استبشرنا خيراً حين قرر مجلس الشعب الفائت تعديل نظام الثانوية العامة لتصبح عاماً بدلاً من عامين ويصبح الصف الثاني الثانوي سنة نقل كما كان الحال قبل اختراعات د. حسين كامل بهاء الدين التي دمرت التعليم في مصر، لكن الاستبشار لم يدم طويلاً بعد أن أصدر أ. جمال العربي - الوزير السابق - القرارين الوزاريين 273 و 274 بتاريخ 27/6/2012 بشأن تحديد نظام الدراسة بالصفين الأول والثاني الثانوي على التوالي، إذ أضاف القراران لوغاريتمات جديدة للسلسلة الميمونة التي كبلت وتكبل التعليم في مصر. الأول: أن القرارين لم يصلا رسمياً حتى كتابة هذه السطور إلى المدارس وبالتالي لا يعرف مديرو المدارس والمعلمون عنها شيئاً، رغم أن الدراسة ستبدأ بالمدارس 15 سبتمبر الجاري!.
الثاني: أن القرارين تضمنا تسعة مواد جديدة للأنشطة بواقع حصتين لكل نشاط في الأسبوع، ولم يتحدد في نص القرار من سيقوم بتدريس هذه المواد، وإن كان اسم المادة قد كشف عمن من يدرسها كالصحافة والمسرح، إلا أن هنالك مواد كالإبداع العلمي لم يُعرف لها معلم حتى الآن!.
الثالث: تخلقت مادة جديدة للتربية المهنية على الصف الثاني الثانوي اسمها "تكنولوجيا إدارة الأعمال والمشروعات" ولم يُعرف لها معلم حتى الآن!.
الرابع: لم تصل أي خطة لأي منهج دراسي إلى المدارس حتى تاريخه!.
الخامس: لم يتفضل أي مسئول بإرسال أي تفسير للمدارس بشأن القرارين المذكورين!.
السابع: الدراسة ستمتد إلى ما بعد الثالثة عصراً بسبب القرارين.. فهل فكّرت الوزارة في حجم الإرهاق الذي سيصيب المعلم والطالب على السواء، وهل ستتفضل الوزارة بصرف وجبة للطلاب الذين سيبدأون دراستهم من السابعة والنصف وحتى الثالثة والربع.. أي سيأتون بلا إفطار ولن يتمكنوا من تناول الغذاء في موعده.. ناهيكم عن المعلمين فلهم الله..!.
إذن.. كيف تبدأ المدارس عملها في ظل قواعد جديدة لم تُعرف ولم تُشرح، ولم يُدرب عليها أحد، والعام الدراسي يوشك أن يبدأ لتبدأ محاسبة المدارس على شيء لم يعرفوه ولم يفهموه للتغطية على تقصير الماكثين تحت هواء المكيفات؟!.
متى سنصل يوماً إلى المحطة قبل تحرك القطار لنتجنب الارتباك والتخبط والكوارث ونحن نتعامل مع ثروة مصر الحقيقة وكنزها الاستراتيجي.. مع أبنائها الذين يمثلون مستقبلها وأملها في غدٍ أفضل؟!.
إنَّ في الوزارة والمديريات والإدارات جيوشاً من الموجهين ومديرو الإدارات ومديرو المراحل ورؤساء أقسام لا يتحركون قدر قيد أنملة إلا إذا وصلتهم تعليمات بريدية برقم صادر ووارد وتاريخ وعشرين توقيع، لأنهم تعودوا على ذلك عبر عقود مضت، ولا يعنيهم أن يبث موقع الوزارة (بوابة المعرفة - القرارات الوزارية) هذه القرارات أو غيرها، وبالتالي فالحركة متوقفة انتظاراً لهطول التعليمات من سماء الوزارة لتبدأ بعدها رحلة الهرولة والدربكة و"التلصيم" و"تستيف" الأوراق.
بقي أن أقول لأهل القرار في الوزارة.. آن الأوان لتحرروا قراراتكم من عقال اللوغاريتمات والألغاز المعتمدة لتظل كافة الخيوط المالية والإدارية في أيديكم ولو كان ذلك على حساب الصالح العام.. آن أن تكون اللامركزية واقعاً لا شعاراً، فالمرحلة لا تتحمل ترف الشعارات الجوفاء الهشة.. ضعوا سياسات التعليم العامة، وضعوا في المديريات والإدارات جيلاً شجاعاً قادراً على المبادأة والمبادرة واتخاذ القرار، فلا أمل فيمن يسري الروتين في عظامهم ودمائهم.