في إطار المقال الذي تم نشره في محيط يوم 22/12/2012 بعنوان «إهانة المُعلمين.. مهزلة مستمرة!» أقول: إن دور الأخصائي الاجتماعي والأخصائي النفسي في المدرسة أدق وأخطر من دور المعلم إذا مورس على نحوه الصحيح بعيداً عن التنظيم الورقي والعمل المكتبي الذي استهلك بريق هذا الدور في ترتيب السجلات وإعداد الفواتير، ترقباً لقدوم المتابعين والموجهين الذين لا ينظرون إلا في الأوراق المُنمقة دون سواها!. فحينما يتوارى دور التربية الاجتماعية والنفسية في الأدراج وفوق الرفوف بفعل الروتين المُخيف، ينهار من العملية التعليمية ركن هام لا يعوضه شيء آخر، إذ يغيب عن مؤسسة التعليم الرقيب التربوي الذي يرصد بدقة مشكلات الطلاب، الأخلاقية، والمادية، والعائلية، والنفسية، ثم يدرسها، ثم يحللها، ثم يطرح البدائل الملائمة لحلها بالتعاون مع إدارة المدرسة ومجلس الآباء والمعلمين.
نعم، غابت القرارات التربوية والمعالجات النفسية، وغابت آليات التفعيل والرقابة الميدانية على أعمال الأخصائي الاجتماعي والنفسي، فتفجرت حالات العنف، وسوء السلوك، والانحرافات العاطفية بين جدران الفصول الدراسية، فغاب عن المدرسة الجو التربوي اللازم لعملية التعليم والتعلم، وتحول الأمر إلى كر وفر وصياح وتشابك و معاكسات وشكاوى بين الطلاب من جهة، وبين المعلمين والطلاب من جهة أخرى، يتكرر هذا يومياً على مرأى ومسمع دون أن يتحرك للتربية الاجتماعية والنفسية طرفاً.
قديماً، كان الطالب المشاغب أو المنحرف أو سيء السلوك يتزلزل خوفاً حينما يعلم بقرار إحالته إلى الأخصائي الاجتماعي لأنه يدرك جيداً أن قراراً تربوياً سيتخذ في شأنه، إما باستدعاء ولي الأمر، أو استبعاده من المدرسة، أو فصله وتحويله إلى نوعيه أدنى من التعليم، حسب حجم المخالفة التي وقع فيها، ولذلك كان للمدرسة وللفصل وللمعلم جلال لدى الطالب، ترتب عليه التزام وانضباط في المظهر والمسلك والتعامل داخل حرم المدرسة، وعليه كانت حالات الخروج على النظام المدرسي نادرة وهينة، ومن ثم دارت عجلة الدراسة في المدارس على نحو يريح الجميع.
أما الآن، فحدث ولا حرج، إذ انحصر دور الأخصائي الاجتماعي والنفسي في التوقيع حضوراً وانصرافاً في السجل المخصص، واستقبال الضيوف والمتابعين بالمشروبات الساخنة والباردة حسب درجة حرارة الجو، و «تستيف» الأوراق، ولا علاقة لهما البتة بالعملية التعليمية، ولا تعاون بينهما مطلقاً من أجل إحداث شيء، ذلك لأن الرغبة في العمل قد ضمرت بفعل التراخي والكسل في المتابعة الميدانية والمساءلة من قبل مديري المدارس والسادة الموجهين على السواء.
أعلم جيداً أن مئات المذكرات المكتوبة من قبل المعلمين بشأن السلوكيات الرديئة للطلاب تموت في مكتب الأخصائي الاجتماعي، ذلك لأنها لا تسجل في سجل رسمي، وذلك لأن مدير المدرسة لا يتابع تنفيذها، وبالتالي فلا يهم الطالب أن يكتب المعلم فيه عشرات المذكرات وهو يعلم مقدماً مصيرها.. «سلة المهملات»، صحيح أن هنالك معلمون يتجنون على بعض الطلاب، لكن أين دور الأخصائي في البحث والتحقيق وتحري تطبيق الجوانب التربوية واتخاذ ما يلزم نحوها من إجراءات، وإحالة المشكلات المتعلقة بالجوانب النفسية إلى الأخصائي النفسي لمعالجتها؟.
أيها السادة.. نحن أمام ظاهرة فقدان المدارس لدورها التربوي والتقويمي بالغياب المتعمد لدور التربية الاجتماعية والنفسية بالمدارس، وهو ما ولد ظاهرة العنف في المدارس، وسوء السلوك بصوره التي لا تخطر على بال،.. فهل لكم من وقفة حازمة قبل فوات الأوان؟!.