- وقد جسد الطبيعة فى تلك الواحة التى تفيض بقوة الحياة وعنفوانها .. واحة سيوة .. تلك الواحة الأسطورية التى تنساب بمنابع الجمال .. من المناطق التاريخية للعمارة الطينية التلقائية والتى تشتمل على ترديدات لحنية من الكوى والمنافذ والدروب وتتوهج بالأضواء والظلال .. عمارة تتماسك تحتضن بعضها البعض .. وهو يعيد صياغتها من جديد .. يضفى عليها لمسته بالألوان المائية .. تلك الخامة الصعبة من الألوان والتى تحتاج إلى من يروضها ويتمرس بها .. والتى تعطى بقدراته مساحات من النور والأشراق .. وإذا كان قد تعامل معها قلة قليلة من فنانينا أولهم الفنان التركى هدايت والمربى حبيب جورجى والفنانة الرائدة فاطمة رفعت وفنان اسيوط بخيت فراج .. إلا ان الفنان جلال الحسينى قدم لمسه وأضافة جديدة .. انطقها فتحدثت بالجمال .. واضاف إليها فأعطته بسخاء .. وقد صور سيوة فى مساحات ومسافات من الحنين والحنان .. مجسدا الكثبان الرملية بطابعها الذى يفيض بحيوية التناغم .. والنخيل الذى يعانق الأفق بتيجانه المروحية مع نساء الواحات بالملابس الصداحة التى تعد بمثابة لوحات داخل لوحات .. والتى تتوحد فيها أغطية الرأس فى وحدة واحدة مع الرمال .. وجلال الحسينى يجعل الطبيعة تشدو فى أغنيات بصرية من إيقاع نستشعر فيه حركة الهواء .. وهمس النسيم وحوار الرياح للكثبان .. وما أجمل أن يتضاءل الإنسان مع هذا البراح والاتساع الذى يمتد بلا حدود أو قيود بلا انتهاء .. تتعانق فيه الأرض مع الأفق . - وما أجمل أن تتوحد ملاحم البيوت بلمستها التلقائية التى تحنو مع حيوية الخضرة وعرائس سيوة فى سيمفونية تتعدد نغماتها اشبه بدرجات السلم الموسيقى بتلك الألوان التى تتصاعد بين الخفوت والهدير .. وبين الصخب والهدوء .. عالم تخف فيه كثافة الأشياء .. كل شئ يكاد يطير بجناحين بين النوم واليقظة والحلم والواقع والخيال الفنتازى وصور الحياة المعاشة .. ويبقى البحر فى أعمال الحسينى مساحة أخرى وقصيدة عذبة من المياة والأمواج وشفافية الزرقة . - ولا شك أن أجمل تعبير ينطبق على عالم فناننا جلال الحسينى ما قاله الفنان حسين بيكار داخل أحد معارضه : ` سمعت أحد الزوار المثقفين أمام إحدى لوحات الحسينى يقول .. أن هذا الفنان لا يرسم بالماء العادى الذى نشربه .. أنه يرسم بماء مقطر وأنا أوافقه على قوله وأضيف انه يرسم بماء معطر بقطرات من الشعر والنغم ومتابعتى له تؤكد ان يقفز نحو التفرد فى هذا المضمار حتى صار أحد فرسانه المرموقين ` . بقلم : صلاح بيصار مجلة حواء - 2010