جلال الحسيني مهندس معماري تألق في مجال الهندسة, ولكن الرسم هو محبوبته منذ الطفولة, فهو يساهم في الحركة التشكيلية المصرية منذ عام 1967, حتى معرضه الأخير الذي أقامه بقاعة الفن التشكيلي بدار الأوبرا المصرية. محيط - رهام محمود بدأت رحلته الفنية عندما كان يدرس بالمرحلة الابتدائية في المدرسة, وذلك من خلال مدرس الرسم الذي كان يعاونه في اكتشاف موهبته, وعندما أنهى دراسته المدرسية لم يلتحق بكلية الفنون الجميلة ليدرس أكاديميا, بل ألتحق بكلية الهندسة ليدرس العمارة, ولكنه لم يترك الفن التشكيلي فهو كان يعلم نفسه بنفسه من خلال المداومة على ممارسة الرسم, وزيارة المعارض, والاحتكاك بالفن التشكيلي والفنانين وهذا ما عاونه وجعله فنانا كبيرا من أبرز فناني الألوان المائية في مصر. في 1967 استخدم الألوان الزيتية وكان أسلوبه تجريدي تعبيري, به نوع من الدراما, "وكانت تلك الفترة هي التي لم يتناول بها الطبيعة برؤيته الواقعية", تفرغ بعدها فترة للعمل المعماري وانقطع عن الرسم المداوم اليومي حوالي 25 عام, ثم عاد ثانيا في بداية التسعينات لكي يتفرغ للرسم ويمارسه بشكل أساسي محتكا بالطبيعة مباشرا. منذ التسعينات وهو يستخدم الألوان المائية حتى احترفها, فهو أحب تلك الخامة لأنه استخدمها سابقا كمعماري في إخراج الأعمال الهندسية وهذا ما جذبه أليها وجعله يتعلق بها منفردا بأسلوب مميز عن باقي فناني الألوان المائية, وهو أن أعماله يتضح بها دراسته المعمارية التي تضفي ثراءا تشكيليا على اللوحات ذات الشفافية العالية. يقول الفنان: "أنا أعمل بالألوان المائية منذ خمسة عشر عاما وتخصصت بها لأنني أعشق هذه الخامة, ومن يعمل بها يحبها, ولأني أيضا وجتها تعبر عن الموضوعات التي ارسمها, وهي الموضوعات النابعة من وحي الطبيعة, أول من أخذ بيدي وشجعني الناقد كمال الجويلي رئيس الجمعية المصرية للنقاد حينما شاهد إحدى معارضي الخاصة الذي أقمته بأتيلية القاهرة عام 1993". ضم المعرض نحو ثمانين لوحة مختارات من حصيلة أعمال الخمسة عشر عام الأخيرة للفنان حتى نهاية عام 2006, أعماله جاءت من وحي الواحات "الداخلة, الخارجة, البحيرة, الفرافرة, سيوه", سانت كاترين, سيناء وجبال سيناء, طابا, سقارة, أبو النمرس, أسوان. جلال الحسيني فنان يجول في الطبيعة منتظرا مشهد معين يجذبه لرسمه, ثم يتجه فورا لمرسمه الخاص لكي يمارس إبداعه, وأحيانا ما يرسم أسكتش صغير بالقلم الرصاص لتحديد فكرة أو تذكيرا لمنظر معين يسجله سريعا كالنخيل في لوحاته. اهتم في أعماله بنيل أسوان الذي تتساقط عليه أشرعة المراكب في شفافية عالية منعكسة علية, كما أنه رسم الجبال بألوان رقيقة تنبع من إحساسه الصادق, حيث ظهرت في بعض اللوحات باللون الموف الرومانسي, لتبرز جمالها وحيويتها وسط خضم الطبيعة. أما لوحات الموسيقى جعلتنا نتراقص مع صوت النغم الذي يخرج من إطار اللوحة ليهفو على آذننا من هارمونية اللون التي أنشأها الفنان, حيث تندمج ألوان الخلفية مع العازفين في تناغم لوني محكم. كما نرى دراسته المعمارية تنعكس على أعماله, ففي لوحة نشاهد فتاة تقف, أمامها بابا, برع الفنان في رسم تفاصيل زخارفه الحديدية, التي تصور مدى إتقانه في رسم خطوط شراعته المستقيمة. ولم يغفل الفنان التعبير عن الصحارى المصرية في أعماله, التي ظهرت رمالها الصفراء ناعمة, هادئة, وكأنه يترك فرشاة ترسم منسابة على اللوحة وهو يحلم مستغرقا في الخيال. كما رسم الفنان الحمامات البيضاء مندمجة ألوانها بالخلفية, وكأنها تخرج من التجمعات اللونية التي أنشأها. وفق الفنان في دمج دراسته بموهبته, حيث أننا نستشف من أعماله إنه فنانا لدية خبرة عالية في مجال الهندسة, نستشعرها بهمس خفيف على أسطح اللوحات, التي تميزت بالثراء اللوني, الذي ينبع من فنان مصري صادق. يقول عنه حسين بيكار: "سمعت أحد الزوار المثقفين يقول أمام أحدى لوحات جلال الحسيني, "أن هذا الفنان لا يرسم بالماء العادي الذي نشربه, بل يرسم بماء مقطر", وأنا أوافقه على قوله وأضيف, أنه يرسم بماء معطر بقطرات من الشعر والنغم. متابعتي للفنان تؤكد لي أنه يقفز نحو التفرد في هذا المضمار حتى صار أحد فرسانه المرموقين".