"أشجار برتقال مراكش: ابن خلدون وعلم الإنسان" كتاب جديد من تأليف ستيفن فردريك ديل، صدر عن مطبعة جامعة هارفارد الأميركية، يتيح لنا أن نرى هذا المفكر العربي من منظور غربي. ووفق د. ماهر شفيق فريد في صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية، لقد نظر إلى عبد الرحمن بن خلدون (1332م - 1406م) صاحب "المقدمة" من زوايا عدة. عد أول عالم اجتماع في التاريخ، ورائدا للقومية العربية، وعالما تقليديا من علماء الدين حاول تفسير التاريخ في ضوء مبادئ الفقه، وعالما أنثروبولوجيًا سبق زمانه، وصاحب منهج في كتابة التاريخ لا يخلو من لمسات صوفية. بل عده البعض مرهصا بماكيافيلي وفيكو ومنتسيكو وهيجل وكونت وماركس ودوركايم وبريتو وتونبي، ولما كان من المستحيل التوفيق بين هذه الأقطاب، فلا بد أن أغلبها خاطئ، كما يقول روبرت إروين في عرض لهذا الكتاب الجديد ب"ملحق التايمز الأدبي". إن "مقدمة" ابن خلدون كتاب صعب جزئيا؛ لأنه عكف على وضعها سنوات طويلة، ومن ثم جاءت مشوبة بالتكرار والافتقار إلى الاتساق. وأسلوبه العربي يفتقر إلى السلاسة؛ فالمرء لا يقرؤه من أجل الاستمتاع به وإنما من أجل محتواه. ولم يكن متسقا دائما في استخدام مصطلحاته أو حتى في منهجه. ثمة عشرات - بل ربما مئات - من الدراسات التي تقرأ ابن خلدون من منظورات مختلفة. أما ديل فينظر إليه على أنه في المحل الأول فيلسوف ينتمي إلى الموروث الإغريقي - الإسلامي. والمنهجية الكامنة وراء مقدمته لتاريخ العالم إنما تدين بالكثير لأرسطو وجالينوس، وقد مرا من خلال مصفاة الفارابي وابن سينا وابن رشد، وغيرهم من فلاسفة الإسلام. ولأنه قد أخذ الكثير من الفلسفة اليونانية فقد اهتم به الكثير من مفكري الغرب؛ لأنهم وجدوا أنفسهم على ألفة بالموروث الفلسفي الذي يمثله. ويوجه ديل النظر إلى استبصارات ابن خلدون العميقة، مثل مقارنته بين العمران البدوي والعمران الحضري. ولكنه يعجب من إغفاله وقائع تاريخية مهمة مثل الموت الأسود (الطاعون) الذي أهلك كثيرا من أقاربه ومعلميه. ثم إنه في كل كتاباته يغفل ذكر معاصريه فلا يذكر سوى فيلسوف واحد منهم. ويقدم الكتاب صورة واضحة لتقلبات حظوظ ابن خلدون السياسية والحياتية والأكاديمية، وما مرت به من صعود وهبوط، في شمال أفريقيا والأندلس ومصر .