فنان تميز بألوانه الواضحة والصريحة التي تشبه ألوان الخيامية، وتحديده أشكاله بالخطوط العريضة، الفنان د. حسن عبد الفتاح، يعرض مجموعة كبيرة من أعماله الجديدة حاليا في قاعة "بيكاسو" بالزمالك. اللون الأزرق عنده مميز للغاية، وكذلك براعته في مصالحة الألوان الأساسية "الأحمر، الأزرق، الأصفر" على سطح اللوحة، فتلك المجموعة اللونية صعب نجدها في عمل فني واحد لصراحتها الشديدة إلا أن الفنان عبد الفتاح يجيد التعامل مع تلك الألوان واستخدامها بشدة واحدة في بعض أعماله، مما يجعلنا نميز لوحاته مهما اختلفت موضوعاتها من خلال اللون وأسلوبه المميز في تناول أعماله. والفنان حسن عبد الفتاح درس الفن في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرج منها عام 1964، حيث تتلمذ على يد الفنانين الكبار حسني البناني، أمين صبحي، عبد الهادي الجزار، حامد ندا، عز الدين حمودة، وتفوق فيها حتى أصبح أستاذا بالكلية. دراسته للفن لم تكن كلاسيكية تقريرية بل كانت دراسة واقعية حديثة. تميز بإتقانه الرسم والسرعة في الأداء، وتكثيف الرؤية، والتنوع سواء في الخطوط أو الألوان.
بعد تخرجه رسم العمارة العربية والفن الإسلامي، حيث كان يثيره دائما ذلك الحس الشرقي الذي غير الحركة الأوروبية من خلال رؤيتهم للشرق، كما رسم الجوامع والقاهرة القديمة، ودرس الفن الأوروبي المعاصر، فتكونت لدية حصيلة معرفية كبيرة نتجت من كل هذه الدراسات، والتي شاهدنا بعض من لوحات هذا المعرض تنتهج هذا الأسلوب.
عندما أخذ مرسمه في وكالة الغوري مر بمرحلة هامة من مراحله الفنية، تعد الأرض الصلبة التي ارتكز عليها وكونت رؤيته الفنية، من خلال دراسته لذلك العالم المتكامل، فهذه المنطقة لم تكن مجرد مكان به جمال في العمارة، بل تعد مكانا حيا بالأبنية القديمة والأشخاص جذبه ليتناول الحارة المصرية في عدد كبير من أعماله، وكانت تلك المرحلة هي المفضلة بالنسبة له، والتي عرض منها مجموعة من الأعمال في هذا المعرض، فنجده يرسم البيئة الشعبية بتفاصيلها متناولا مشاهد من الحياة اليومية، كالسيدات وهن يجلسن في شرفات منازلهن، وبياع "العرق سوس" في الشارع، واحتفالات الرقص والمراسم الشعبية التي تقام في الشارع ليخرج السكان إلى شرف منازلهم ويستمتعوا بالعرض.
الفنان عبد الفتاح احتوته أيضا مدينة الإسكندرية حيث كان يرسم البحر والمراكب وحي الأنفوشي، وقد ظل يصورها حوالي عشر سنوات، فالمراكب لم تكن مجرد منظر بل كان لها أبعاد ومفاهيم أخرى لديه، فالبحر هو الحيز الشاسع أمامه، كما أن المراكب التي ترسو على الشاطئ يراها رمزا للسلام، أما التي تبحر فتعتبر اكتشافا للمجهود وتغلب الإنسان على الفناء، وهذا هو مفهوم الفن، أي التغلب على العدم.
تميزت بعض أعماله بالخطوط السوداء التي تحوي زخارف إسلامية محاطة بالخط المصري القديم أو الشرقي، كما أن ألوانه الزاهية والصريحة تحمل دلالات ومفاهيم وأبعاد أخرى بعيدة عن كونها مجرد لون. والفنان لم يتقيد بأسلوب أو موضوع معين بل كانت أعماله متنوعة حيث كان دائما ضد أن يتقولب في رؤية واحدة واستسهال الأداء، فهو يفضل الاختلاف في كل لوحة، ويعمل بمنطق الإنجاز والدراسة للعمل الفني.
شارك الفنان حسن عبد الفتاح في ملتقى دولي برومانيا رسم خلاله المناظر الطبيعية هناك بإحساس مختلف عما كان يتناوله في مصر، وأبدع إنتاجا ضخما في تلك الفترة، كما سافر للعديد من البلدان الأخرى، منها اليمن التي اعتبرها أجمل بلدان العالم، فرسم بها الحدائق والجبال بمساطبها وأسوارها التي بنيت من الطوب والزلط موحية بقوة التحمل والصبر، وأمريكا التي رسم طبيعتها المذهلة، وسوريا، وتونس بأشجارها الضخمة، والأردن، وأوكرانيا بأماكنها التي تحمل تفردا خاصا، وروسيا والعديد من الدول العربية الأخرى التي أثرت عالمه الإبداعي ورؤيته الفنية.
من أهم إنجازاته أنه ساهم في إنشاء كلية الفنون الجميلة بالأقصر عام 1995 حيث كانت رابع كلية على مدى مائة عام من الفنون الجميلة في مصر، وعين أول عميد لها، تنقل في ذلك الوقت بين الأقصر وأسوان تلك المدينتان الرائعتان بما تحملانه من فن فرعوني قديم، وأنجز في تلك الفترة أعمالا كثيرة نتجت عن مشاهدته عظمة العمارة هناك والتصوير على الأعمدة وجدران المعابد وضخامة الأعمال الفنية؛ حيث تأثر بالخط الخارجي الأسود الممتلئ من الداخل بالألوان الذي كان يستخدمه الفنان المصري القديم في أعماله، معبرا عن الفاتح والقاتم من خلال الرسم البارز الذي يسقط عليه الضوء ليبدو مجسدا، لكن الرسم هو الأساس عنده الذي يحتفظ به، كما أن ألوان الفنان أيضا ظهرت واضحة تأثرا بالفن المصري القديم والإسلامي معا.
قال عنه كمال الجويلي شيخ النقاد : من خلال دراسته الأكاديمية بكلية الفنون الجميلة كانت التأثيرية المنهجية الممتزجة بلمحة تعبيرية هم البداية، لكنه حاول أن يكتشفها وأن يطلقها على سجيتها، من خلال اختيار البيئة الشعبية في القاهرة القديمة موضوعا للوحاته متوازية تماما مع الأجواء والبيئات التي صورها في ثلاثيته الخالدة نجيب محفوظ, لوحات تكتب الثلاثية من فنان تشكيلي توازي كلمات تصور أجواء الثلاثية وإحداثها وتلتقي بكلمات تلك المرحلة في أعمال الكاتب الكبير لنجيب محفوظ .
كما قال عنه الفنان د. محمد عرابي: يقدم حسن عبد الفتاح عبر مشواره الفني أسلوبا يتميز بنسق خاص في صياغة الشكل، يستمد روافده الفنية من فلسفات التصوير الحديث ومذاهبه خاصة التعبيرية والوحشية والتجريدية، بالإضافة إلي استلهام التصوير المصري القديم والإسلامي في معالجة المكان والعنصر الإنساني يبدو تكوينه دائما مفعماً بأعلى درجات الحركة بفعل حيوية الخط المتحررة من كل القيود الأكاديمية, وفي بعض أعماله رؤية خيالية مركبة تجمع بين منطق التأليف الخيالي والواقعي في آن, وهذا ما يضفي علي العمل الفني عنصر الدهشة الذي يأتي من الجميع بين المتناقضات في تكوين هذه الرؤية من الفكر السريالي والميتافيزيقي, وكان اللون والخط هما وسيلته لتحقيق قيمة جمالية أصيلة.