ألقى المستشار أحمد رفعت رئيس محكمة جنايات القاهرة كلمة تمهيدية للنطق بالحكم في قضية القرن ، تعد من أروع وأجمل الافتتاحيات في تاريخ القضاء المصري. وقال " إن واقعات التداعي المعروضة حسبما استقر في وجدان وضمير المحكمة من واقع غوصها في الأوراق وما حوته من تحقيقات وما أرفق من مستندات عن بصر وبصيرة ، وما ارتاحت إليها عقيدتها وما وقر صحيحا ولازما وقاطعا في وجدانها.. ورسخت صحة وإسنادا وثبوتا في يقين قاطع جازم تطمئن معه عقيدة المحكمة وتستريح مطمئنة مرتاحة البال هادئة الفكر إلى صحة وثبات وإثبات الثابت في أوراق التداعي .. وما كشفت عنه سائر الأوراق بما يقشع الظلم ويميت الغموض عن وقائعها وأحداثها ويسلط النور والضياء عليها فتظهر وتطل يافعة قوية ناضرة ملىء البصر والعين مستقرة لا مراء فيها .
وأضاف لا شك فإنه مع بزوغ صباح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير عام 2011 أطلت على مصر شمس فجر جديد لم تره من قبل أشعته بيضاء حسناء وضاءه تلوح لشعب مصر العظيم بأمل طال انتظاره ليتحقق مع نفاذ أشعتها شعاع وضاح وهواء نقي زالت عنه الشوائب العالقة فتنفس الشعب الذكي الصعداء بعد طول كابوس ليل مظلم ولكنه أخلد لثلاثين عاما من ظلام دامس حالك أسود أسود أسود ، أسوداد ليلة شتاء قارس بلا أمل ولا رجاء أن ينقشع عنها إلى صباح مشرق بضياء ونضارة وحياة .
وهكذا كانت إرادة الله في علاه إذ أوحى إلى شعب مصر وأبنائها البواسل الأشداء تحفهم ملائكة الحق سبحانه و تعالى لايطالبون برغد العيش وعلياء الدنيا ، بل يطالبون ساستهم وحكامهم ومن تربعوا على عرش النعم والثراء والسلطة أن يوفروا لهم لقمة العيش يطعمهم من جوع ويسد رمقهم ويطفىء ظمأهم بشربة ماء نقية ويسكنهم بمسكن يلملمأ سرهم وأبناء وطنهم من عفن العشوائيات وانعدام آداميتهم بعد أن افترشوا الأرض وتلحفوا بالسماء وشربوا من مياه المستنقعات وفرصة عمل لعاطلين بالمئات والملايين تدر عليهم رزقا كريما حلالا يكفي بالكاد لسد حاجتهم وتوفير قوت يومهم وانتشالهم من هوية الفقر السحيق إلى الحد اللائق بإنسانيتهم سالمين ساليمن سالمين منادين سلمية سلمية سلمية ملىء أفواههم حين كانت بطونهم خواء وقواهم لاتقوى على المناضلة والجهاد صارخين مستصرخين إرحمونا يرحمكم الله انقذونا أغيثونا انتشلونا من عذاب الفقر وهوان النفس وقد كواهم تردي حال بلدهم ووطنهم مصر العزيزة عليهم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وتعليميا وأمنيا وانحدر بها الحال إلى أدنى الدرجات بين الأمم وهي التي كانت شامخة عالية يشار إليها بالبنان مطمع الغزاة والمستعمرين لموقعها وخيراتها فأصبحت تتوارى خلف أقل وأبسط الدول المتخلفة في العالم الثالث .
وتابع قائلا : "ماذا جرى لكي يا مصر يا من ذكرك الله في كتابه العزيز بالأمن والسلام "أدخلوامصر إن شاء الله آمنين " لقد تآلفت قلوب أبناء مصر الشرفاء وشعبها العظيم .. ألف الله بين قلوبهم وصاغها في قلب واحد بقدرته سبحانه فلو أنفق العالم بأسره ما في الأرض جميعا ماألف بين قلوبهم ولكن الله بعظمته وقدرته ألف بينهم وحماهم وألهمهم القوة والرباط والعزيمة وظللهم بظلال الحق فزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا وأطل الحق وظهر فكان ثبوتا فمحى الله آية الليل المظلمة وجعل آية النهار مبصرة ليبتغي شعب مصر الصابر الصبور فضل من الله وحياة طيبة ورزقا كريما ومستقبلا حميدا يرفع مصر لأعلى درجات العزة كما كانت وكما أرد الله لها بين الأمم".