على قناة الحياة أول أمس وأنا أتابع اللقاء الذي أجرته القناة مع وزير التربية والتعليم، سمعت أن وزير المالية السابق وافق بعد اقتناع على إخراج مكافأة امتحانات النقل من حساب حوافز المعلمين، أما وزير المالية الحالي فقد رفض لأن الموازنة لا تسمح..!. أي أن الأمر محكوم إذن بالرؤية الشخصية أو المزاجية لهذا الوزير أو ذاك، وبالتالي فلا وجود لسياسة مالية واقتصادية ثابتة لا تتغير بتغير الأشخاص، وكأننا لم نستوعب دروس الماضي، فآثرنا السير على نفس الطريق المحفوف بالعشوائية، والقرارات الفردية، والحلول الوقتية.
ثم الغريب في الأمر أن يُتذكر عجز الموازنة حين الحديث عن تحسين أوضاع المعلمين المالية دون سواهم، وإلا فلماذا تبتسم الموازنة ابتسامة الرضا أمام موظفي المالية، والضرائب والجمارك، والعدل، والبترول، والكهرباء، والبنوك... الخ، ولا نري منها تلك التكشيرة العجيبة التي تبديها للمعلمين كلما طالبوا - عن حق - بتحسين أوضاعهم المادية
إننا أمام تمييز فج لا يستقيم إطلاقاً مع ما نادت به الثورة من عدالة في توزيع الدخول بما يضمن للجميع حياة كريمة.. إننا أمام انحياز لفئات من الموظفين تقدر مرتبات أحدثهم بأضعاف ما يحصل عليه أقدم المعلمين دون سبب مقنع إلا ما يُساق بلهجة التجار بأن التربية والتعليم وزارة غير مُدرة للأموال على خزينة الدولة، فهي وزارة خدمية تستهلك ولا تنتج، وتأخذ ولا تعطي.. على هذا النحو الأعوج تأتي التبريرات من هنا وهناك، ليقف المعلم عن عمدٍ « محلك سر »!.
المعلمون في كل دول العالم المتقدم يأتون دائماً في المقدمة، إذ يُعتبرون أمام حكوماتهم صنَّاع النهضة، لأنهم البناءون الحقيقيون لوسيلة النهضة وغايتها.. للإنسان.. أي أنهم ينتجون من ينتج، ويغرسون العلم في عقل من يغرس، ويبنون القيم في ضمير من يبني.. إذن فلا عجب أن يكون راتب المعلم في دولة كألمانيا متفوقاً على راتب المستشار في أي تخصص.. لماذا؟ ببساطة: لأنهم من علموا المستشارين، كما قالت ميركل « المستشارة الألمانية »!.
ليكن معلوماً لجميع السادة الاقتصاديين أن اقتصاد هذا الوطن لن ينهض إلا بنهضة التعليم، وأن التعليم لا ينهض إلا بنهضة المعلم، ذلك إن كان هنالك رؤية مستقبلية لنقل البلد إلى مصاف الدول الكبرى. [email protected]