السعودية أكبر ضحية لانهيار أسعار النفط الاستثمار في السودان يحقق للخليج الأمن الغذائي النفط الصخري الأمريكي لعب دورا صغيرا في الأزمة مصر والأردن استفادتا من انخفاض أسعار النفط أزمة انخفاض أسعار النفط وتبعاتها على الدول العربية، ماذا سيحدث؟ كيف تتجنب الدول تبعات الانهيار؟ هل السعر سيرتفع أو سيهوي أكثر؟ أسئلة كثيرة دارت في أذهان المتابعين لأزمة النفط والمهتمين بالشأن الاقتصادي، يجيب عليها الدكتور ممدوح سلامة الخبير الدولي ومستشار البنك الدولي لشؤون النفط والطاقة. شغل سلامة - الأردني الجنسية صاحب ال"77" عاما- عدة مناصب في مراكز الدراسات المعنية بالنفط والطاقة منها الرابطة الدولية لاقتصاد الطاقة بالولاياتالمتحدة والمعهد البريطاني لاقتصاد الطاقة والرابطة الدولية للطاقة. تخرج من الجامعة الأمريكية في بيروت وحاصل على الدكتوراه من جامعة باسيفيك ويسترن، وله عدة كتب وأبحاث منشورة في مجالات النفط والطاقة. وفي حوار لشبكة الإعلام العربية "محيط" أكد سلامة أن أسعار النفط سترتفع بدعم من عدة مؤشرات اقتصادية عالمية، مضيفا أن دول الخليج العربي هي الأكثر تضررا في أزمة انخفاض الأسعار وأن مصر والأردن والمغرب استفادت بنسبة كبيرة، لكنها خسرت أيضا تحويلات أبنائها العاملين في الخارج وخاصة دول الخليج. واليكم نص الحوار: بداية.. هل هناك دول استفادت من أزمة انخفاض أسعار النفط؟ كثير من الدول العربية مثل مصر والأردن وإلى حد ما المغرب استفادت من انخفاض أسعار النفط، لكن في الوقت نفسه استفادتها لم تكن كاملة لأن تحويلات الوافدين من أبنائها العاملين في دول الخليج قلت، ودول الخليج العربي المنتجة للنفط عندما بدأت تخفض إنفاقها بسبب انخفاض الأسعار هذا، انعكس على اقتصاديات الدول غير النفطية والعكس صحيح عندما ترتفع الأسعار ينعكس ذلك بنحو إيجابي من حيث التحويلات والعمالة. فالآن إذا صحت توقعاتي وارتفعت الأسعار، فهذا يعني أن انعكاساته على الدول غير النفطية ستكون إيجابية. وما هو حجم الضرر الذي لحق بدول الخليج جراء الانخفاض؟ دول الخليج كانت من أكبر الخاسرين في العالم والسعودية قد تكون أكبر ضحية لانهيار أسعار النفط، كونها ثاني أكبر دولة منتجة للنفط في العالم، والاقتصاد السعودي بعكس ما يقوله السعوديون تأثر تأثرا كبيرا بالأزمة فبلغ العجز في ميزانية العام الحالي 134 مليار مقابل 140 مليار العام الماضي، وصندوق النقد الدولي يقول إذا استمرت الأسعار على هذا المستوى لن يبق هناك دولارا واحدا في الخزينة السعودية خلال خمسة أعوام. وكيف تأثرت المملكة العربية السعودية تحديدا؟ السعوديون كانوا يتباهون باحتياطياتهم المالية التي وصلت إلى 723 مليار دولار عام 2014، وانخفضت بنسبة 109 مليار في أقل من 12 شهر إلى 623 مليار دولار نتيجة انخفاض الأسعار، وضغط النفقات وخفض الإنفاق في السعودية بدليل أن السعودية بدأت رفع أسعار المحروقات والمياه بنسبة 60% والتي كانت مدعومة مائة بالمائة الآن أصبحت أمام اختيار إما أن ترفع الأسعار أو تزيل الدعم. ولأول مرة في تاريخ السعودية منذ اكتشاف النفط تلجأ السعودية إلى بيع أسهم في شركة أرامكو أولا لسد العجز ولرفع قيمة أرامكو وربما هناك هدف استراتيجي بعيد المدى، وهو إعطاء المجال أمام شركة أرامكو أن تتعامل مع الاستثمارات العالمية وتنشر استثماراتها كأهم وأكبر شركة للنفط والتي يزيد حجمها ثلاث مرات عن شركة إكسون موبيل الأمريكية التي كانت هي تعتبر أكبر شركة غربية في العالم في مجال النفط. وهل ترى أن إنتاج النفط الصخري الأمريكي هو عامل محوري في خفض الأسعار؟ إنتاج النفط الصخري الأمريكي لعب دور صغير رغم مبالغة الصحافة الغربية في حجم هذا الدور، لكن ما أدى إلى انهيار الأسعار هو التخمة في السوق والتي تسببت فيها الدول الأعضاء في منظمة أوبك عندما ينتجون 2.3 مليون برميل يوميا فوق سقف الإنتاج المتفق عليه فيما بينهم وهو 30 مليون برميل يوميا، فهم ينتجون 32.3 مليون برميل، وفي الشهر الحالي رفعوا إنتاجهم بثلاثمائة ألف برميل إضافي أي أصبح إنتاجهم 32.6 مليون برميل، وبالتالي ارتفعت نسبة الفائض إلى 2.6 مليون، وإذا تقيدوا بسقف الإنتاج ستختفي التخمة فورا في أيام قليلة. وما تعليقك على القرار السعودي بعدم خفض الإنتاج؟ هو قرار لا معنى له، الحل الوحيد هو أن تقدم السعودية ومنظمة أوبك بالتنسيق مع روسيا أن يخفضوا الإنتاج بحيث يزيلون التخمة وعندها ستقفز الأسعار خلال أسبوعين أو ثلاثة إلى ما يزيد عن 60 دولار. لكن أحد المسئولين قال إن معدل الإنتاج سيبقى حتى لو وصل سعر البرميل إلى عشرين دولار.. هل هذا سينفذ؟ لا أعتقد ذلك، فمن أدلى بذلك التصريح هو وزير النفط السعودي السابق علي النعيمي وهو أخطأ في سياسته كليا، فسياسته بإغراق السوق العالمي للنفط هي سياسة جُربت في مطلع الثمانينات من قبل الشيخ أحمد زكي اليماني وأثبتت فشلها الذريع وفقد وظيفته في أكتوبر/ تشرين أول من عام 1986 عندما أعفاه الملك فهد، الآن بعد ثلاثين عاما على ذلك الحدث يُعفى وزير النفط السعودي علي النعيمي لنفس السياسة التي أثبتت فشلها وللأسباب نفسها. وما هي الإجراءات الواجب على الدول النفطية اتخاذها للحد من تبعات الأزمة على اقتصادها؟ هناك استراتيجيات بعيدة المدى وأخرى قصيرة المدى، دول الخليج بإمكانها أن تبدأ في إزالة الدعم المالي عن المحروقات والمياه والكهرباء فورا فإذا عملت ذلك فهي توفر 171 مليار دولار كفيلة بخفض معدل انخفاض دخلها من النفط بنسبة 74% كإستراتيجية قصيرة المدى وعلى دول الخليج العربي بدلا من تصدير النفط الخام، فلماذا لا تلجأ إلى تصدير 50% فقط وتكرر النصف الأخر ما يزيد من قيمة صادراتهم كما تفعل روسيا. ولماذا لا تركز الدول النفطية على صناعات البتروكيماويات، فالسعودية خطت خطوات بعيدة المدى فخلال عامين قد تصبح المملكة أكبر مصدر للمواد البتروكيماويات في العالم، وعلى الدول أيضا أن تضبط وترشد الاستهلاك الداخلي فالدعم المالي سبب الإسراف في الاستهلاك، فدول مجلس التعاون الخليجي تستخدم 37% من إنتاجها النفطي إذا استمر هذا الاتجاه فقد يصل عام 2025 ولن تجد السعودية حينها نفط تصدره ويأتي عام 2030 لتتحول دول مجلس التعاون الخليجي من دول رئيسية مصدرة إلى دول صغيرة تصدر مليون أو مليون ونصف برميل وعام 2032 تنتهي صادراتها نهائيا. وماذا عن مصادر الدخل؟ يجب أيضا أن تنوع الدول النفطية من مصادر الدخل وهو أمر هام، فلماذا لا تركز استثمارات الدول على الطاقة الشمسية إذا أحللنا هذه الطاقة بدلا من النفط في محطات تحلية المياه البحر التي تشرب منها دول الخليج لحققت فوائد منها توفير النفط وإطالة عمر وجوده، وزيادة دخلهم واستطاعت أن تنتج من المياه ما يكفي ليس فقط للشرب بل للزراعة وقد تتحول بعدها دول الخليج إلى منطقة خضراء وتحقق الاكتفاء الذاتي. وسبق أن قلت في محاضرة سابقة لي إن دول الخليج لا تستطيع أن تدخل في التصنيع لأنه لا يمكنها منافسة اليابانوالولاياتالمتحدة وكوريا الجنوبية لكنها تستطيع أن تدخل في تصنيع البتروكيماويات لتصبح هي الرائدة في العالم، مجال آخر لتنويع الطاقة فلماذا لا تستخدم دول مجلس التعاون الخليجي نحو 5% من دخلها من النفط في إنتاج زراعي في السودان التي تملك ثالث أكبر رقعة زراعية في العالم بعد روسيا والبرازيل وتمتلك أيضا مياه النيل. وما هي المكاسب التي ستعود على الخليج من هذه الاستثمارات؟ الاستثمار في السودان يحقق للخليج الأمن الغذائي، وربما الاكتفاء الذاتي ويوفر عليها استيرادها من الولاياتالمتحدة من المواد الغذائية والتي بلغت قيمتها في عام 2015 نحو37 مليار دولار ومرجح لها أن تبلغ 57 مليار بعد أربعة سنوات في 2020، وتصدر ما يزيد عن احتياجاتها تصدره بالسعر العالمي وتحقق فائدة للسودان أيضا. الطاقة دائما أداة من أدوات الصراع السياسي بين الدول.. كيف أثر ذلك على المنطقة العربية؟ النفط تحديدا وهو الجزء الأساسي في اقتصاد العالم، وكان بمثابة نعمة ونقمة على العالم العربي، فهو نعمة في أن المبالغ الصغيرة التي استغلت في استثمارات البينة التحتية من دول الخليج جعلت منها دولا متطورة جدا، وأفادت مستوى معيشة السكان، لكنها نقمة لأنها جلبت علينا الحروب منذ اكتشاف النفط في مطلع القرن العشرين وسيبقى أيضا نقمة ونعمة في آن واحد، والتاريخ يزخر بالنماذج لهذه الصراعات. وماذا عن سعر البترول في الفترة المقبلة هل تتوقع ارتفاعه أم انخفاضه؟ متفائل بأن سعره سيرتفع إلى ما يقرب من 60 إلى 70 دولار ما بين الربع الثالث ونهاية هذا العام، وهذا مبني على عدة مؤشرات إيجابية في سوق النفط العالمي الأول أن صندوق النقد الدولي يتوقع أن يرتفع النمو الاقتصادي للاقتصادي العالمي بنسبة 3.2% هذا العام و3.5% العام المقبل، والمؤشر الثاني أن الطلب العالمي سيرتفع كما تقول وكالة الطاقة الدولية في باريس بنسبة 1.1% أي ما يساوي مليون ونصف برميل هذا الحجم من الارتفاع قادر استيعاب التخمة في السوق. المؤشر الثالث هو أن استيراد الصين من النفط في الربع الأول من هذا العام كان 13.4% أكبر من الاستيراد في نفس الوقت من العام الماضي، ورابعا في الولاياتالمتحدة الطلب على "الجازولين" مرتقب له أن يصل هذا العام إلى 10 ملايين برميل في اليوم وهو أعلى نسبة وصلها منذ عام 2008، كما أن حجم الاقتصاد الصيني في العام الماضي وصل إلى 11.5 تريليون دولار هذا الحجم عبارة عن ثلاثة أمثال أكبر مما كان عليه في عام 2007 وهذا يعني أن حجم اقتصاد الصين يحتم استمرار الطلب على النفط. وإلى أي حد قد يصل سعره في المستقبل؟ إذا وضعنا هذه المؤشرات معا لوجدنا أن الإيجابيات في سوق النفط العالمي تستطيع أن تدعم سعر النفط ما بين 60 إلى 70 دولار ومتى ما وصل إلى هذا الحد فإن قوة الدفع سترفعه إلى ما يقرب من 80 دولار في عام 2017.