مع ازدياد نيران الاشتباكات فى العديد من المحافظات السورية بدأ عشرات الآلاف من السوريين في النزوح من محافظاتهم الى دمشق فى محاولة منهم للهروب من النيران وبحثا عن الأمان خاصة مع تهدم البنية الأساسية في العديد من المدن وانقطاع المياه والتيار الكهربائى واختفاء الخبز والسلع الغذائية. وعن حركة النزوح الكبيرة، يقول أبو عمر 57 عاما إن الآلاف من النازحين الآن، يحاولون تجاوز خطوط النار، من ضواحي دمشق، للوصول إلى مناطق آمنة.. ويظهر الرجل نقمة وغضبا كبيرين على بعض أصحاب البيوت، وسماسرة العقارات، ومكاتب التأجير، لاستغلالهم الموقف.
ويقول .. هناك عائلات وصلت ليلا وافترشت الشوارع والأرصفة.. والمؤلم بحق هو وجود أبنية كثيرة معدة للإيجار، رفض أصحابها فتح أبوابها لأخوتهم النازحين، وطلبوا إيجارات وصلت إلى 50 ألف ليرة سورية في الشهر (750 دولارا أمريكيا) أو3000 ليرة سورية لليوم الواحد (نحو 50 دولارا أمريكيا) في بعض المناطق مثل جرمانا.
ويروى .. س.د 65 سنة ما حدث معه منذ فراره من مدينة دوما بريف دمشق حيث إشتدت الاشتباكات ففر مع زوجته وابنته .. فيما تفرق باقى ابناؤه الخمسة فمنهم من ذهب عند عائلة زوجته ومنهم من لجأ الى الاصدقاء .
ويكمل الرجل قائلا .. وصلت الى منطقة الصالحية بدمشق وتركت في مدينتى "دوما بريف دمشق" منزلي وكل متاعي لأفاجأ بأن صاحب المنزل الذى حضرت إليه عن طريق صديق مشترك يطلب مبلغ 30 ألف ليرة في الشهر حوالي 500 دولار في سكن بأحسن الأحوال لا يساوى أكثر من 10 آلاف ليرة .. لكنه قال أن الأمر عرض وطلب وهناك العشرات يريدون السكن، الذى يتكون من غرفتين صغيرتين ومطبخ وحمام بمساحة لا تتجاوز ال 70 مترا، وبالطبع لم يكن أمامي سوى القبول لان البديل هو أن أبقى مع زوجتي وإبنتى في الشارع.
المشكلة لم تتوقف عند مشكلة المأوى، إنما تعدت ذلك لتصل الى أعتاب أزمة إنسانية حقيقية، مع غياب الخدمات العامة، وتراكم النفايات في الشوارع، ونقص حاد في المواد الغذائية الأساسية .. ثمة من حمل مسئولية التخبط الذي يعيشه المدنيون وحالات نزوحهم إلى انتشار الشائعات بشكل كبير، حيث تزيد حجم الخوف لدى العامة، الذين فقدوا إيمانهم المطلق، بوسائل الإعلام جميعها.
ففي رأي عماد (45 عاما) أن الخوف وحده ما يدفع الناس إلى النزوح..ولا وجود لدور المنظمات الإنسانية على الأرض، لمساعدة وطمأنة المدنيين الذين أفرغوا بدورهم المحال التجارية من المواد الغذائية تحسبا لحرب حقيقية.
وتعتبر منطقة نهر عيشه من أفقر مناطق السكن العشوائي المحيطة بالعاصمة دمشق ..لكن الاشتباكات التي شهدتها الأحياء الفقيرة، أفرغ المنطقة من سكانها بشكل شبه كامل.
وسجلت العديد من حالات النزوح الجماعية، لمدنيين من مناطق ما زالت تشهد مواجهات مسلحة، مثل السيدة زينب، الميدان، الزاهرة، مخيم اليرموك، مخيم فلسطين وغيرها باتجاه مناطق أكثر أمنا، وإن كان أمانا وهدوءا نسبيا قد يتحول في أي لحظة إلى توتر ومواجهات مشابهة لتلك التي هربوا منها.
ويقول الشاب الفلسطينى م.ف 30 سنة إنه منذ حدث الاشتباك الرهيب فى منطقة المخيم بدمشق توزع الشباب على طرفي الطريق العام، حاملين ماء باردا وطعاما، لاستقبال النازحين، في مشهد مؤثر حقا. "مخيمنا تحول إلى مخيم" .. ويقول الشاب وهو من سكان مخيم خان الشيح، الواقع على بعد 35 كيلومترا جنوب العاصمة دمشق "سارع أهالي المخيم بشكل جماعي، إلى فتح وتنظيف المدارس المغلقة، لاستقبال العائلات التي نزحت من مخيم اليرموك، والسيدة زينب، هربا من الرصاص" .. يبدو الناشط الفلسطيني متأثرا جدا لما سمعه من أخبار مؤلمة، يتناقلها عدد من المدنيين النازحين، الذين ساعدهم لدى وصولهم إلى أرض المخيم.
في الطرف الآخر من العاصمة دمشق، استقبل أهالي منطقة ضاحية قدسيا النازحين من القابون، والتقدم، والقدم، والزاهرة، وغيرها، وتحولت المدارس إلى مكان تجمع للنازحين من مناطق التوتر، قبل أن تسارع الأسر السورية من سكان المنطقة إلى تقديم المساعدات المختلفة.
ويقول أحد سكان قدسيا 55 عاما الذي فتح منزله لاستقبال أسرة سورية نازحة حيث تقاسم معها زاده وماءه، والأمل بسلام وهدوء يعيد الحياة إلى ما كانت عليه سابقا.. "كان مشهدا مؤثرا بالفعل، ذكرني بلحظة وصول اللاجئين من الجنوب اللبناني أثناء حرب تموز - يوليو عام 2006، لكن هنا كانت العاطفة أقوى، والأجواء حميمية بشكل لا يمكن وصفه، فالنازحون اليوم هم سوريون.