في مقاله المنشور بصحيفة "الجارديان" عدد 12 ديسمبر، كتب الناقد الشهير جاي بارني بمناسبة مئوية شيخ الروائيين العرب نجيب محفوظ ، أنه تمتع بملكات خاصة في تصوير واقع مصر . ومضى الكاتب يشير لتاريخ محفوظ الحائز على جائزة نوبل فى 11 ديسمبر من العام 1911 وقد جاء منحدرا من عائلة سعيدة وكبيرة العدد بحي الجمالية، وهو حي لا يعرف الهدوء، وقد استوحى محفوظ أغلب أعماله منه، حتى أنتج ما يفوق 30 رواية ونحو 350 قصة . ويضيف بارني : في كتاب "أصداء السيرة الذاتية" نلحظ حس محفوظ الساخر، وهو أحد كتبي المفضلة وصدر فى عام 1994، كما أنه تفكير في الثورة المصرية . والكتاب يمر بمراحل حياة محفوظ منذ كان طفلا في السابعة من عمره ، وقد شارك بثورة 1919 ولم يذهب للمدرسة في ذلك الوقت، ويقول محفوظ : كم صليت لرب العالمين من أعماق قلبى لبقاء الثورة إلى الأبد .. ويعتقد الكاتب أن طريقة محفوظ كانت ثورية في كتابته وعشقه للحارات والأزقة، ولا عجب إن أطلق على ثلاثيته أسماء "بين القصرين وقصر الشوق و السكرية" وهي الصادرة فى العام 1956 حتى العام 1957 ، وهى أسماء لشوارع حقيقية جال بين جنباتها.. ويرصد هذا العمل حياة السيد عبد الجواد فى ثلاث مراحل مختلفة بين الطفولة و الشباب ثم الرشد .. و هذا مع بداية اندلاع ثورة 1919 ضد الاحتلال البريطانى للبلاد الذى يستمر أثره إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية .. يواصل الناقد : طول الفترة الزمنية للحدث الذى تستغرقه الثلاثية أعطاه محفوظ زخما وثراء فى التفاصيل لوصف وجه القاهرة .. وهو ما جعله فى مصاف الكتاب الأوروبيين المخضرمين أمثال اونوريه دى بلزاك و تشارلز ديكنز و نيكولا فيتش تولستوى ... ثم يردف : قال لي محفوظ أنه قد قرأ عددا كبيرا من الروايات الغربية فى شبابه ، كان ذلك خلال لقائي معه على مقهى في القاهرة قبل عقد من الزمان . وقال حينها أنه لازال يقرأ لهم لأنه يتوجب على الكاتب ان يقرأ .. وقضى الكاتبان الليل سويا مع أصدقائهما، ثم قال محفوظ حول ديكنز إن كتاباته هامة له ، وأن العالم قبل مؤلفاته مجرد حطام ؛ فهو يكتب عن الضوء و الظلام وما بينهما. محفوظ برأي كاتب المقال كان بجسد ضئيل و طاقة متفجرة و سريع الابتسام ، ورغم الاعتداء السافر الذى تعرض له فى العام 1994 على يد بعض الفتية الإسلاميين الأصوليين الذين اعتبروا أعماله دربا من العلمانية وتمكن أحدهم من إصابة يده وعنقه ما جعله يعاني كي يكتب ، ولكنه ظل يكتب ولا عجب ، فقد استحوذت الكتابة عليه منذ شبابه حتى إنه لم يتزوج إلا فى منتصف الأربعينيات ، كي يدخر وقته وطاقته للكتابة .
محفوظ إلى جانب ذلك كان موظفا حكوميا بوزارة الثقافة حتى غادر منصبه فى العام 1972 .. يقول محفوظ . - لطالما أبقى سعيدا عندما أجلس للكتابة .. موضحا أنه يستغرق الصباح للكتابة و فترة الظهيرة للغذاء و فى المساء حيث قضاء الوقت مع الأصدقاء .. وفى الوقت الذى جذبت فيه ثلاثية القاهرة العديد من القراء خارج الوطن العربى إلا أن عددا كبيرا من أعماله لم يتم ترجمته إلى الإنجليزية، ويعتقد كاتب المقال أن محفوظ كان أكثر عمقا مما يظنه القراء الغربيون، فأعماله كما يرى تمزج بين الأطر الواقعية للمجتمع و خيال الحكائين وكأنها تنبع من وريد الليالى العربية .. وأخيرا يعتقد كاتب المقال أن رواية "أولاد حارتنا" التى ظهرت فى العام 1959 بها إسقاطات فى التاريخ الاسلامى و المسيحى ، وقد قال محفوظ يوما أن من يحب العالم من حوله، فإن الآخرة سوف تحبه بحرارة .