عبر الروائي عادل عصمت عن سعادته بفوزه بجائزة نجيب محفوظ ، مشيرا أنها تمثل له قيمة كبيرة ، و مجرد حملها لاسم محفوظ كافيا بالنسبة له ، قائلا : نجيب محفوظ بالنسبة لي "الأفق" الذي أتطلع إليه عندما أتعرض لمشكلة فنية في الكتابة ، وأتخيله وأطرح عليه السؤال الذي يحيرني ، و بمرور الوقت أصبحت قادرا على استحضاره و إجراء حوار طويل معه . و في تصريح لشبكة الإعلام العربية "محيط" ، قال إن " حكايات يوسف تادرس" هي خامس رواية له ، بالإضافة لكتاب "ناس وأماكن" و "قصاصات" مجموعة قصصية ، وقد حصلت روايته "أيام النوافذ الزرقاء" علي جائزة الدولة التشجيعية في عام 2011 . وتابع عصمت أن ما دفعه لكتابة "حكايات يوسف تادرس" هو رغبته فى التعبير عن الصعوبات التي يعانيها الفنان ، و كيف أنه في لحظة يصل لأقصي طاقات إبداعه ، و لكنه أصيب بالحيرة في البداية حول كيفية تجسيده للرواية ، مستبعدا ضمير الغائب و المتكلم ، حتي وقع اختياره علي استدعاء "الراوي" من الأدب الشعبي ، جاعلا بطله الراوي يوسف تادرس هو من يقص الحكاية . و أكد الكاتب أنه لم يختر البطل أن يكون قبطي ، بل أن الشخصية هي التي تفرض نفسها ، والقضية ليست أنه قبطي أو مسلم ، فالبطل في الأساس إنسان ، و يقول البطل في الرواية " اختلاف الدين كاختلاف الأسماء و الملامح ، ليس منطقيا أن يحمل كل الناس اسم واحد و ملامح واحدة " ، فلم أقصد أن أطرح من خلال ذلك قضية الفتنة الطائفية أو السلام الاجتماعي ، بل القضية هي الإنسان الذي تخطي كل صعاب المجتمع لينتج فن وهو قبطي في مدينة إقليمية ، تلك الصعاب تحتاج لروح قوية . و كشف الكاتب عن روايته الجديدة التي ستصدر قريبا بعنوان "صوت الغراب" و التي تدور عن شخص يشعر بكونه غريب ، حتي يكتشف إنه إنسان في جسد غراب ، حتي يتجسد في النهاية كغراب . و أشار الكاتب خلال كلمته بمناسبة تسلم الجائزة بالجامعة الأمريكية : أنه عندما كان يستدعي نجيب محفوظ في ذهنه تخيله قال له "اتعلم ما الذي جعلني استمر و لا ايأس ، لقد اعتبرت الفن حياة لا مهنة ، فحينما تعتبره مهنة لا تستطيع إلا أن تشغل بالك بانتظار الثمرة " . و تابع أنه كان يردد علي مسامع نفسه : ما دمت قد ارتضيت أن تعيش في مدينة صغيرة و تعمل أمين مكتبة و تبني بيتا و تنجب أطفالا ، و في نفس الوقت تريد أن تكتب الروايات ، فلابد ان تبذل جهدا كبيرا في جعل الكتابة مثل التنفس ، أداة يمكنك أن تستخدمها مباشرة متي لاح لك الفن . ثم بدأت تمرينا طويلا لجعل الكتابة أداة للتأمل و الفهم ، كتبت ما خطر ببالي ، كل مشهد أو حكاية ، كتبت أحلامي و أحلام أصدقائي ، و أعددت سيناريوهات للحوادث التي تلفت نظري بالجرائد ، تم كل هذا بغرض غرس الكتابةة في حياتي لا بغرض إنتاج أعمال فنية ، فقد كنت أعرف منذ البداية أن الفن عسير ، كنت أقول لأصدقائي أن واظب المرء علي كتابة صفحتين عن البحر لمدة عشرة أيام ، بالتأكيد في اليوم الحادي عشر سوف يري البحر بطريقة مختلفة ، لا أعرف من أين جئت بهذا اليقين ، في الغالب لا تضيع الجهود تثمر في النهاية فهما و تقبلا ، و تنفصل عن غرضها الأول و تصبح نشاطا مهما في حد ذاته . بعد ما يقرب من ربع قرن علي تلك البداية أصبحت الكتابة نشاطا لا غني عنه ، و بعدما كنت أبذل جهودا كبيرة للجلوس و العمل ، تعاندني اللغة و الخيال ، وقعت في أسر تلك السيدهالتي حاولت ، بكل السبل إغرائها ، أن تبقي برفقتي عدة ساعات ، أصبحت تزاحم حياتي وتطلب مني أن أترك كل شئ و أتفرغ لها ، تريد أن تستبدل نفسها بالحياة . و تتأزم الأمور مرة أخري ، و أدرك أني أوغلت بعيدا ، و أن الكتابة نشاط من الأنشطة يساعد علي الحياة ، لا يمكن استبدالها بالحب و المشي و الجلوس أمام البحر و زيارة الأهل و قضاء صباح الجمعة في المقهى ، بعد هذه الأزمة استقرت علاقتنا ، و أصبحت أقل حدة و أهدأ في تواتراتها ، أصبحنا مثل الرفاق القدامي ، يمكن أن ننفصل أحيانا ، علي يقين بأننا لن نفترق أبدا . كلما فكرت في ما حدث معي بهذه الطريقة ، أشعر أنها كلمات نجيب محفوظ حول الفن كمهنة و الفن كحياة ، و قد تسللت إلى وجداني ، تحورت حتي تتوافق مع ظروفي و مزاجي و ميلي إلي العزلة ، أصبحت صديقا لنجيب محفوظ رغم أنني لم أقابله قط ، فهو موظف مصري مثلي و مثل غيري ، أنه قريب من القلب ، حياته تشبه حياتنا ، و ملامحه تشبه ملامحنا لكنه امتلك ما عجز عنه الكثير منا : النظام و الدقة و الصبر .