للأسف.. إنَّ كل من تصدى لمسئولية إدارة وزارة التربية والتعليم منذ ما يقرب من ثلاثين سنة وحتى الآن، نظر إلى مشكلات المعلمين من زاوية واحدة فقط، وهي: هل تسمح الموازنة بتلبية احتياجاتهم المادية أم لا؟، وفي كل مرة تكون الإجابة بلا، وإنْ تساقط بعض الفتات الذي لا يُسمن ولا يُغني من جوع، في الوقت الذي تسمح فيه الموازنة بإنفاق الملايين على كتائب المستشارين وأصحاب النفوذ، علاوة على مظاهر البذخ في المؤتمرات والمنتديات وخلافه. إذن، فعدم النظرة إلى إصلاح أحوال المعلمين بالعمق الاستراتيجي والمسئولية الوطنية هو دَفْعٌ غير مباشر نحو حالة الفوضى المُنتشرة بالمدارس تحت مرأى ومسمع، ولن تؤتي التهديدات أو التعليمات أكلها، لأن الأمر أكبر وأعقد من أن يتم ضبطه بتليفون أو بنشرة ذات رقم وتاريخ، يُوقَّعُ عليها بالعلم شكلاً ولا يُنفذ من بنودها حرفاً، ذلك لأن قضية المعلمين في مصر تتعلق ببناء الرضا عن أحوالهم وأوضاعهم أولاً، عبر اتخاذ إجراءات مادية ومهنية ملموسة ومحسوسة، ليترتب على ذلك الرضا راحة وإنتاجاً وإبداعاً، وإلا فلا!.
إنّ تدني رواتب المعلمين، ثم زمجرتهم، ثم إحباطهم، ثم عدم انضباطهم في أداء أدوارهم، إما تدريساً أو توجيهاً أو متابعة، هو ما يتمنى حيتان الدروس الخصوصية بقاءه، لأنه البيئة الملائمة ليمارسوا نشاطهم الذي يُدِرُّ عليهم آلاف الجنيهات كل شهر، ولتذهب المدرسة بكل عناصرها إلى الجحيم، وهو ما كرَّست له طريقة إدارة أحوال المعلمين على مدار عقود، بالتراخي الواضح والوعود الزائفة والرؤية الضحلة.
كنتُ أتوقع من وزراء ما بعد ثورة 25 يناير محاصرة حالة عدم الرضا التي انتابت المعلمين على مدار عقود تحَسُّراً عن أحوالهم المادية والمهنية المتردية، بإتباع طرق مختلفة في التناول والعلاج لدرء الحجج التي يتسلل منها المعلمون نحو حتمية التعاطي مع الدروس الخصوصية في ظل غول للأسعار لا يرحم، ولكن طاش ظني إذ رأيتُ السادة المسئولين يمضون على ذات الطريقة القديمة تصريحاً وتلميحاً ومعالجة، بما يوحي بأن حالة الانضباط والإقلاع عن الدروس الخصوصية لن تختفي في القريب، ولن يصلح معها قانون ولا عقاب، لأن المعلمين لن يعدموا الطرق التحايلية للاستمرار في الدروس الخصوصية بلا أدني مسئولية، لأن المعلم ضمير، والإجراءات الراهنة تجعل أغلب المعلمين بلا ضمير!.
لا يجب أن نتحدث عن الرسالة السامية للمعلمين في ظل جو مشحون بعدم المساواة، ففي الوقت الذي تضاعفت فيه أجور العاملين في وزارت وهيئات أخري كالداخلية والعدل والجامعات، ناهيك عن فئة المحظوظين في الوزارات والهيئات البترولية والمالية والبنكية، لم نجد زيادة تشفي الغليل في رواتب المعلمين، رغم أن مطالبهم قديمة ومكررة ومحفوظة، فلماذا التفرقة أيها الأفاضل؟!.
يقولون بأن وزارة التعليم خدمية غير منتجة، أي لا تدر دخلاً على الاقتصاد المصري.. وهو تبرير جاهل لا يصدر إلا عن عقول سقيمة لا تعلم أن المنتج البشري هو أثمن ما ينتجه الوطن، وأن الثروة البشرية هي رصيد الأمة وحاضرها ومستقبلها، وأن المَعَني بإنتاج عقول وفكر ووجدان أولاد مصر، هم المعلمون، فكيف لا يكونوا منتجين؟، وكيف لا يكونوا مساهمين بنصيب الأسد في بناء هذا الوطن؟، وكيف لا يكون رأس مال مصر حصيلة علمهم وعملهم؟،.. أقول لن يتغير شيء في منظومة التعليم ما دمنا نتبنى هذه المبررات البالية.
إنَّ دولة كألمانيا - وما أدراك ما ألمانيا - طالب (القضاة) فيها بمساواة رواتبهم برواتب المعلمين، فخرجت لهم المستشارة الألمانية ميركل قائلة «كيف أساويكم بمن علموكم؟!» أو هكذا قالت.. فهل أدركتم الفارق أيها السادة؟!.