تشهد الحكومة اللبنانية التي لم يمر على اختيارها عدة أشهر، حالة من التوتر وعدم الاستقرار فهناك توقعات باحتمالية استقالتها عقب جلسة مجلس الوزراء المنتظر عقدها غداً الأربعاء، وعلى جدول أعمالها بند تمويل المحكمة الدولية بلبنان، وهناك من يؤكد أنها ستظل باقية حتى عام 2013. وفي الوقت الذي يعد بند تمويل المحكمة الدولية بلبنان من أهم الأولويات لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي لقناعته بأن "صدقية أي حكومة هي في أن تؤمّن التزامات البلد خاصة مع المجتمع الدولي"، إلا أن نواب ووزراء من "تكتل التغيير والإصلاح" النيابي و"التيار الوطني الحر" بزعامة العماد ميشال عون يؤكدون أن وزراءه العشرة معتكفون حتى تنفيذ شروطهم بوضع عناوين وبنود على جدول أعمال مجلس الوزراء باعتبارها أهم من تمويل المحكمة الدولية. وشدد ميقاتي على أن التمويل هو سبيل لتحقيق العدالة والاستقرار للبنان إلى جانب أنه دليل على التزام لبنان القرارات الدولية. وأشارت عدة مصادر وزارية أن هناك سباقاً بين ميقاتي وتكتل عون حول من يقدِم على الاستقالة أولاً. وجهة نظر عون وحول وجهة نظر الجنرال ميشال عون في تمويل المحكمة الدولية هي أنه إن كان عدم التمويل سيجلب عقوبات على لبنان، يكون كالفدية التي تُدفع لإنقاذ ابن مختطف. واستغرب عون المهلة التي حددها رئيس الحكومة لتسديد المبلغ، رغم أن الأممالمتحدة نفسها لم تحدّد سقفاً لذلك.
مساعي للخروج من الأزمة وللخروج من هذه الأزمة التي تدفع رئيس الحكومة بالتهديد بالاستقالة وبين إصرار تكتل عون على موقفه الرافض لتمويل المحكمة الدولية، قام رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بعدة اتصالات لحل الأزمة الحكومية، في محاولة منه لمساعدة ميقاتي. ولفتت مصادر رئيس مجلس النواب إلى أن كافّة المخارج لتسوية موضوع تمويل المحكمة ومقاطعة وزراء التيار الوطني الحر تبدو راجحة، وأبدت أملها في أن تنعقد جلسة مجلس الوزراء غداً الأربعاء وأن يتم التمويل من خلال مخارج عديدة من دون اضطرار الرئيس ميقاتي إلى الاستقالة. وأبرز هذه المخارج أن يصوّت وزيرا حزب الطاشناق والوزير نقولا فتوش إلى جانب ميقاتي فيرتفع عدد الموافقين على التمويل إلى 15 وزيراً أي نصف عدد الوزراء على أن يغيب وزير من الوزراء المعترضين على التمويل فتكون الأرجحية لتمويل المحكمة. وطرح آخرون مخرجاً من خلال توقيع مرسوم عادي من قبل رئيس الجمهورية ميشال سليمان والرئيس ميقاتي ووزير المال محمد الصفدي . من ناحيته، أعلن النائب وليد جنبلاط رئيس جبهة النضال الوطني أنه طالما أن مسار المحكمة الدوليّة مستمر، فقد يكون من باب أولى سلوك طريق التمويل للحد من الاحتقان الداخلي. وجدد جنبلاط النصيحة إلى كل المعنيين بأن تمرير التمويل فيه مصلحة وطنيّة لبنانيّة عليا، وبحصوله نتلافى السقوط في عقوبات اقتصادية أو تشنجات داخلية. وقال جنبلاط في موقفه الأسبوعي عن الحزب التقدمي الاشتراكي :"كي لا تتحول كل القوى السياسيّة اللبنانيّة أسرى لمواقفها المتصاعدة في ملفات إشكاليّة ومعقدة، فإنه من الأفضل لها جميعاً أن تعيد قراءة هذه المرحلة بدقة بالنظر إلى حساسيتها العالية، وهو ما يحتّم على اللبنانيين أن يتعاطوا بهدوء وروية مع المتغيرات الإقليمية الكبيرة للحيلولة دون انعكاسها سلباً على الواقع الداخلي وانسداد الآفاق نهائيّاً مع الأخذ في الاعتبار المأساة في سوريا حيث يطغى الحل الأمني عما عداه من حلول سياسيّة وآخرها مبادرة الجامعة العربيّة". وأضاف نجدد النصيحة إلى كل المعنيين بأن تمرير تمويل المحكمة الدوليّة فيه مصلحة وطنيّة لبنانيّة عليا، وبحصوله نتلافى السقوط في عقوبات اقتصاديّة أو تشنجات داخليّة. وتابع جنبلاط صحيح أن مسألة المحكمة الدولية تُشكل للبعض توجساً معيناً، إلا أنها تعتبر بالنسبة للبعض الآخر، مساراً حتمياً لكشف حقيقة الاغتيالات السياسيّة التي طاولت رجال دولة وكتّاباً ومفكرين وصحفيين. وأعلن محمد فنيش وزير التنمية الإدارية من السراي: "أنا مع بقاء الحكومة ولم نسمع وزراء "التغيير والإصلاح" يتحدثون عن مقاطعتها". وسيطرح بند تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على طاولة مجلس الوزراء في 30 الجاري، وسيبحث إقرار أو عدم إقرار دفع لبنان حصته من التمويل والبالغة حوالي 33 مليون دولار، ويضم جدول أعمال الجلسة 69 بنداً. معارضون من جانبه، أكد شربل نحاس وزير العمل أن سبب رغبته في مقاطعة جلسات مجلس الوزراء ليست بسبب مسألة وجود بند تمويل المحكمة، بل بسبب ربط عمل الحكومة ومصيرها بعملية التمويل. ورأى نحاس في حديث إذاعي أن بند التمويل ليس من البنود الهامة، وعندما يحين وقت طرحه يطرح على التصويت، فإمّا يمر أو لا يمر. وفي موضوع الأجور، شدد نحاس على أن "ما وعد به الناس سيحصلون عليه، حيث كان الوزير أحال إلى رئاسة الحكومة مرسوم تصحيح الأجور الذي اعتبره التكتل من المواضيع التي يشترط بحثها بموازاة إصرار ميقاتي على تضمين جدول الأعمال بند تمويل المحكمة. من جانبه، اعتبر غابي ليون وزير الثقافة في لبنان أن موضوع تمويل المحكمة الدولية هو موضوع ثانوي جدا أمام الموضوع الإصلاحي الذي تقدمنا به منذ 5 أشهر. وأضاف أنه تفاجأ بموقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حيث ربط بقاء الحكومة ونجاحها بموضوع جزئي وتفصيلي هو تمويل المحكمة، وأكد أن موضوع تمويل المحكمة أو عدمه لن يؤثر عليها. ورأى النائب محمد كبّارة عضو كتلة "المستقبل" أن تهديد ميقاتي بالاستقالة ليس إلا مناورة سياسية بائسة، وأضاف أن كل ما يحكى عن استقالة ميقاتي إنما يندرج تحت عنوان توزيع الأدوار. وفي نفس السياق حذر "المفتي الجعفري الممتاز" في لبنان الشيخ أحمد قبلان من خطورة جعل قضية تمويل المحكمة الدولية مادة لتعميق الخلاف بين اللبنانيين وتحويلها متراساً للتراشق السياسي والتجييش الطائفي والمذهبي وتكريس الانقسام وبالتالي الدفع بلبنان إلى الخيارات الصعبة وحشره في الزوايا المتفجرة، داعيا ميقاتي إلى التروي الجريء وعدم التسرع وتقديم مصلحة اللبنانيين على سواها من المصالح والغايات الأخرى. لا يمكن استقالة ميقاتي بقرار ذاتي من جانبه أكد النائب أحمد فتفت عضو "كتلة المستقبل" أن تمويل المحكمة الدولية من واجبات نجيب ميقاتي كرئيس للحكومة، وسبق أن التزم به أمام الناس وبثوابت دار الفتوى. واستبعد فتفت استقالة مجلس الوزراء لأسباب عدة، أولها أن هذه الحكومة لم تأت صدفة بل بقرار سوري مدعوم من "حزب الله"، ومن غير المسموح لميقاتي الذهاب بقرار ذاتي واستقالته تحددها الظروف السياسية، وبالتالي فإن قرار إسقاط الحكومة لم يتخذ بعد من تحالف "حزب الله" والنظام السوري. وتوقع أن تكون هناك مقاطعة لجلسة مجلس الوزراء الأربعاء، وألا يكتمل النصاب، بعدها ينأى ميقاتي بنفسه عن الأزمات ويذهب إلى الاعتكاف، وهذا سيكون مخرجاً له، ولكن في الوقت عينه يكون قد وضع في الدرج ورقة تسمح له بالعودة إلى الحكومة ساعة يريد، لأن برأيه أن الناس ستنسى حينها موضوع التمويل.