لا علاقة لي بدوافع الجريمة التي وقعت في أحد مدارس محافظة الأقصر والتي أسفرت عن ذبح مدير المدرسة وموظف إداري ولا بأسبابها، فهناك جهات تحقيق وجمع أدلة تتولي هذا.. ولكني أتوقف عند مسألة خطيرة ستتوه غالباً في زحمة الكلام كالعادة وهي: أين تأمين المدارس الرسمية - وهي مؤسسات حكومية بها أكبر عدد من البشر - في وقت العمل الرسمي؟ وأين أولوية ذلك على جدول أعمال وزارة التربية والتعليم؟، بالقطع لا أحد من المسئولين في الوزارة يملك إجابة محددة!.
من المؤسف أن يكون في مصر شرطة للكهرباء، وشرطة للسياحة، وشرطة للمسطحات المائية.. الخ، ولا يوجد فيها شرطة للتعليم تؤَمِّن مدارسها التي تحتوي على بشر، والذين يُفترض أنهم أهم من أي عنصر مادي مهما بلغت قيمته، الأمر الذي جعل المدارس حرماً مُستباحاً لمن أراد أن يشتم أو يضرب وأخيراً من يذبح، ولا ندري ما هو الأخطر القادم في الطريق؟!.
من العسير أن تخترق مزرعة للدواجن لتذبح زوجاً من الدجاج، لكن من السهل جداً أن تمر من بوابة أية مدرسة في الجمهورية جهاراً نهاراً وتذبح زوجاً من البشر، لأن الدجاج له من يحميه، أما البشر فليس لهم في مدارسنا من يحميهم، لأنهم في الحقيقة أرخص من الدجاج!، وجريمة مدرسة الأقصر تبرهن على ذلك.
حزينٌ جداً لما آلت إليه أحوال مدارسنا، ليس لأني مُعلم، ولكن لأنها مصانع إنتاج الثروة البشرية لدينا وهي أعزُّ ما نملك، وفي كل المصانع التي تنتج سلعاً نحتاط ونؤمِّن ونهتم، إلا إذا تعلق الأمر بالمدارس لأنها تضم بشراً وتنتج بشراً، وكأننا نقول بلسان الحال بأن المُعلمين والإداريين والطلاب أرخص من أي سلعة تُباع وتُشترى، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
لو فهم الناس أن للمدارس هيبة وحماية ما جاء على ذهن مخلوق أن يجعلها أماكن لتصفية الحسابات وارتكاب الجرائم وإراقة الدماء، ولكن لأن المجتمع سَفَّهَ شأنها وحَطَّ من قدر العاملين بها، ولأن الوزراء الذين مروا على وزارة التربية والتعليم أمَّنوا أماكنهم فقط في ديوان الوزارة لأن فيه تقع مكاتبهم، فلا مانع إذن لدى كل موتور ومجنون ومجرم أن يفعل في مدارسنا ما يشاء.
كنتُ آمل من السيد الوزير أن يذكر في تقرير انجازاته خلال الخمسة شهور الماضية الذي عرضه على السيد رئيس الجمهورية شيئاً عن تأمين المدارس وحمايتها من السرقات والتعديات عبر خطة أو برتوكول تعاون مع وزارة الداخلية، خاصة وأن الوزارة بها إدارة مركزية للأمن، ولكن شيئاً من ذلك لم يُقدم أو يُذكر.
إن العين لتدمع، وإن القلب ليتحسر على حال مدارس مصر، خاصة الحكومية منها، ويقيني أن الحسرة والندامة لن تصل إلى المسئولين في القريب العاجل، لأنهم بعيدون كل البعد عن الواقع والحقيقة!.