تونس: ما زال التونسيون يذكرون إلى اليوم أحد الخطب التي ألقاها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة مؤسس الدولة الحديثة بعد الاستعمار الفرنسي في مطلع الستينيات من القرن الماضي عندما وقف خطيبا في قاعة البلمريوم بالعاصمة يدعو الناس إلي إفطار رمضان حتى يتمكنوا من القيام بأعباء الجهاد الأكبر وهو مقاومة التخلف. ولكن على الرغم من الكاريزما الكبرى التي كان يتمتع بها بورقيبة بين التونسيين آنذاك وعلى امتداد ثلاثين عاما من حكمه، فإن تلك الدعوة التي أطلقها لم تجد أي صدى جماعيا داخل المجتمع في تلك الفترة ولدى الأجيال اللاحقة، حتى في أحلك الفترات المناخية التي وافقت شهر رمضان. وفي ظل الارتفاع الملحوظ للمشاعر الدينية في تونس ومع استلام أول حكومة إسلامية للحكم في تونس سيختبر التونسيون في شهر رمضان الحالي مدى قدرتهم على تحمل أعلى درجات الحرارة بأمعاء خاوية في شهر الصيام حيث سجلت البلاد بالفعل درجات قياسية قبل حلول رمضان. وقبل أيام فقط كانت المعاناة مضاعفة للتونسيين مع ارتفاع نادر وقياسي لدرجات الحرارة فاقت في عدد من مناطق البلاد 45 درجة مئوية في ظل الانقطاعات المتكررة لإمدادات الماء والكهرباء. وظل عدد من أهالي المدن والقرى في الجنوب التونسي بالخصوص، من دون مياه لمدة أسأبيع واضطرت شركة توزيع المياه إلى الدفع بصهاريج عملاقة في تلك المناطق لسد حاجيات الناس من المياه. ومع أن الشركة قد أعلنت عن تحسن عملية الإمداد قبل أيام من حلول شهر رمضان إلا أن المواطنين في كثير من الأماكن مازالوا يخشون من أن ينغص عليهم انقطاع المياه أدائهم لفريضة الصيام. وبموازاة ذلك تشهد السوق اضطرابا في التزود بالمياه المعدنية ما أدى إلى احتجاب بعض الأنواع. وقالت وزارة التجارة: "إنها رفعت من مخزونات المياه المعدنية تحسبا لارتفاع الطلب خلال فترة الصيف وشهر رمضان الذي يشهد في العادة استهلاك ما بين 100 و120 مليون لتر في الشهر خلال الموسم الصيفي". ولكن الحرارة وندرة المياه لن تكون المعضلة الوحيدة التي تشغل بال التونسيين في شهر رمضان لهذا العام، فمع الارتفاع المتوقع في الاستهلاك يخشى من اختفاء بعض السلع بسبب احتكار والتهريب ومن عودة الأسعار إلى الصعود من جديد مع الاهتزاز الحاد الذي تشهده قدرة الشرائية للعائلة التونسية. وتشهد بعض المواد الاستهلاكية في العادة ارتفاعا ملحوظا في تونس خلال شهر رمضان مقارنة بالأشهر العادية فمثلا يرتفع استهلاك مادة التونة بنسبة 250 بالمائة والبيض بنسبة 98 بالمائة ولحوم الأبقار بخمسين بالمئة واللحوم البيضاء بنسبة 38 بالمائة والحليب 23 بالمائة. وقالت فاتن بلهادي المديرة العامة للتجارة الداخلية بوزارة التجارة: "إن عمليات التزويد استعدادا لشهر رمضان انطلقت منذ شهر شباط/فبراير وأنه ليس هناك داع للخوف من حصول نقص في بعض المنتوجات". وأطلقت وزارتا التجارة والداخلية حسبما ورد بوكالة الأنباء الألمانية، في آذار/مارس الماضي حملات واسعة في المحافظات التونسية للحد من الاحتكار ومقاومة التهريب ومراقبة الأسعار بعد أن بلغ ارتفاعها حدا لا يطاق بالنسبة لمتوسطي الدخل في تونس. وقالت الحكومة في وقت سابق: "إنها ستخوض حربا مقدسة ضد الارتفاع النشط للأسعار وأدي ذلك بالفعل إلى استقرار ملحوظ في الأسواق لكن المخاوف تظل قائمة مع حلول رمضان". وتوقعت المديرة العامة للتجارة الداخلية أن تكون الأسعار معقولة ومناسبة للقدرة الشرائية للمواطنين مع الوفرة المسجلة في المنتوجات. وتدرك الحكومة التونسية المؤقتة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية مع شريكيها العلمانيين حزبي المؤتمر والتكتل، أن شهر رمضان سيكون اختبارا فعليا لأدائها يتعين عليها النجاح فيه خاصة أن الحكومة السابقة لوزير الوزراء الأسبق الباجي قائد السبسي كانت نجحت في تأمين رمضان ناجح العام الماضي وسط ظروف أكثر صعوبة من الجاري. وقررت الحكومة التونسية صرف مرتبات الموظفين مبكرا قبل موعدها المعتاد حتى يتسنى لهم مجابهة المصاريف الاستثنائية في رمضان. كما أعلنت وزارة الشئون الاجتماعية عن صرف منح للفقراء والمعوزين. ويظل التحدي الأهم للحكومة المؤقتة هو مدى قدرتها على تحييد المساجد التي تواجه مدا سلفيا وانتشارا الخطاب الديني المتشدد. وشهدت الكثير من المساجد التونسية اعتداءات متكررة على الأئمة والخطباء من قبل سلفيين كان آخرها بالجامع الكبير بصفاقس في الخامس من تموز/ يوليو الجاري. واعترفت وزارة الشئون الدينية منذ شهرين بأن هناك أكثر من 400 مسجد خارج سيطرتها لكنها أعلنت قبل أيام من حلول رمضان بأن الوضع في المساجد التونسية الآن مستقر. ولطالما اتهمت قوات الأمن التونسية بالتراخي في لجم العنف السلفي، ومن دون شك ستوضع سرعة الرد لديها على المحك في حل حصول أي أعمال عنف في شهر رمضان. وقال وزير الداخلية علي العريض لوكالة الأنباء الالمانية: "نبذل جهودا قدر المستطاع لفرض الأمن والقانون لكن مع احترام حقوق الإنسان". وأضاف العريض "ينتظرنا جهدا أكبر في المرحلة القادمة".