أشاد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض باستضافة العراق للمؤتمر للتضامن مع الأسرى العرب ووقوفه مع الشعب والأسري الفلسطينيين، داعيا في الوقت ذاته، بالإفراج عنهم. واعتبر فياض في كلمته أمام مؤتمر بغداد الدولي للتضامن مع الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي هذه المشاركة بأنها تمثل بالنسبة لهم وقفة تضامن إلى جانب الأسرى الفلسطينيين وحقهم في الحرية، وهي تحمل دلالات كبيرة، تتجاوز البعد الإنساني، وحتى القانوني، رغم ما لذلك من أهمية، لتعبر عن وقفة الضمير الإنساني الذي تمثله مؤسسات حقوق الانسان، وكافة القوى المحبة للعدل والسلام مع أسرى الحرية، وما تشكله قضيتهم من حالة اجماع وطني في ضمير كل فلسطينية وفلسطيني.
وينعقد هذا المؤتمر بعد أيام من قرار الجمعية العامة الأممالمتحدة برفع مكانة فلسطين إلى دولة بصفة مراقب، حيث يشكل هذا القرار ثمرة هامة وذات مغزى لنضال الشعب المتواصل منذ عقود من اجل نيل حقه الطبيعي في تقرير المصير، وانتصاراً لإرادته في إنجاز كافة حقوقه الوطنية، كما أنه يشكل انتصاراً من شعوب العالم لهذه الحقوق، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس على حدود عام 1967. واشار الي انه لا يخلو بيت على أرض دولة فلسطينالمحتلة لم يتعرض أحد أفراده للاعتقال من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي على مدار سنوات الاحتلال الطويلة والقاسية، حيث أن ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني وعربي تم اعتقالهم منذ عام 1967، منهم ما يقارب ثلاثة عشر ألف أسيرة، وحوالي 25 ألف طفل في انتهاك واضح لاتفاقية حماية الطفولة، الأمر الذي يجسد وحدة المعاناة في حكاية كفاح شعبنا، ويظهر في نفس الوقت الإرادة الجماعية لشعبنا في رفضه للاحتلال وإصراره على نيل الحرية والاستقلال. وتوجه فياض الي جميع الفلسطينيين المعتقلين في سجون الاحتلال قائلا "لستم وحدكم. فشعبكم يقف موحدا خلف قضيتكم، ولستم وحدكم في معركتكم من أجل الحرية". وتابع: أن المأساة الإنسانية التي يعيشها شعبنا في قطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس لا بل وخاصة في القدس، من جراء الاحتلال وإرهاب مستوطنيه، تستصرخ ضمائر كل أحرار العالم، للوقوف مع شعب فلسطين وحقه الطبيعي في الحياة والحرية والكرامة، ووقف ما يتعرض له من ظلم وطغيان، وتمكينه من الخلاص من هذا الاحتلال ومعاناته، بما يتطلبه ذلك أيضاً من ضرورة حشد الدعم الدولي للوقوف مع حق أسرانا في الحرية، والإقرار بحقوقهم ومكانتهم التي تؤكدها كافة المعاهدات والمواثيق الدولية، وفي مقدمتها اتفاقيتا جنيف الثالثة والرابعة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، بالإضافة إلى اتفاقية لاهاي، واتفاقية مناهضة التعذيب. واشار الي ان الجهد المبذول لحشد الدعم المطلوب يمثل جزءاً هاماً من إستراتيجية عمل منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسسات دولة فلسطين مع المجتمع الدولي من أجل إلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، وبقرارات الشرعية الدولية، فلم يعد بإمكان إسرائيل الاستمرار في القفز عن قواعد القانون الدولي وعن المكانة القانونية للأرض الفلسطينية كأرض محتلة، ولا الاستمرار في انتهاك المكانة القانونية للأسرى الفلسطينيين. واكد فياض ان فتوى "لاهاي" أكدت انطباق اتفاقية جنيف على الأرض الفلسطينيةالمحتلة، وبما يعني مسؤولية إسرائيل كقوة احتلال، الأمر الذي يشمل الأسرى الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها. كما أن قبول دولة فلسطين بصفة مراقب في الأممالمتحدة يعزز من المكانة القانونية للأسري الفلسطينيين، حيث أن ذلك يفتح الباب لتكون فلسطين واحدة من الدول الموقعة على اتفاقية جنيف، بكل ما يترتب على ذلك كله من حقوق، في مقدمتها حق الأسرى في الحرية، كما حق شعبنا في الخلاص من الاحتلال، وتقرير مصيره، وتجسيد سيادته في كنف دولة مستقلة وكاملة السيادة على كامل أرضنا المحتلة منذ عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف. وتابع: لقد شملت الاعتقالات أبناء وبنات الشعب الفلسطيني من كافة مدن وقرى ومخيمات الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، بالإضافة إلى أبناء أراضي 1948. وما يزال آلاف الأسرى حتى اليوم يقبعون في سجون الاحتلال، موزعين على أكثر من 23 سجنا ومعتقلا ومركز تحقيق وتوقيف، ويعيشون ظروفا قاسية جداً، ومعظم هذه السجون والمعتقلات تقع داخل إسرائيل، الأمر الذي يشكل بحد ذاته انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي واتفاقيات جنيف. وكشف فياض انه ما زال يقبع في سجون الاحتلال 4600 أسيراً، منهم 111 معتقلاً منذ ما قبل اتفاقية أوسلو، وأقلهم مضى على اعتقاله ما يزيد عن 19 عاما، وبعضهم أمضى أكثر من ربع قرن في سجون الاحتلال، هذا بالإضافة إلى الأطفال دون سن الثامنة عشر، والمرضى، حيث العديد منهم في حالة خطيرة، ويعانون من أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض الصعبة والمزمنة، ولا يتلقون العلاج المناسب. واشار الي إن استشهاد أكثر من 200 أسير بعد الاعتقال داخل السجون والمعتقلات بسبب الإهمال الطبي أو التعذيب أو القتل العمد، أو نتيجة استخدام الضرب المبرح أو الرصاص الحي، يؤكد ضرورة العمل على كشف أسباب وفاتهم، وإلزام إسرائيل بوضع حد لممارساتها القمعية واللاإنسانية ضد الأسرى، بما في ذلك السماح للجان طبية دولية مختصة ومحايدة لتولي مسئولية تقديم العلاج الفوري المناسب للمرضى منهم. وهنا فإنني أؤكد على ضرورة تفعيل قرارات الجامعة العربية، بتشكيل فريق مختص لتحديد المكانة القانونية للأسرى في المؤسسات الدولية، واستصدار قرارات دولية بتشكيل لجان تقصى حقائق، بما في ذلك تعيين مبعوث أممي لمتابعة قضية الأسرى في كافة المحافل. ودعا فياض القوى المؤثرة في المجتمع الدولي، وخاصة الأممالمتحدة، والمؤسسات الحقوقية، والمفوض السامي لحقوق الإنسان، إلى تحمل مسؤولياتهم السياسية والقانونية والأخلاقية، والتحرك الفوري والجاد لوضع حد لهذه المعاناة الإنسانية، وإلزام إسرائيل بقواعد القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ووقف كافة الممارسات غير الشرعية تجاه الأسرى، بما في ذلك إنقاذ حياة الأسرى المضربين عن الطعام، وعلى رأسهم أيمن الشراونة وسامر العيساوي. وحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن حياتهما هؤلاء المذكورين، داعيا المجتمع الدولي بكافة قواه المؤثرة للتدخل للافراج الفوري عنهما. وأوضح أن الصمود الأسطوري الذي يسجله أسرى الحرية رغم كل هذه الظروف اللانسانية إنما يعكس إرادة الشعب الفلسطيني وصموده وتشبثه بأرضه، مقدما لهم التحية، وداعيا إلى إطلاق سراحهم جميعا وبصورة فورية، وخاصة الأطفال والمرضى والأسيرات والأسرى القدامى وأعضاء المجلس التشريعي، كمقدمة لإطلاق سراح جميع الأسرى ودون تمييز أو شروط. وأكد فياض على موقف السلطة الثابت بأن إطلاق سراح الأسري هو الشرط والاختبار الحقيقي لمدى جدية إسرائيل في التوصل إلى حل دائم وعادل للصراع. ودعا الي الارتقاء بمستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق السلطة الفلسطينية، لأنه الأمر الذي يستدعي الإسراع في إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، واستنهاض طاقات الشعب في معركة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي التي قدم الأسرى حريتهم قرباناً لها. واكد رئيس الوزراء الفلسطيني ان السلطة نتقدم يومياً وتري الانجاز تلو الآخر لتعميق وترسيخ ركائز ومقومات دولة فلسطين المستقلة، وعلى قاعدة التكامل والمشاركة بين مؤسسات السلطة الوطنية ومكونات المجتمع، وفي إطار المسؤولية الشاملة لمنظمة التحرير الفلسطينية كمرجعية عليا للشعب ومؤسساته الرسمية والشعبية. وهذا حق للفلسطينيين، بل واجب عليه أيضا لإرساء دعائم الحكم الرشيد. واضاف ان الشعب الفلسطيني قد تنازلاً تاريخياً ومؤلماً في مبادرة السلام الفلسطينية عام 1988، تمثل في قبوله بدولة فلسطينية على 22% فقط من أرض فلسطين التاريخية، وعلى العالم أن يدرك أنه لا مجال لمزيد من التنازلات، وسيظل الشعب الفلسطيني وأسراه صامدين ومتمسكين بالسلام العادل والدائم الذي يضمن السيادة الكاملة على أرض الدولة الفلسطينية . وشدد فياض علي ان دولة فلسطين هي دولة مستقلة ذات سيادة، وعاصمتها القدس الشريف، وانه لا سلام مع الاحتلال ولا سلام بين سادة وعبيد، مضيفا انه لا سلام مع الاستيطان ولا سلام بين سجين وسجَّان. وكان فياض قد توجه في افتتاح كلمته بالتحية والتقديرللرئيس العراقي ورئيس القمة العربية جلال طالباني، وإلى دولة الأخ نور المالكي والحكومة العراقية والشعب العراقي الشقيق على استضافة ورعاية هذا المؤتمر الدولي الهام، كما توجه أيضاً بالشكر للأمين العام للجامعة العربية على القرار بالدعوة إلى تنظيمه من أجل تسليط الضوء على معاناة الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون ومعتقلات الاحتلال الإسرائيلي. كما أتوجه إلى جميع الوفود العربية والدولية بالشكر والتقدير باسم شعبنا الفلسطيني، وباسم الرئيس محمود عباس، على مشاركتكم في هذا المؤتمر. وجدد فياض شكره على المشاركة في هذا المؤتمر الدولي الهام، متمنياً بأن يخرج بتوجهات وقرارات تعجل بيوم الحرية للأسري الفلسطينيين. كما وجه إلى أسرى الحرية بأن يوم الحرية قريب، وأن حريتهم وكرامتهم هي جزء لا يتجزأ من حرية الوطن والشعب وكرامته. واختتم فياض حديثه قائلا "المجد للشهداء، والحرية للأسرى وعاش العراق وعشتم وعاشت فلسطين" .