارس.. فاصل: يحدث هذا من قبل 90% من أولياء الأمور وهم يراجعون سلوكيات أولادهم في المدارس، وهو غسلٌ ولكن بطريقتنا الخاصة، فمن الذي هوى بالمعلمين إلى هذه الدرجة القبيحة؟!.
(1) المعلمون أنفسهم، يوم أن سعوا إلى المادة، فلم يوأدوا رسالتهم بضمير داخل فصل التعليم، ليجبروا الطالب وولي أمره على الدرس المخصوص، في البيوت، وفي المراكز، وفوق السطوح.. يوم أن مدّ المعلم يده إلى الطالب ليقبض منه المعلوم في نهاية كل شهر، انكسرت هيبته لدى الطالب وولي أمره ولدى المجتمع.
(2) المناهج ونظام الامتحانات واعتمادهما على طرق الحفظ والتفريغ، خلق مدرسة في الظل توازى المدرسة الرسمية، تسمى مدرسة الدروس الخصوصية، وهي وباء أضعف كثيراً من دور ومكانة المدرسة وكل من فيها.
(3) تراخي الوزارات المتعاقبة في وضع تعليمات انضباطية حاكمة لكل عناصر العملية التعليمية، ثم حساب جدواها التربوية والتعليمية بعد فترة، إذ تُرك الأمر للاجتهاد الشخصي لدرجة أن المخالفة الواحدة يُجازى صاحبها بعنف في مكان ما، ويحفظ التحقيق مع مرتكبها في مكان آخر، الأمر الذي أعطى الجميع الضوء الأخضر بالاستهتار والتلاعب بكل عناصر المنظومة.
(4) لم ندرك بعد بأن المنتج البشري الصحيح هو العمود الفقري لأية تنمية، فنستثمر في الصحراء ولا نستثمر في البشر، ونبني المصانع ولا نبني من يديرونها.. ولم نفهم بعد بأن المدرسة هي مصنع إنتاج أغلى ثروات الأمة، فاهتممنا ببيوت المال ودور جباية الأموال، واعتبرنا المدرسة وحدة خدمية حقيرة لا وزن لها ولا قيمة.
(5) لم أعرف وزارة للتعليم في العالم تتحكم فيها كل الوزارات إلا وزارة التعليم في مصر، ولم أعرف وزارة تُفرض متابعة عليها من كل الجهات إلا في وزارة التعليم في مصر، لدرجة أن أي موظف «بدبلوم» من مجلس مدينة يستطيع الدخول إلى أي إدارة أو مدرسة ومراجعة أعمالها، إذاً أين المكانة والرسالة؟!.
(6) إعلامنا الميمون الذي صور المُعلم في أقبح صورة وأذل هيئة، على المسرح، وفي السينما، والمسلسلات.. شخصية وصولية، ذات ثياب رثة، وهيئة فجة، وفقر مضجع.. كيف يُحترم المعلم بعد كل هذه المشاهد القميئة؟!..
ربما تكون هذه الأسباب وعشرات غيرها، هي ما أوجدت هذا البون الشاسع بينا المعلم الكوري أو الياباني وبين المعلم المصري، لأنها دول أيقنت أن النهضة تبدأ من التعليم، فرفعوا قدر المعلم معنوياً ومادياً، ولم يكتفوا فقط بإطلاق الشعارات الفارغة.