يعد ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن خلدون, الذي ولد في تونس يوم الأربعاء1 رمضان عام732 ه الموافق27 مايو1332 م و توفي في يوم الجمعة28 رمضان808 ه الموافق19 مارس1406 م. فلكيا, اقتصاديا, مؤرخا, فقيها, عالم رياضيات, استراتيجيا عسكريا, فيلسوف, ورجل دولة, أحد العلماء الذين تفخر بهم الحضارة الإسلامية فهو مؤسس علم الاجتماع وأول من وضعه علي أسسه الحديثة, و قد توصل الي نظريات باهرة في هذا العلم حول قوانين العمران و نظرية العصبية وبناء الدولة وأطوار عمارها وسقوطها. سبقت آراؤه ونظرياته ما توصل اليه لاحقا بعدة قرون عدد من مشاهير العلماء كالعالم الفرنسي آوغست كونت. و لقد ألف ابن خلدون عددا من المصنفات في التاريخ والحساب والمنطق غير أن أشهر كتبه كتاب بعنوان العبر وديوان المبتدأ و الخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر و هو يقع في سبعة مجلدات و أولها المقدمة مقدمة ابن خلدون و تشغل في هذا الكتاب ثلثه. بسط ابن خلدون في المقدمة كل ما لديه من علم و معرفة, فجاءت شيئا ثمينا بل متقدمة جدا علي العصر الذي كتبت فيه و هو يحتوي علي ستة فصول: الأول في العمران البشري, و هي تقابل علم الاجتماع العام, الثاني في العمران البدوي, و قد درس الاجتماع البدوي كاشفا أهم خصائصه المميزة و أنه أصل الاجتماع الحضري و سابق عليه. الثالث في الدولة والخلافة و الملك, و هو يقابل علم الاجتماع السياسي و قد درس قواعد الحكم و النظم الدينية و غيرها. الرابع في العمران الحضري, و هو يقابل علم الاجتماع الحضري الخامس في الصنائع و الكسب, و هو ما يقابل علم الاجتماع الاقتصادي و قد درس تأثير الظروف الاقتصادية علي أحوال المجتمع. السادس في العلوم و إكتسابها, و هو ما يقابل علم الاجتماع التربوي, و قد درس الظواهر التربوية و طرق التعلم و تصنيف العلوم كما درس ابن خلدون الاجتماع الديني و القانوني رابطا بين السياسة و الأخلاق. و الحقيقة الظاهرة أن أحدا قبل ابن خلدون لم يتعرض لدراسة الظواهر الاجتماعية دراسة تحليلية أدت إلي نتائج ومقررات مثل تلك التي أدت إليها دراسة ابن خلدون, ذلك أن المفكر المسلم الفقيه درس الظواهر الجتماعية من خلال الإخبار التاريخي السليم مثلما يدرس العلماء علوم الفيزياء و الرياضيات وهو بذلك يكون أول من أخضع الظواهر الاجتماعية لمنهج دراسي علمي انتهي به الي كثير من الحقائق الثابتة التي تشبه القوانين, وعليه فإن ما توصل إليه ابن خلدون من نظريات يظل عملا رائدا في ميدان الدراسات الاجتماعية في مسيرة الفكر الإنساني. يمثل ابن خلدون نقطة تحول في كتابة التاريخ الإنساني, فقد هز الفكر العالمي الإنساني في تأسيسه لعلم الاجتماع اذ وضع خطة جديدة وآراء جديدة بل وضع قوانين جديدة يمكن تطبيقها علي كل المجتمعات البشرية. قال عنه المؤرخ الإنجليزي توينبي: ابتكر ابن خلدون وصاغ فلسفة التاريخ هي بدون شك أعظم ما توصل إليه الفكر البشري في مختلف العصور والأمم وقال عنه روجيه جارودي المفكر الفرنسي: ففيما يتعلق بدراسة هيكل المجتمعات وتطورها فإن أكثر الوجوه يمثل تقدما يتمثل في شخص ابن خلدون العالم والفنان ورجل الحرب و الفقيه و الفيلسوف الذي يصارع عمالقة النهضة الغربية بعبقريته العالمية منذ القرن الرابع عشر.و هكذا يبقي ابن خلدون اليوم شاهدا علي عظمة الفكر الإسلامي المتميز بالدقة والجدية العلمية والقدرة علي التجديد لإثراء الفكر الإنساني.