الاسباب بعد تلاوة أمر الإحالة وسماع طلبات النيابة العامة والمرافعة الشفوية, والاطلاع علي الأوراق وماشملته من مستندات وتحقيقات والمداولة قانونا. ومن حيث إن واقعات التداعي المعروضة حسبما بان للمحكمة واستقر في وجدانها وضميرها من واقع غوصها في الأوراق وماحوته من تحقيقات وما أرفق بها من مستندات عن بصر وبصيرة, وما ارتاحت إليه عقيدتها ومقر صحيحا ولازما وقاطعا في وجدانها ورسخت صحة واسنادا وثبوتا في يقين قاطع جازم تطمئن معه عقيدة المحكمة وتستريح مطمئنة مرتاحة البال هادئة الفكر إلي صحة وثبات, وإثبات الثابت في أوراق التداعي, وماكشفت عنه سائر الأوراق بما يقشع الظلمة ويميط الغموض عن وقائعها وأحداثها ويسلط النور والضياء عليها فتظهر وتطل يافعة قوية ناضرة ملء البصر والعين مستقرة لامراء فيها ولاشك. فإذا بزغ صباح يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من يناير1102 أطلت علي مصر شمس فجر جديد لم تره من قبل, أشعته بيضاء حسناء وضاءه تلوح لشعب مصر العظيم, بأمل طال انتظاره ليتحقق مع نفاذ أشعتها شعاع وضاح وهواء نقي زالت عنه الشوائب العالقة فتنفس الشعب الزكي الصعداء بعد طول كابوس ليل مظلم لم يدم لنصف يوم كالمعتاد وفق نواميس الحياة, ولكنه أخلد لثلاثين عاما من ظلام دامس حالك أسود اسوداد ليلة شتاء قارص بلا أمل ولا رجاء أن ينقشع عنها إلي صباح مشرق بضياء ونضارة وحياة. وهكذا كانت إرادة الله في علاه إذ أوحي إلي شعب مصر وأبنائها البواسل الأشداء تحفهم ملائكة الحق سبحانه وتعالي, ولايطالبون برغد العيش وعلياء الدنيا, بل يطالبون ساستهم وحكامهم ومن تربعوا علي عرش النعم والثراء والسلطة أن يوفروا لهم لقمة العيش ما يطعمهم من جوع ويسد رمقهم ويطفيء ظمأهم بشربة ماء نقية ويسكنهم بمسكن يلملم أسرهم وأبناء وطنهم من عفن العشوائيات وإنعدام آدميتهم بعد أن افترشوا الأرض وتلحفوا بالسماء وشربوا من مياه المستنقعات, وفرصة عمل لعاطلين بالملايين تدر عليهم رزقا كريما حلالا يكفي بالكاد لسد حاجاتهم وتوفير قوت يومهم وانتشالهم من هوة الفقر السحيق إلي الحد اللائق بإنسانيتهم سالمين منادين سلمية سلمية سلمية ملء أفواههم حين كانت بطونهم خواء وقواهم لاتقوي علي المناضلة والجهاد صارخين مستصرخين ارحمونا يرحمكم الله, انقذونا, أغيثونا, إنتشلونا من عذاب الفقر وهوان النفس وعيشة الذل وقد كواهم تردي حال بلدهم وطنهم مصر العزيزة عليهم اجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وتعليميا وأمنيا وإنحدر بها الحال إلي أدني الدرجات بين الأمم, وهي التي كانت شامخة عالية يشار إليها بالبنان ومطمع الغزاة والمستعمرين لموقعها وخيراتها فأصبحت تتواري خلف أقل وأبسط الدول المتخلفة في العالم الثالث... ماذا جري لك يامصر.... يا من ذكرك الله في كتابه العزيز بالأمن والسلام ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين... لقد تآلفت قلوب أبناء مصر الشرفاء وشعبها العظيم ألف الله بين قلوبهم وصاغها في قلب واحد بقدرته سبحانه, فلو أنفق العالم بأسره مافي الأرض جميعا ما ألف بين قلوبهم ولكن الله بعظمته وماقدره ألف بينهم وحماهم وألهمهم القوة والرباط والعزيمة وظللهم بظلال الحق فزهق الباطل فكان زهوقا, وأطل الحق وظهر فكان ثبوتا, فمحا الله آية الليل المظلمة وجعل آية النهار مبصرة ليبتغي شعب مصر الصابر الصبور فضلا من الله وحياة طيبة ورزقا كريما ومستقبلا حميدا يرفع مصر لأعلي درجات العزة كما كانت وكما أراد الله لها بين الأمم. من ذلك الضياء الذي أشع وخروج أبناء الوطن السلميين من كل فج عميق والكل يكابد مايكابده من ظلم وحسرة وقهر وذل يحمل علي كاهله معاناته متجهين صوب ميدان التحرير بالقاهرة عاصمة مصر مسالمين طالبين فقط عدالة حرية ديمقراطية في وجه من أحكم قبضته عليهم وارتكبوا عظائم الإثم والطغيان والفساد دون حسيب أو رقيب حين انعدمت ضمائرهم وتبلدت مشاعرهم وعميت قلوبهم, من ذلك الضياء الوضاء تدخلت قوي الشر البغيض ومن حاك لمصر وشعبها مؤامرات الكبت والضياع والهوان والانكسار فتحالفت فيما بينها وتدخلت عناصرها ومجرموها للانقضاض علي المتظاهرين السلميين المطالبين بالنزر اليسير من حقوقهم للإيقاع بهم وإجهاض مسيرتهم وإخماد صوتهم وكسر شوكتهم بالقوة والعنف واستخدام جميع الوسائل الممكنة لسحقهم بقتل بعضهم وإصابة الآخر جزاء لهم وترويعا لغيرهم لحملهم علي التفرق وعدم التطاول علي أسيادهم حكام وطنهم وأصحاب مقدراته وإسكات أفواههم المطالبة بالعدل والحرية والديمقراطية احتجاجا علي تردي الأوضاع بالبلاد في جميع المناحي, الأمر الذي أدي يوم الثامن والعشرين من يناير1102 إلي سقوط العشرات من المتظاهرين السلميين قتلي وإصابة المئات منهم حال تظاهرهم بميدان التحرير بالقاهرة بلا ذنب جنوه سوي مطالبهم العادلة. ولقد تناولت جميع وسائل الإعلام المرئية والمقروءة والسمعية والإلكترونية الأحداث بالصوت والصورة وتناولتها مختلف وسائل الإعلام العالمية والمحلية وعلم بها الكافة صغيرا وكبيرا ومن كان في موضع المسئولية أو متفرجا من عامة الناس.... واعيا مدركا لما يدور حوله من أحداث أو حتي فاقدا للإدراك أو ضريرا أو أبكم. فالعلم بواقعات التظاهر وسقوط القتلي منهم والمصابين كانت من الوقائع المتعلقة بالعلم العام لا يقدر أحد مهما كان موقعه أو يستطيع بكل الممكنات العقلية أن ينكر أو ينفي علمه بما حدث من وقائع, فما الحال وكبار المسئولين عن إدارة وحماية الدولة. ومن ذلك المنطق السوي المعتبر في حق ضمير المحكمة وثبات وجدانها تؤكد من واقع ماجري من تحقيقات ومادار بجلسات المحاكمة وشهادة من استمعت إليهم المحكمة بما لا يدع مجالا للشك أو الريبة أن كلا من المتهمين الأول محمد حسني السيد مبارك والخامس حبيب إبراهيم حبيب العادلي وقد علم كل منهما بالأحداث فأحجم أولهما عمدا بصفته رئيسا لجمهورية مصر عن إتيان أفعال إيجابية في توقيتات مناسبة تقتضيها الحماية القانونية المتمثلة في امتناعه عمدا عن اصدار القرارات والأوامر والتعليمات والتوجيهات التي تحتمها عليه وظيفته والمنوط به الحفاظ علي مصالح الوطن ورعاية المواطنين وحماية أرواحهم والذود عن الممتلكات والمنشآت العامة والخاصة المملوكة للدولة وللأفراد طبقا للدستور والقانون رغم علمه يقينا بما وقع من أحداث وأفعال وتدخلات من جهات وعناصر إجرامية, وكان ذلك الاحجام والامتناع مما يفرضه عليه الواجب القانوني للحماية القانونية للوطن والمواطنين ابتغاء استمرار سلطاته والسيطرة لنفسه علي مقاليد الحكم للوطن الأمر الذي أدي إلي أن اندست عناصر إجرامية لم تتوصل إليها التحقيقات في موقع الأحداث قامت بإطلاق مقذوفات نارية وخرطوش تجاه المتظاهرين السلميين فأحدثت بالبعض منهم الاصابات التي أودت بحياتهم وبالشروع في قتل البعض الآخر منهم بإصابتهم بالاصابات الموصوفة بالتقارير الطبية.