في محاولة لتحديد العلاقة بين الأدب والسياسة والأدب والقضايا الأخري سنورد نموذجآ لأديب هو الأوضح في هذا السياق . كان الكاتب الروسي الشهير مكسيم جوركي يردد دائمآ مقولته الشهيرة ( جئت إلي العالم لكي اعترض ) مؤكدآ أن التسليم بالأمر الواقع محض ضعف ولا يمكن لأي رجل حقيقي يحمل جينات الثوار أن يخضع طوال الوقت لأحكام وأوضاع تتنافي مع المنطق وتتعارض مع الحرية التي فطر عليها البشر فالأنسان بطبيعته حر ولكن الأنظمة الحاكمة هي التي فرضت عليه القمع والأستبداد لتسيطر علي مقدراته وتسلبه إرادته ؛ ولأن الحرية هي أغلي ما لدي الأنسان فقد قدم من أجلها تضحيات كثيرة من الأموال والأنفس ولم يدخر وسعا في الدفاع عنها بكل ما يملك من طاقة ؛ لذا كان قدره أن يعيش شقيا محاصرا مطاردا مخيرا بين حريته وحياته. جوركي وهو الأديب الرقيق الفنان تم نفيه خارج موطنه وذاق الأهوال جراء الشعار الذي رفعه وأمن به فلم يعترف يوما بالفصل بين السياسة والأدب ؛ بل كان يري أن الأدب الجاد قوامه المضمون السياسي الهادف . فطالما يكتب الأديب فيما يشغل الناس فهو مصطدم بالسياسة والسياسيين لا محالة ومن ثم وفر علي نفسه الجدل في هذه القضية ومضي في طريقه يطرق أبواب الكتابة والسجن معا ولم يتخل عنه قلمه ولم تغلق أبواب المعتقل في وجهه. كتب مكسيم جوركي رواية ( نذير العاصفة ) فحل بفضلها شهورا ضيفا عزيزا علي الزنزانة ؛ وفي روايته الشهيرة ( الأم) إعتني كثيرا بالتراجيديا الإنسانية ودخل أغوار الواقع الفقير مشرحا وراصدا لأسباب الفقر والجريمة ؛ منحازا طوال الوقت للإنسان معتبرا إياه العنصر الأهم في البناء الكوني وهي القناعة التي وافقه عليها الكثير من القراء والنقاد ؛ وبفضل الثبات علي هذا المبدأ شكل الأديب الكبير قاعدة عريضة من الجمهور كانت حائط الصد في الدفاع عنه عندما تم إعتقاله ونفيه للمرة الثانية فقد أرغمت الجماهير الهادرة السلطات الروسية علي الأفراج عنه عندما خرجت المظاهرات من كل حدب وصوب تندد بالديكتاتورية وتطالب باطلاق صراحه قبل أن تغادر الملايين ميادين الأحتجاج . وأمام الضغوط المتزايدة زعنت السلطة المستبدة لرأي الأغلبية الكاسحة وتوج الأديب علي عرش السياسة والأدب كبطل من أبطال الفتوحات الكبري ومن يومها صار للأدب في روسيا جلالا ونفوذا ؛ وما اشبه الليلة بالبارحة مع إختلاف المحيطات والأجناس والظرف الأجتماعي . فها هي الحشود تصر علي إتمام ثورتها في مصر المحروسة من شرقها إلي غربها في محاولة مستميتة لتحقيق جميع المطالب المشروعة التي يريدها الشعب ؛ إذ لا عودة للوراء بعدما قفذت البلاد قفذة إلي الأمام وذاق الناس طعم الحرية التي صنعوها بأيديهم بعد أن طال أمد الأنتظار . وكما هو متوقع لم يتخلف المفكرون والأدباء عن ثورة بلادهم ووقفوا في صفوف المواجهه غير مبالين بالخطر يطوفون بحرم الميدان ويقطعون الأشواط السبعة بين مسجد عمر مكرم والمتحف المصري فالجهاد كما الحج فريضة علي من استطاع إليه سبيلا وتغيير المنكر فريضة إيضا تبدأ باليد وتنتهي بالقلب لمن لم يؤت القوة ليغير المنكر بيده ؛ وقد خرج الشعب عن بكرة ابيه في اليوم المشهود 25 يناير مدفوعا بوطنيته وملتزما بشريعته الفطرية في توزيع الأدوار والتخصصات والمواقع فمنذ اللحظات الأولي للثورة وقف الجميع علي قلب رجل واحد . هكذا جاء الرسم البياني في خريطة التوزيع النضالي بميدان الشرف جامعا مانعا بين كل الأطياف – سياسيون ومثقفون وفنانون ؛ لا فرق ولا تمييز فقد أذن في الناس بالحج فجاءوا من كل فج عميق يلبون نداء الوطن .