تعيش العمالة المصرية في الأردن والتي يتجاوز عددها نصف مليون عامل حالة من الخوف نتيجة حملة أمنية متوقعة ستطال ألاف العمال المخالفين لقانون العمل الأردني، وذلك في ظل بوادر أزمة تسود بين البلدين بعد تراجع كمية الغاز المصري المصدر للأردن. يأتي هذا في ظل مؤشرات على أزمة دبلوماسية بين مصر تحت حكم الإخوان وبين المملكة على خلفية تراجع كميات الغاز المتفق عليها بين البلدين، إضافة إلى التناقض في الرؤية تجاه الأوضاع الإقليمية.
فقد أعلنت الأردن أن مصر خفضت بشكل مفاجئ السبت الماضي أي بعد ثلاثة أيام من إعلان نتائج الانتخابات الأردنية، كمية الغاز إلى ثلثي المعدل اليومي.
وكرد فعل على ذلك رفضت وزارة العمل الأردنية تصويب أوضاع العمالة المصرية المخالفة على خلفية تراجع كميات الغاز المتفق عليها بين البلدين إلى 100 مليون قدم مكعب يومياً من أصل 250 مليوناً.
رسائل احتجاجية
وبينما تستمر الاتصالات بين السفارة المصرية في عمان ووزارتي الداخلية والعمل لاحتواء الأزمة التي أربكت قطاعات اقتصادية أردنية لاسيما قطاع الإنشاءات، يبدو أن وتيرة توقيف العمال المصريين وترحيلهم لا تزال مستمرة حتى اليوم.
ويبدو أن الأردن ستستخدم العمالة المصرية في إرسال رسائل احتجاجية إلى القاهرة على ما تراه تراخيا مصريا في تدفق الغاز المصري إلى الأردن .
وربط مصدر أردني أمس الاثنين هذا الإجراء ب"عدم إيفاء مصر بالتزامها بحصة الغاز المصدرة إلى الأردن والتي تغطي 80% من احتياجات المملكة من الكهرباء".
وأشار المصدر إلى أن "مصر لم تورد الكمية المتفق عليها بين البلدين والبالغة 250 مليون قدم مكعب يومياً، إلا خلال زيارة رئيس الحكومة المصرية للعاصمة عمان في 20 كانون الأول / ديسمبر الماضي التي عقدت خلالها الدورة ال 23 للجنة العليا المشتركة بين البلدين، وأتفق خلالها على وفاء مصر بالبند الوارد بالاتفاقية الموقعة، مع تعويض الكميات التي انقطع الغاز فيها بسبب التفجيرات التي ضربت الخط الناقل والتي بلغت 15 تفجيرا منذ 5 شباط / فبراير الماضي".
وإمدادات الغاز المصري للأردن تشهد تذبذباً بفعل اعتداءات وقعت على الخط الناقل للغاز إلى المملكة والتي بلغت 15 مرة منذ 5 شباط / فبراير مما دفع الأردن إلى التحول إلى الديزل والوقود الثقيل وشراء الطاقة الكهربائية من خلال مشروع الربط العربي، ألأمر الذي وصل بالتوليد إلى مستويات عالية، وحمّل الحكومة الأردنية خسائر تراكمية تقدر بحوالي 5 ملايين دولار يومياً.
وكان ملك الأردن أظهر في وقت سابق عتباً شديداً على الرئيس المصري معتبراً أن "الأردن تضرر كثيراً نتيجة الانقطاع المتكرر للغاز المصري الذي كلف خزينة الدولة نحو 5 بلايين دينار أردني".
كفانا انقسام
يأتي ذلك في الوقت الذي أكد فيه رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبد الله النسور، متانة العلاقات المصرية - الأردنية فى مختلف المجالات، وأن هناك اتصالات مستمرة بين القيادتين في البلدين الشقيقين.
ونفى النسور، فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط مؤخرا، ما تردد عن اصطفاف مصر والأردن في محورين متضادين.
وقال، "نحن لسنا فى محور، ونعتقد أن العالم العربي يكفيه الانقسام إلى محاور"، مشيراً إلى أن هناك الآن "موضة جديدة" اسمها المحور السني العربي والمحور الشيعي العربي وهذا منتهى البؤس".
وأضاف النسور، "نحن لا نريد محاور.. وكفانا انقساما.. ودعونا نبحث عن الأشياء المشتركة التى بيننا". وأكد أن العلاقات المصرية - الأردنية على المستوى السياسي عادية وطبيعية وجيدة، لافتاً إلى أن هناك اتصالات مستمرة بين قيادتي البلدين الشقيقين وبين رئيسي الوزراء والوزراء فى القطاعات المختلفة، لكن إذا كان هناك قضايا اقتصادية وعقود تجارية بين البلدين فهذا أمر تجارى لا علاقة له بالسياسة.
وأشار إلى أن نظيره المصري الدكتور هشام قنديل أكد للملك عبد الله الثاني وله خلال زيارته الأخيرة للمملكة فى العشرين من شهر ديسمبر الماضي "أن مصر الشقيقة الكبرى هي أول من تحترم تعاقداتها.. وأول من تحترم كلمتها.. وأنه ليس في نية مصر أن تنقض الاتفاقات التي وعدت والتزمت بها".
تنظيمية وليست سياسية
وكان وزير الدولة لشئون الإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية سميح المعايطة قال ل"الجزيرة نت" :"إن قضية العمالة المصرية تنظيمية وليست سياسية".
وأضاف المعايطة أن الموضوع يتعلق بتنظيم سوق العمالة الوافدة التي تشهد فوضى نتيجة عدم امتلاك غالبية العمال للتصاريح الرسمية، ولكون معظم العمالة مصرية فإن التركيز عليها كان أكبر.
ولفت الوزير الأردني إلى أن الحكومة توجه رسائل إلى الداخل الأردني بأن الحكومة جادة في تنظيم السوق، وأن على الأردنيين الحلول مكان العمالة المخالفة من جهة، وإعادة تنظيم سوق العمالة الوافدة التي تسبب عدم تجديد تصاريحها بضياع مبالغ بالملايين على الخزينة العامة.
ورفض الوزير الربط بين قضية الغاز المصري والعمالة، وقال إن هناك انتظاما في تدفق الغاز المصري للأردن بشكل أفضل من السابق، رغم أن مصر رفعت سعر الغاز على الأردن بعد ثورة يناير بنسبة 120%.
حملة تسفير
وفي ديسمبر الماضي بدأت حملة واسعة النطاق لملاحقة العمالة المصرية المخالفة لشروط العمل والإقامة مما نتج عنها أضرار واسعة شملت الكثير من أصحاب العمل وخاصة في قطاع المقاولات والخدمات .
والإجراء قانوني ومطلوب من اجل ضبط تلك العمالة وتصويب أوضاعها لكن الكثير من اصحاب العمل يطالبون بعدم التسفير لتلك العمالة خاصة القادرة على تصويب أوضاعها القانونية والمالية ومنحهم فرصة لتلك الإجراءات وفي حال عدم تمكن تلك العمالة من تصويب وضعها عندها يتم اتخاذ قرار التسفير . وبعض أصحاب العمل توجهوا بنداء الى كل الجهات الامنية والرسمية بعدم خلق أزمة عمالة في الوقت الحرج وتعطيل المسار الانتاجي والخدمي من خلال عمليات التسفير الجماعي دون التحضير لوجود البديل .
كما رفض البعض أن تتحول قضية العمالة المصرية الى ورقة سياسية في العلاقة المصرية الاردنية خاصة وان الدولة الاردنية هي التي شجعت على ثقافة العيب لدى ابناء الوطن حتى أصبحوا غير قادرين على تقبل تلك الاعمال ولم تهيئ ابناء الوطن للقيام بالأعمال التي تقوم بها العمالة المصرية.
مهلة 60 يوماً
وفي أوائل يناير الحالي قرر مجلس الوزراء الأردني منح العمالة الوافدة من كافة الجنسيات ومن بينها العمالة المصرية وفي كافة مناطق المملكة فترة لتصويب أوضاعها مدتها 60 يوما . ووافق المجلس على أن يتم استيفاء رسم تصريح العمل الجديد، بالإضافة إلى رسم تصريح لسنة سابقة فقط بغض النظر عن المدة التي قضاها العامل في الأردن وأن تحسب رسوم السنة السابقة وفق المهنة المدونة في آخر تصريح عمل حصل عليه على أن تشمل فترة التصويب العمال الذين صدر بحقهم قرارات تسفير ولم تنفذ.
وناشد المستشار العمالي بالسفارة المصرية لدى الأردن صلاح عطيان، في تصريح لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط في عمان، جميع العمالة المصرية المخالفة في كافة أنحاء المملكة تصويب أوضاعها حتى لا تتعرض للعقوبات خاصة وأنه سيتم استيفاء رسم تصريح العمل الجديد عن سنة واحدة سابقة فقط ، متوقعا أن يتم تصويب عدد يتراوح ما بين 80-100 ألف عامل مصري خلال فترة التصويب.
وتشير تقديرات السلطات الأردنية إلى أن حجم العمالة المصرية في المملكة والمقدرة بحوالي نصف مليون عامل منهم 176 ألفا فقط يحملون تصاريح عمل والباقي يتواجدون على أراضي المملكة بشكل غير قانوني إلى جانب عدد آخر من العمالة الوافدة من جنسيات عربية وأجنبية مختلفة لا يحملون تصاريح عمل.
ولا يخفي سياسيون أن العلاقات الأردنية المصرية تمر على المستوى السياسي بفتور منذ سقوط نظام حسني مبارك واعتلاء جماعة الإخوان المسلمين سدة الحكم هناك، حيث لم يسجل حتى الآن أي لقاء على مستوى القمة بين الرئيس المصري والملك الأردني.