احتفى المقهى الثقافي بالراحل أحمد لطفى السيد ضمن أنشطة "رموز مصرية"، وقدم اللقاء الذى شارك فيه المفكر محمد حافظ دياب، طلعت رضوان متحدثا عن الراحل الكبير الذي نشأ في أسرة مصرية من قرية السنبلاوين محافظة الدقهلية ورفع شعار "مصر للمصريين".. وقال: أحمد لطفى السيد المصري حتى النخاع والمؤمن بأن المصري الحقيقي هو الذي لا يعرف وطناً له إلا مصر .. كان يرى أن الوطنية المصرية الخالصة هي الأرضية التي لابد أن يقف عليها الجميع. وعن أخطائه التي وجد دياب بعضها فادحاً والتي كان أهمها - كما قال - ذهابه لإسرائيل حين ذهب للقدس عام 1923مندوباً عن مصر للاحتفال بافتتاح الجامعة العبرية تلك الواقعة التي حاول الكثير من المؤرخين التستر عليها أو تبريرها بأن دولة إسرائيل في ذلك الوقت لم تكن قد أُنشئت بعد .. ولكن دياب لا يجد هذا بالعذر الحقيقي حيث أن أول مستعمرة إسرائيلية بُنيت كانت في عام 1910 في نجع حمادي، والتي لولا ظروف الحرب العالمية الأولى لكانت قد بقيت حتى اليوم. هذا بخلاف جريدة "إسرائيل" اليومية التي كان يصدرها اليهود المصريين والتي كانت تتبنى الدعوة لعودة اليهود لوطنهم الرئيسي في فلسطين. أيضاً كان "أحمد لطفي السيد" من ضمن دعاة اللغة العربية الوسطى التي ليست بفصحى ولا عامية، تلك الحالة المصرية الخالصة التي كان يؤمن بها أحمد لطفي السيد المستلة والمنتزعة والمستقلة عن حاضنتها العربية. وقد أكد دياب أن لطفي السيد كان أستاذا للجيل وترجم أعمال أرسطو وأسس الجامعة المصرية .. وحكى دياب عن ذكرياته مع تاريخ الراحل فمنذ أربعين سنة ونيف كان في الخرطوم، وهناك التقى بشبيه "أحمد لطفي السيد" المرحوم الدكتور"جمال محمد أحمد" رئيس تحرير مجلة الخرطوم ووزير خارجية السودان حينها .. وجد دياب شبيهاً سودانياً له يماثله في كل شيء لولا الطربوش ذلك الرجل الذي قدم رسالة دكتوراة قيمة عن التجربة الليبرالية في مصر وكان أحمد لطفي السيد نموذجاً لها. أحمد لطفي السيد الذي كان أهم رموز الحركة الليبرالية في مصر في الفترة من أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين .. تلك الفترة التي ظهر بها تياران إصلاحيان على الساحة كان أولهما تيار الإصلاح الاسلامي الذي تبناه كل من جمال الدين الأفغاني، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده .. ذلك التيار الذي كان يؤمن بأهمية "الجامعة الإسلامية" و ضرورة انضمام مصر لها، ورغم هذا كان لديهم من السماحة التي تقبل بالتوفيق بين ما هوغربي وماهو إسلامي فكانوا لا يجدون غضاضة في قبول الكثير من المنجزات الغربية التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية مؤمنين بالعلم كطريق بعيداً عن الممارسات الفجة. ولكن هذا التيار بعد مغادرة الأفغاني وموت الكواكبي اُتخذ كذريعة لتوظيف الفكر الاسلامي لمقتضيات السياسية .. وأدى هذا الدور اللبناني المتمصر صاحب المنار الشيخ"محمد رشيد رضا" الذي استطاع أن يحول الفكرة الاسلامية التي أسس لها الثلاثة السالف ذكرهم لمقتضيات الإسلام السياسي أو الإسلام الحركي بمفهوم آخر فكان وراء ظهور ما يسمى بالجمعيات أو التنظيمات الإسلامية التي كان أولها وأشهرها جماعتي الشبان المسلمين والإخوان المسلمين .. وقال دياب: هذا هو باختصار تاريخ الحركة الإسلامية في مصر في العصر الحديث حيث بدأت بالإسلام الإصلاحي على يد الثلاثة الكبار ثم حركة التسييس على يد رشيد رضا ثم حسن البنا ثم سيد قطب ثم ما نحن فيه الآن. وعن التيار المقابل الذي كان أحمد لطفي السيد أحد رواده وهو التيار الليبرالي والذي كان يتبنى فكرة حتمية استقلال مصر عن تركيا. أضاف دياب: كان أغلب أتباع الحزب الليبرالي آنذاك من الفلاحين حيث نقل أحمد لطفي السيد فكرته البرجوازية المصرية التي اعتمدت على كبار الملاك المصريين. ويُحمد لأحمد لطفي السيد أنه أثناء مناقشة المناهج التعليمية التي من المقرر أن تُدرس في الجامعة أصر على أن تكون العلوم الانسانية ضمن المقررات.. أيضاً يُحسب له موقفه من عزل "طه حسين" من عمادة الجامعة المصرية. وعن مفرداته الفكرية كان للراحل مرحلتين فكريتين هامتين: المرحلة التي تسبق ثورة 1919 حيث كانت اهتمامته الفكرية فلسفية ونظرية إلى حد بعيد ثم جاء التغير بعد الثورة حيث بدأت اهتمامته تأخذ بعداً عمليا حركياً. في حين أكد المفكر الكبير أنه في حال تقييم أي شخصية تاريخية لا يمكن لمنصف أن يفعل هذا إلا بمقاربة الحاضنة السياسية للفترة التي عاصرتها هذه الشخصية، فالاكتفاء بالشخصية فقط وعزلها أو التعامل معها باستقلال بعيداً عن تجربتها التي عاشت بها وأثرت فيها وتأثرت بها هو ظلم كبير لا يمكن أن يرضى به أي باحث حقيقي. يُذكر أن الراحل لم يُخلف كتاباً واحداً .. فقط المقالات التي تركها تم جمعها فيما بعد تحت عنوان "تراث أحمد لطفي السيد" .. دارت كل أفكاره حول تمصير مصر، والديمقراطية الليبرالية التي استقى مرجعيتها من الثورة الفرنسية، والمنفعة المردودة في مرجعيتها للمدرسة الفلسفية النفعية التجريبية الإنجليزية، وأخيراً الحرية .. ومثل هذه الأفكار في مجموعها لا يمكن أن تؤهله لأن نتعامل معه في إطار صاحب الفلسفة أو الفيلسوف، ولكنه بكل الأحوال كان رائداً مصرياً وطنياً عظيماً نفخر جميعاً بانتمائه لنا.