إذا كان تقييم كل مؤسسة في الدولة مرهونٌ بجودة ما تنتجه للسوق، فإن وزارة التربية والتعليم وهي المنوطة بإنتاج البشر، خلقاً وعلماً، ستحتل - بلا شك - مكاناً بارزاً في ذيل القائمة. وبما أنَّ مصر بصدد عهد جديد، فإن الأمانة تقتضي المكاشفة والصراحة بلا مواربة ولا تَجَمُّل، خاصة إنْ تعلق الأمر بمستقبل البلد وثروته الحقيقية وذخيرته الحية.
من المُعترك أقول.. إنَّ فشل وزارة ومنظومة تربوية في إنتاج طالب يعتز بدينه، ويحترم أستاذه ومدرسته، بعد اثنتي عشرة سنة قضاها في فصول العلم والتربية، يَعدُّ كارثة مُدوية تَحلُّ بالوطن وتهدد أمنه القومي على المدى القريب والبعيد، إذ ليس في قاموس اللغة كلمة تُجسد المأساة أبلغ من كلمة كارثة، وهي فعلاً كارثة!.
إنَّ ما تلتقطه وسائل الإعلام، وهو قليلٌ من كثير، دليل قاطع على ظاهرة التردي الخلقي والفكري والسلوكي التي أصابت مجتمع الطلبة في مدارس مصر.. طلاب يدخنون السجائر والشيشة.. طلاب يتعاطون الأقراص المُخدرة.. طلاب يحملون المَطاوي والسنج.. طلاب يضربون الأساتذة ويحدثون بهم عاهات مستديمة.. طلاب يتفننون في ابتكار وسائل للغش في الامتحانات.. الخ، كل هذه مشاهد حقيقية ولا تتسم بالندرة - كما يصورها البعض - خاصة في مدراس الثانوي العام والتعليم الفني.
أي أن الخطب جَلل، والخطر مُحدق، ولكن التحرك من قبل المسئولين للتطويق والمعالجة يتسم بالانعدام في الحالات التي لا ترصدها الكاميرات ولا تذكرها الصحف، في حين يتسم بالمظهرية والبحث عن أكباش فداء في الحالات التي تفوح رائحتها في وسائل الإعلام، وكأننا أمام إهمال مُتعمد أو عجز مُتجسد يحول دون عودة الانضباط في فصول الدراسة وفي قاعات الامتحان.
إننا أمام فشل ذريع في إيجاد إجراءات رادعة للطلبة المنحرفين، وما يتداول على ألسنة النخبة في وسائل الإعلام ما هو إلا ترف تحلو ممارسته أمام الإضاءة المبهرة وفوق المقاعد الوثيرة، لتبقى المشكلة بلا حل لتتسع وتتمدد وتتشعب.. وإليكم هذا المثال وهو متداول في وسائل الإعلام وليس من اختراعي: أن يقوم طالب في أحد لجان امتحانات الثانوية العامة بالشرقية هذا العام بضرب الملاحظ بمطواة كانت في جيبه ليُحدثَ به عاهة مستديمة لأن الملاحظ تجرأ ومنعه من الغش.. يصل الأمر إلى النيابة عبر محضر وتقارير طيبة، بعدها يتدخل أولي الأمر، لا لدعم المعلم ”الغلبان“ ليحصل على حقه، ولكن للضغط عليه ليتنازل عنه، حفاظاً على مستقبل الطالب من الضياع، وليذهب حق المعلم وكرامته إلى الجحيم!.
نحن أمام سلوك مجتمعي يتبني سياسة الطبطبة على الطلبة المنحرفين في المدارس استناداً إلى مبررات لا أصل لها ولا سند، لا من دين ولا عرف ولا نظام، إلا ما يتم التشدق به حين نشرع في لي أعناق نصوص التربية لنمرر حالات انحراف الطلاب بلا مُحاسبة، ليستمر الجمر تحت الرماد متأججاً ينتظر الفرصة ليندلع من جديد بصورة أكثر ضراوة وفتكاً.
أزعم أن التعليم لو انضبط فلسوف تنضبط كافة المؤسسات تلقائياً في مدى عشر سنوات من الآن.. التخطيط لإنتاج عنصر بشري جيد من مدارسنا فريضة وضرورة قصوى تستلزمها المرحلة الراهنة، لو كنا نريد حقاً أن ننطلق إلى المستقبل ولا نتاجر في الوهم.