مر على قضية كشمير نحو 64 عامًا، ورغم ذلك مازال وضعها لم يراوح مكانه، فلم تتقدم القضية للأمام خطوة واحدة، وذلك لأن هناك من يعطل حل القضية، فلو ذهبنا بعيدًا عن جنوب آسيا إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتساءلنا: ماذا قدمت أمريكا لشريكها الباكستاني فيما يخص قضية كشمير؟
الجواب واضح حيث أعطت أمريكان ظهرها للجانب الباكستاني فيما يخص القضية الكشميرية، وفشلت في إقناع إسلام أباد بإعادة النظر في إستراتيجيتها العسكرية التي تقضي بنقل قواتها من الحدود الشرقية مع الهند إلى الحدود الغربية مع أفغانستان. ولو أنها نجحت في ذلك لأصبحت "طالبان" محصورة بين القوات الباكستانية والقوات الأمريكية والأطلسية.
وعندما مارست الإدارة الأمريكية الضغط السياسي والاقتصادي على حكومة إسلام آباد، ردّت القوات العسكرية الباكستانية بضغط عسكري معاكس، الأمر الذي حمل الإدارة الأميركية على اتهام المخابرات العسكرية الباكستانية بالتواطؤ مع "طالبان".
ومن حيث المبدأ، لا يستطيع الجيش الباكستاني أن يدير ظهره للهند طالما أن قضية كشمير من دون حل. فالهند تنشر في كشمير 800 ألف جندي.
وهو أمر تنظر إليه باكستان على أنه تهديدٌ مباشرٌ لها. فكيف تتساهل مع هذا التهديد وتدير ظهرها للجبهة التي شهدت ثلاث حروب منذ عام 1947 لتفتح جبهة جديدة ضد عدو داخلي وبالتعاون مع قوات أجنبية غير محببة داخليًّا؟
استخدمت الولاياتالمتحدة سلاح الضغط بتجميد المساعدات الاقتصادية أحياناً حتى عندما كانت الفيضانات تجتاح معظم أرجاء باكستان، وبوقف صفقات التسلح أحياناً أخرى.. وحتى التشهير بقدرة الدولة الباكستانية على ضبط السيطرة على سلاحها النووي. ولكن كل هذه الضغوط لم تثنِ الجيش الباكستاني عن موقفه الرافض للانسحاب من الجبهة مع الهند للتفرغ للجبهة مع أفغانستان.
وقد لعبت ثلاثة عوامل إضافية في تثبيت هذا الموقف:
العامل الأول هو اتساع نفوذ الهند في أفغانستان، حتى أنه يبدو أن هناك تحالفاً بينهما ترعاه الولاياتالمتحدة. وهو أمر يوحي لباكستان بأنها محاصرة من الشرق والغرب.
والعامل الثاني هو التصعيد العسكري الهندي في كشمير في محاولة لقمع "انتفاضة الحجارة" التي انطلقت هناك وأدت خلال الفترة من يوليو 2010 إلى سبتمبر 2010 إلى مقتل 110 من أبناء كشمير المسلمين وإصابة 1500 منهم بجراح.
كما أدت إلى اعتقال الآلاف الذين يتعرضون، حسب تقارير منظمة الصليب الأحمر الدولية، إلى سوء المعاملة.
أما العامل الثالث ولعله الأهم، فهو خضوع الإدارة الأمريكية للمطالب الهندية بربط التعاون الهندي- الأميركي (ضد الصين) بطي ملف قضية كشمير.
وكان أوباما قد تعهد بالعمل على تحقيق تسوية سياسية لهذه القضية. كما تعهد بأن يكلف الرئيس الأسبق كلينتون ليكون ممثله الشخصي في إيجاد التسوية اللازمة. إلا أن الهند التي تعتبر كشمير جزءاً منها، وغير قابل لأي تسوية، رفضت مبدأ التدخل الأمريكي السياسي، كما رفضت أن يكون كلينتون شخصيًّا مكلفاً بمهمة البحث عن التسوية.
واستجابة للمصالح الإستراتيجية العليا للولايات المتحدة في جنوب آسيا، فقد آثر أوباما الاستجابة لطلبات الهند بطي ملف مساعي التسوية في كشمير، من دون أن يتوقف عن ممارسة المزيد من الضغط على باكستان لمشاركته في الحرب على أفغانستان. بل لعل الاستجابة للطلبات الهندية استوجبت المزيد من الضغوط على باكستان.. مما أدى إلى التدهور الخطير في علاقات التعاون العسكري بين الجيش الباكستاني والقيادة العسكرية الأميركية.
وقد حاول المبعوث الرئاسي الأمريكي الراحل ريتشارد هولبروك حتى يوم دخوله إلى المستشفى - حيث فارق الحياة - وضع حد لهذا التدهور دون جدوى. فقيادة القوات الباكستانية لا تستطيع أن تبرر من حيث المبدأ التخلي عن المسلمين الكشميريين، والتوجه لمقاتلة مسلمين في باكستان، أو على الحدود مع أفغانستان، يقاتلون قوات أجنبية أمريكية وأطلسية!
كما تخشى هذه القيادة أيضاً من أن يؤدي ذلك إلى فرط عقد الجيش ليصبح وبالاً على نفسه، وعلى باكستان، بل على المنطقة كلها.
وتعيد هذه المخاوف إلى الأذهان ما حدث في العراق، عندما اتخذ الحاكم الأمريكي الأول "بريمر" قراره الأسوأ بحل الجيش العراقي وتسريح قياداته.. مما أدى إلى تشكيل خلايا داخلية مسلحة ومدربة على القتال لا تزال آثارها متواصلة حتى اليوم!
ومن أجل ذلك نصح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية "بروس رايدل" الإدارة الأمريكية بأن تسوية القضية الكشميرية تشكل المدخل الحقيقي للتسوية في أفغانستان. وفي الواقع فإن إدارة بوش حاولت ذلك عن طريق تشجيع نيودلهي وإسلام آباد على الحوار المباشر. وجرت في عامي 2006 و 2007 مباحثات مباشرة كادت تصل إلى تسوية لولا سقوط الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف في أغسطس 2008.
ومع سقوطه توقفت المباحثات، وعادت العلاقات بين الهند وباكستان إلى التوتر من جديد.. من دون أن تجدّد إدارة أوباما المبادرة الأمريكية. وكان من ثمرات ذلك وقوع الحادث الإرهابي في مدينة بومباي في شهر نوفمبر من عام 2009 الذي استدرج الدولتين الهند وباكستان إلى مشارف حرب جديدة.
والآن تحاول الولاياتالمتحدة استدراج "طالبان" إلى التسوية في أفغانستان لتأمين انسحاب أمريكي مشرّف خاصة بعد أن ضاقت دول حلف الأطلسي، ومنها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، ذرعاً باستمرار الحرب وباستمرار الاستنزاف البشري الذي تعاني منه قواتها.
وتخشى الولاياتالمتحدة من انسحاب تدريجي لقوات هذه الدول كما حدث في العراق، بحيث تتحمل وحدها عبء المسؤولية العسكرية التي لم تؤدِّ إلى أي نتيجة إيجابية حتى الآن. غير أن شروط "طالبان" بوجوب انسحاب جميع القوات الأجنبية مسبقاً قبل الدخول في المفاوضات، بدت للولايات المتحدة شروطاً تعجيزية. فواشنطن تخشى من عودة "طالبان" إلى السيطرة على أفغانستان، الأمر الذي يعني العودة إلى نقطة الصفر على رغم كل التضحيات البشرية والمادية التي قدمت حتى الآن.
ومن هنا يبدو أن المخرج العملي للتورط الأمريكي في أفغانستان هو المخرج الكشميري، إلا أن الهند تسد حتى الآن هذا المخرج. وتستعمل الهند ورقة الصراع الأميركي - الصيني المتصاعد وحاجة الولاياتالمتحدة إلى التحالف مع نيودلهي، لتثبيت سيطرتها على كشمير التي تحتل موقعاً جغرافيًّا استراتيجيًّا مهمًّا في المثلث الهندي- الصيني- الباكستاني.
وتطمح الهند في الوقت ذاته إلى أن تصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن الدولي. صحيح أن واشنطن هي القوة الرافعة التي قد تمكن الهند من تبوء هذا الموقع الدولي المهم، إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع الهند أن تحقق هذا الطموح الكبير وهي متهمة بانتهاك قرارات مجلس الأمن ذاته من القضية الكشميرية؟!
إن المنطق السياسي يقول إن الحل في كشمير هو البوابة للتسوية السياسية بين الهند وباكستان، وللتسوية الأمريكية في أفغانستان، ثم إنه البوابة الرئيسية لدخول الهند إلى العضوية الدائمة لمجلس الأمن الدولي. ولكن للهند وجهة نظر أخرى ومعاكسة!
هذا هو موقف من يحاولون الحل من خلال المفاوضات، وهو حل طال الحديث فيه دون الوصول إلى نقطة النهاية، لأنه هناك دائمًا من يُعطل الحل!
وعليه لم يبق أمام الكشميريين إلا الاستمرار في المقاومة والضغط على حكومة الهند حتى تخضع لطلباتهم، وإليكم هذه القصة:
النصر أو الشهادة في خمس لوحات من ولاية كشمير
(اللوحة الأولى)
في إحدى قري كشمير ذات الأغصان الوارفة, والجنة الغناء, وأشجار الفاكهة التي تبلغ 219 نوعًا, منها 111 نوعًا من التفاح و63 نوعًا من الكمثرى ونحو 31 نوعًا من البرقوق, ونحو 14 نوعًا من الكريز, والليمون الهندي, والجوز والخوخ, والمشمش, واللوز, والفستق والسفرجل والمانجو.
بين هذه الجنات ووسط زهور الورد والخزامى وشقائق النعمان, والنرجس والغرنوقي, والأرجوان والقرنفل, والزهور البيضاء والصفراء, والثالوث والياقوت واللوتس والسوسن والزعفران.. بين كل هذا الجمال - الذي وصفه جواهر لال نهرو بأنه مثل امرأة جميلة جمالاً غير عادي يتجاوز رغبة البشرية - نشأت الطفلة الجميلة جمالاً طبيعيًا "شكيرا" لأبوين مسلميٍن عاشا في كشمير عيشة صعبة .
رغم كل هذا الجمال الذي تتحلي به الولاية" إلا أن القوات الهندوسية التي بلغ قوامها في كل ربوع كشمير قرابة ال"800 ألف" جندي حولت هذه الجنان إلي سجن كبير يجمع أفراد الشعب الكشميري بين جنباته.
(اللوحة الثانية)
تعلمت "شكيرا" كيف تصلي وتقرأ القرآن, وحفظت ما تيسر من كتاب الله, ورغم أن عمرها لم يتجاوز العاشرة إلا أنها تعلمت بعض حوادث التاريخ من خلال أمها التي كانت تهدهدها وتحكي لها كيف دخل الإسلام بلادها وكيف أن الإسلام حوّل السيخ والبوذيين والهندوس من عبادة الآلهة والبقر إلي عبادة الله الواحد القهار.
وقصّت "أم شكيرا" علي ابنتها حكاية هذه الولاية (كشمير) مع الهندوس, وكيف زوّر الهنود التاريخ حتى يسيطروا علي الولاية, وكيف يتعامل الهندوس مع المسلمين بصورة بشعة تفوق تعامل الصهاينة مع الفلسطينيين.
وروت الأم لابنتها الصغيرة كيف يدمر الهنود كل شيء جميل في الولاية, وكيف يطارد الجنود أهالي كشمير لا لذنب إلا لأنهم مسلمون.
(اللوحة الثالثة)
وفي إحدى الليالي.. والأم تهدهد صغيرتها إذا بطارق يدق الباب دقًا شديدًا وكأنه يسعي لكسره, ولم ينتظر هذا القادم أحدًا يفتح له الباب: بل كسره ودخل جندي هندوسي حاملاً سلاحًا موجهًا إلي الأم التي ينخرط زوجها مع عناصر المقاومة ضد القوات الهندوسية المحتلة.
بادرها بالسؤال: أين زوجك?
قالت: لا أدري.
قال: كيف?
قالت: خرج منذ الصباح ولم يعد حتي الآن.
قال: أين تخبئين السلاح?
قالت: سلاح?
قال: نعم سلاح.
ولم ينتظر إجابات أخرى وقام بنكش أثاث البيت فأصبح كالعهن المنفوش. ولما لم يجد شيئًا أنطلق تاركًا "شكيرا" تعيش جوًا من الرعب قاربت على أن تألفه, حيث أصبح ذلك عاديًا أن يقوم الجيش الهندوسي المحتل بمثل هذه التجريدات.
(اللوحة الرابعة)
تعودت "شكيرا" علي مثل هذه المداهمات التي تقوم بها القوات الهندوسية, بل إنها تعايشت مع أمور أصعب من ذلك, فقد رأت أكثر من مرة جنديًا هندوسيًا يصوّب بندقيته إلي رأس طفل صغير فيرديه قتيلاً, وكم شاهدت معارك تدور بين المقاومين وبين القوات الهندوسية, وأمام هذا الذي يحدث في كشمير عزمت "شكيرا" أمرها علي أن يكون لها دور في هذا الصراع رغم سنوات عمرها القليلة التي تضعها بين الأطفال لا بين الأبطال.
واختارت "شكيرا" الأخيرة وعرفها كل المقاومين في قريتها" حيث كانت تبلغهم بتحرك القوات الهندوسية فيُغَيِّرون مواقعهم, وعملت معهم ك"دليل" يستطيعون من خلاله التحرك, كما أنهم قاموا بعدد من العمليات ضد القوات الهندوسية كانت "شكيرا" قد أمدتهم بمعلومات ساعدت علي نجاح تلك العمليات العسكرية.
(اللوحة الخامسة والأخيرة)
وفي يوم من الأيام كانت "شكيرا" تلعب أمام منزلها هي وبعض الصبية, أتي إلى بيتها بعض الجنود الهندوس بصحبة أحد الرجال المقنعين الذين يتعاونون مع قوات الاحتلال "عملاء» حيث يُدِلُّون الهندوس علي المتعاونين المجاهدين.
فلما رأتهم "شكيرا" ركضت مع طفلين كانا يلعبان معها, وظل الأطفال يركضون حتى وصلوا إلى جدول ماء وضعوا رؤوسهم فيه - كالنعام يضع رأسه في الرمال- إلا أن الأطفال كانوا يضعون رؤوسهم في الماء خوفًا من تصويب الرصاص الحي إلي رؤوسهم, وفي الوقت الذي أراد فيه الأطفال أخذ كمية من الأكسجين كانت لهم بنادق الهندوس بالمرصاد" ليسقط الطفلان صريعين, ويتم أسر "شكيرا" ويأمرها الجنود برفع يديها إلى أعلى بما يشير إلي الاستسلام.
ويبدأ الجنود معها تحقيقًا على هذا الوضع:
يسألها جندي: أين عناصر المقاومة?
شكيرا: لا أدري.
جندي ثان: من الذي أرشد عن الدورية المتجهة إلي القرية?
شكيرا: لست أعلم شيئًا عن هذه الأمور.
جندي ثالث: إذا لم تجيبي عن أسئلتنا سيكون مصيرك كمصير صاحبيك (يقصد الطفلين اللذين قُتلا قبل قليل).
شكيرا: لا دخل لي بالمقاومة ولا أعلم عنها شيئًا.
ولمَّا لمْ يجدْ الجنود إجابات شافية من شكيرا نسفوا وجهها بالرصاص، وشوّهوا جمجمتها الصغيرة؛ لتكون وقودًا للمقاومة، وتنال إحدى الحسنيين.
هذه ليست قصة سينمائية لكنها قصة حقيقية من قصص الجهاد في كشمير المسلمة التي تحتلها الهند.