الخرطوم: أبرزت الصحف السودانية الصادرة بالخرطوم اليوم الأحد نبأ الزيارة التي يقوم بها منذ أمس إلى طرابلس الرئيس عمر البشير على رأس وفد رفيع المستوى ، ونقلت عن المحللين أن السودان يسعى حثيثا باتجاه إحياء مشروع التكامل الثلاثي بين السودان ومصر وليبيا. واعتبر محللون زيارة الوفد السوداني إلى ليبيا تنعكس بالدرجة الأولى على الأوضاع في السودان خاصة بعد دعم حكومة الخرطوم للثوار قبل سقوط القذافي بالأسلحة والدعم المادي والمعنوي والطبي، مشيرين إلى أن الزيارة هى الرابعة من قبل مسئولين كبار في السودان إلى ليبيا منذ سقوط النظام السابق للعقيد معمر القذافي. وأكد رئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبدالجليل أن بلاده لن تسمح بزعزعة أمن السودان من داخل ليبيا ، مجددا شكر بلاده لكل ما قدمه السودان للثورة الليبية منذ بداياتها. وقال عبدالجليل في حديث لصحيفة "الأخبار" السودانية اليوم من طرابلس التي يزورها منذ أمس الرئيس البشير -: "إن السودان تضرر كثيرا من نظام القذافي ، وأن السلطات الليبية بعد الثورة ستنظر إلى ما فيه مصلحة السودان وأمنه وما يحفظ استقرار البلدين الشقيقين. وأكد أن تبادل الزيارات من شأنه أن يدعم التطور الإيجابي الذي بدأ ينشأ بين الخرطوموطرابلس بعد سقوط القذافي، مشددا على أن ليبيا ستوقف أية حركة تمرد تحاول استخدام الأراضي الليبية وأنها لن تدعم المتمردين مرة أخرى. كما نقلت الصحيفة عن وزير الداخلية الليبي فوزي عبدالعال قوله "إن السلطات الليبية ستعمل بالتنسيق مع السودان لحفظ أمن البلدين خاصة تأمين الحدود". وردا على سؤال عن تسليم المتورطين في القتال مع القذافي أو أي من المطلوبين السودانيين لدى الحكومة الليبية الجديدة، قال عبدالعال - في تصريحات للصحيفة السودانية -: "إن كل من تورط في ارتكاب جرائم داخل الأراضي الليبية أو الاقتتال مع القذافي سواء من السودانيين أو الأفارقة سيتم تقديمهم للقضاء ومحاكمتهم داخل الأراضي الليبية " ما دامت هذه الجرائم ارتكبت داخل ليبيا". وكشف عبدالعال أن وزارته بصدد وضع خطط للتعامل مع الأجانب وتأمين الحدود بالتنسيق مع دول الجوار. وتوقع مراقبون لملف العلاقات الثنائية بين ليبيا والسودان ما قبل وبعد القذافي ، حدوث انفراج سياسي بين البلدين ، بعد التوترات المكتومة وتبادل الاتهامات بين حكومة الإنقاذ وليبيا القذافي ؛ بسبب دعم الأخير لحركات التمرد السودانية في كل من الجنوب ودارفور ، إلى جانب دعم الخرطوم نفسها للاسلاميين في ليبيا. وقال أحمد عبدالله المحلل السياسي الليبي - في اتصال هاتفي مع الصحيفة - "إن زيارة الوفد السوداني إلى ليبيا تنعكس بالدرجة الأولى على خطوات عملية تنعكس على الأوضاع في السودان خاصة بعد دعم حكومة الخرطوم للثوار قبل سقوط القذافي بالأسلحة والدعم المادي والمعنوي والطبي".
وأضاف أن المد الإسلامي سيلعب دورا في تشكيل هذه العلاقات من جديد ، مشيرا إلى أن أهداف السودان تمتد لما بعد الحكومة الانتقالية الحالية ، وتوقع أن تقدم الحكومة السودانية مزيدا من الدعم للاسلاميين في ليبيا ؛ والذين يبدو أنهم سيتصدرون المشهد السياسي المقبل على حد قوله.
ونسبت الصحيفة إلى مصادر ليبية مطلعة أن دعم الحكومة السودانية بدأ في مارس 2011أي بعد الثورة بشهر تقريبا ، حيث ذهب القنصل السوداني العام ببنغازي موفدا باسم حكومته واجتمع بثوار ليبيا ، وأبلغهم استعداد بلاده لتقديم الدعم اللازم في حربهم ضد القذافي ، بدأت - بحسب المصادر - بتسليم مبلغ خمسة ملايين دولار ، وأعداد كبيرة من الأسلحة عن طريق الحدود ، تلتها دفعات آخرى وذخيرة ومعونات طبية من بعثات طبية وأدوية.
وكشفت المصادر أن الاستلام والتسلم كان يتم عبر القيادي الإسلامي ؛ علي الصلابي. ومن جانبها ، ذكرت صحيفة "الرأي العام" الصادرة بالخرطوم اليوم أن الغرض من زيارة البشير الحالية إلى ليبيا - إلى جانب منح العلاقات بين الخرطوموطرابلس مزيدا من قوة الدفع والروح الجديدة في عهد ليبيا ما بعد القذافي - دعم وتطوير لعلاقات حزبية أكثر رسوخا بين حزب "المؤتمر الوطني" الحاكم في السودان والذي يرأسه عمر البشير والإسلاميين في ليبيا.
وأشارت الصحيفة إلى أن زيارة البشير جاءت استكمالا لزيارات رفيعة متتالية وهى الرابعة من قبل مسئولين كبار في الدولة منذ سقوط النظام السابق للعقيد معمر القذافي ، بدأها الفريق أول محمد عطا مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني إلى بنغازي ، ثم تلاه علي أحمد كرتي وزير الخارجية ، أعقبتها زيارة مهمة لعلي عثمان محمد طه النائب الأول لرئيس الجمهورية إلى طرابلس ، واستكملت أمس بزيارة البشير وفي معيته عدد كبير من كبار المسئولين في الدولة.
ووفقا لرؤية مراقبين ، فإن السودان يعول كثيرا على تحقيق الاستقرار في ليبيا وترسيخ التحول الديمقراطي الإيجابي باعتبار أن الاستقرار في ليبيا سينعكس إيجابا على استقرار الأوضاع في السودان.
ورأت بعض المصادر أن الجانب الأمني وحرص الطرفين على تحقيق الاستقرار الأمني وتعزيزه على المناطق الحدودية يمثل أحد الهموم المشتركة التي تطرح نفسها بقوة على جدول أعمال الرئيسين.
وطبقا للمصادر التي تحدثت لصحيفة "الرأي العام" ، فإن السودان لعب دورا مهما ولا يزال يعمل ويسعى لاستكمال بحثه مع بعض الأطراف العربية والأفريقية المهمة في المنطقة لتحسين علاقاتها مع ليبيا الجديدة ، خاصة الدول التي توترت علاقاتها وساءت إبان نظام القذافي السابق ، وفي مقدمة تلك الدول النيجر وتشاد والسعودية ، فضلا عن السودان ومصر ، بجانب تونس والجزائر اللتين توترت علاقاتهما مع ليبيا إبان الثورة الليبية.
إضافة إلى ذلك فإن الزيارة ربما تؤسس لشراكة جديدة بين البلدين ، فيما لم تستبعد مصادر عليمة أن يسعى السودان حثيثا باتجاه إحياء مشروع التكامل الثلاثي بين السودان ومصر وليبيا ، باعتبار أن لكل دولة منها ما يشجع ويدعم مشاريع تكاملية يعود نفعها على شعوب البلدان الثلاثة.
وفي تقدير تلك المصادر ، فإنه إذا توافر التمويل من قبل ليبيا والخبرة من مصر مع الموارد والإمكانيات الطبيعية والبشرية المتوافرة لدى السودان ، فإن إمكانية خلق مشاريع مشتركة ، خاصة الزراعية أو ما تعارف على تسميتها مشاريع الأمن الغذائي العربي في السودان ستكون ناجحة إلى حد بعيد.
ومن هذا المنطلق فإن بحث ملف التكامل بين السودان وليبيا وفي معيتهما مصر ، يعد أحد أبرز الملفات التي يتوقع أن تحظى بالتركيز خلال لقاءات القمة بين البشير وعبدالجليل أمس واليوم ، ولقاءات الوزراء المعنيين في البلدين ، وربما يسعى البلدان إلى خلق علاقات تكامل مميزة تكون نواة لتكامل في المنطقة أسوة بما يحدث في الخليج والمغرب العربي.
ومن المرجح حسب المصادر أن يعمد السودان لتقديم تجربته في مجال الديمقراطية والتحول الديمقراطي إلى الشعب الليبي للاستفادة منها في مجال تحقيق حلمه المشروع في قيام نظام ديمقراطي فقد من أجله الآلاف من خيرة شبابه إبان ثورته التي اقتلعت نظام القذافي ، أعتى الأنظمة الديكتاتورية في الوطن العربي.
وأشارت الصحيفة إلى أن الخرطوموطرابلس وقعا اتفاقية للحريات الأربع بين البلدين ، ونقلت عن الرئيس البشير قوله - في مؤتمر صحفي أمس بطرابلس - "إن المواطن الليبي يمكنه التنقل بين البلدين دون تأشيرة ، وله حق الإقامة والتنقل والتملك بما في ذلك تمليك الأراضي.
ولفت إلى أن الحكومة لديها تصور شامل لتكامل العلاقات بين الجانبين لمصلحة الشعبين ، وأبدى أمله أن تنضم إلى البروتوكول دول آخرى خاصة مصر وتونس.