في أزمنة سابقة عاشها آباؤنا وأجدادنا لم تكن أغلب مصطلحات قاموس قانون الأحوال الشخصية دارجة على ألسنة العوام ولا في ساحات القضاء ك" الطلاق" و"الخلع" وغيرها، من القضايا التي أصبحت ظاهرة جديدة على المجتمع المصري بكل فئاته العمرية وطبقاته الاجتماعية لا فرق بين غنى وفقير، أخذ قسطا من التعليم ونال أعلى الدرجات العلمية أم لم يأخذ، إذ أصبح الطلاق وحشا يتلهم الجميع ويروح ضحيته آلاف الأسر المصرية. وفي ندوة نظمها الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس بنقابة الصحفيين أمس حاول عدد من الخبراء الإجابة عن أسباب ارتفاع معدلات تلك الظاهرة ونتائجها وكذلك محاولات إيجاد حلول للحد من انتشارها، بمشاركة عدد من المتخصصين في الشريعة والاجتماع والإحصاء والقانون. وقال الكاتب الصحفي محمد عبد القدوس إنه رغم أن الطلاق أبغض الحلال فالواقع أنه ليس استثنائيا أو قليل الحدوث لكنه يقع بمعدلات مرتفعة، مضيفا أن الطلاق في مصر نقمة يتم في أي وقت بسبب الضغوط الاقتصادية وعدم التزام الأفراد بتعاليم الإسلام التي حددت شروط للطلاق. وأكد طاهر حسن رئيس الإدارة المركزية للإحصاءات السكانية والخدمات إن بيانات العام الماضي 2016 توضح أن عدد حالات الطلاق أقل من عام 2015، مضيفا "عام 2015 وقع نحو 970 ألف حالة زواج وبلغ عدد حالات الطلاق نحو 200 ألف تقريبا، أما عام 2016 فبلغت حالات الزواج 870 ألف حالة والطلاق 178 ألف حالة بتراجع نحو 20 ألف حالة عن العام الذي سبقه". وأضاف أن رأيه الشخصي في أزمة تزايد الطلاق هو أن "الجيل الجديد لا يعي قيمة الجهد المبذول في بناء بيت الزوجية نتيجة مساعدة أسرهما نحن بنينا بيوتنا طوبة طوبة ونعرف قيمته ونريد الحفاظ عليه، كما أن مسألة الإيجار المؤقت سببا أيضا في ارتفاع الطلاق فصعوبة دفع الإيجار وترك شقق الزوجية يؤدي إلى انفصال كل منهما بالإضافة إلى بعد المرء عن تعاليم دينه". في السياق وصف العالم الأزهري علي محفوظ الزواج بالميثاق الغليا وجعل ضماناته من قبل عقد الزواج منذ أن يتقدم الرجل إلى المرأة خلال فترة الخطبة ليتعرف كل من الزوجين على الآخر، فقال تعالى (فليس عليكم جناح فيما عرضتم به من خطبة النساء)، مضيفا أن الحكمة من هذا التعارف هو عدم وقوع الطلاق فيما بعد وجاءت الضمانة الثانية في قول النبي (خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي). ونبه إلى أنه إن حدثت مشكلة فيما بعد الزواج فهناك مراحل للحل إذ يبدأ الزواج في وعظ زوجته ثم يهجرها في الفراش ويوسط بينهما الحكماء من أهليهما للصلح ، موضحا أن الإسلام حدد إجراءات للطلاق وهي أن تكون المرأة في طهر لم يمسها زوجها فيه لأن الطلاق يقع عليه الأحكام الشرعية الخمسة وإلا كان طلاقا بديعا مخالفا للسنة. وأوضح أن الطلاق البدعي أي طلاق المرأة أثناء فترة الحيض أو خلال فترة طهرها ومسها زوجها قالت دار الإفتاء عنه إنه يقع، مشيرا إلى أن الإسلام اشترط ألا يمس الرجل زوجته ثم تأتي فترة الحيض للتأكد من أنها لم تحمل منه وإلا ندم كلا الطرفين، أما بعد أن يقع الطلاق فيجب أن تجلس المرأة في بيتها ولا تخرج إلا بعد انتهاء عدتها حسبما نص القرآن الكريم. وأشار إلى أن أسباب الطلاق ترجع إلى الخلل الانفاقي أي ألا يقدر على النفقة أو بخيل وهو سبب حدده الباحثون بأن يسجل 50% من حالات الطلاق، والسبب الثاني هو الاختلاف في الطبائع والاهتمامات بين الزوجين والسبب الثالث هو عدم الوئام أو الاتفاق الجنسي بين الطرفين فضلا عن تدخل الأهل في علاقتهما وكذلك عدم الإنجاب وعدم تمسكهم بالأصول. وأضاف أن من الأسباب أيضا غياب الرجل الشهم القادر على الوفاء بحقوقه الزوجية والمرأة الذكية القادرة على الحفاظ على بيتها ثم الخيانة الزوجية بتعرف الزوج على امرأة أخرى بأي وسيلة، ومن الأسباب أيضا الحالة الطارئة مثل غصابة الزوج في حادث وعدم قدرة زوجته على التحمل أو مرضت هي، مشيرا إلى ضرورة تدخل رجال الدين الإسلامي والمسيحي وتناول الموضوع دراميا وإعلاميا وفي خطبة الجمعة، فيجب علاج المشكلة بسياسات وليس بإجراءات. وقالت دكتورة سهير عبد المنعم الأستاذ بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية إنه عند عمل بحث رأي عينة من الجهمور عن تعديلات قانون الأحوال الشخصية المقترحة أوضحت النتائج أن 96% من الجمهور قالوا أن الطلاق مكروه دينيا وهذا يوضح أننا نحتاج لنص قانون يبين حكمة الطلاق وأنه ضرورة لا غنى عنه لعلاقة واهية. فيما أوضحت الدكتورة أماني عبد الفتاح أستاذ الطب الشرعي والسموم الإكلينيكية بالقصر العيني أن العنف الأسرء هو أحد أسباب الطلاق، قائلة "يوجد مليون ونصف واقعة عنف أسري سنويا تكبد الدولة نحو 8 مليار جنيه، وأنه نحو 66% من حالات الطلاق أو الخلع تكون نتيجة للعنف الاسري، وقال المجلس القومي للمرأة عام 2015 أن 35% من الزوجات تتعرضن للضرب من أزواجهن على الأقل مرة واحدة". وقالت إن العنف يكون إما بالفعل ضربا أو لفظا أو الإهمال النفسي، مضيفة أن المرأة جاهلة بحقوقها وقد تتحمل العنف ما لم يمس جنينها في حالة الحمل فإذا سبب العنف أو الضرب إجهاض حينها فقط قد تلجأ لطلب الطلاق، مشيرة إلى أن راتفاع معدل تعاطي المخدرات هو سبب أيضا من أسباب الطلاق. وأضافت أن معدل التعاطي في مصر بلغ 10% من عدد السكان وقد يكون أزيد من ذلك فيجب توعية الشباب والجميع بخطورة المخدرات، موضحة أن الترامادول هو أعلى المخدرات المسببة للطلاق فالمتعاطي إن لم يجد المال الكافي للحصول على الجرعة التي يحتاجها فيخرج غضبه على زوجته، فالمخدرات والعنف الأسري والطلاق بمثابة دائرة مفرغة. وأكدت دعاء عبد السلام مؤسس مبادرة "طلاق بلا نزاعات" أنها تهدف من خلال مبادراتها إلى تحديد شروط إذا وقع الطلاق وتوضيحها من البداية في عقد الزواج وكذلك بنص من قانون الأحوال الشخصية، مشيرة إلى أهمية وضع بنود الطلاق في عقد الزواج وأن هذا لا يعد فأل شؤم كما يقول البعض وهذا غير صحيح فالقائمة التي تعدها للزوجة وكذلك المؤخر هي ضمانات أيضا للطلاق. وأوضحت أنها بعد إعدادها دراسة تناولت أزمة الطلاق توصلت إلى أن المراة المصرية صاحبة المستوى التعليمي والثقافي البسيط تكون قادرة على النجاح والحفاظ على استقرار زواجها أكثر من المرأة ذات المستوى التعليمي والثقافي الأعلى.