بقلم/ صلاح بديوي في مقاله أمس بجريدة الأخبار كتب جلال عارف يقول "ولقد كان في مقدور المجلس العسكري، أن يجنبنا كثيرا مما نعانيه اليوم، لو أنه حسم الأمر، وسار بالثورة، التي كان شريكا فيها، إلى نهاية المسار، بدلاً من أن يقف في منتصف الطريق، مكتفيا بما تم من إسقاط رموز النظام".
وأضاف "لم يكن مطلوبا من المجلس العسكري أن يقف على مسافة واحدة من كل القوى، كما يقول بل أن يضرب كل قواعد النظام السابق السياسية والاقتصادية، وأن يجمع كل قواعد الثورة الحقيقية نحو رؤية شاملة للدولة الجديدة، فالثورات لا تقوم على نفس السياسات التي فرضها النظام البائد، والفترة الانتقالية التي لا تنتهي بتمكين قوى الثورة الحقيقية من الحكم هي دعوة لاشتعال الثورة من جديد".
إلى هنا نكتفي بما اقتطفناه من مقالة الكاتب الكبير جلال عارف، وإذ أثبت هنا أن ما توجهت به من انتقادات خلال الأيام الماضية لسياسات المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ما هو إلا واجب يمليه على ضميري، أقر بأنه كان الهدف منه الحرص على صورة جيشنا.
وأؤكد أن النقد لا ينتقص على الإطلاق من قدر تلك المؤسسة العظيمة، في ضميري ووجداني، ومكانة قادتها ومجلسها الأعلى، ومعرفة فضلهم ودورهم في حماية ثورة 25 يناير المجيدة، مثلما أثبت هنا أيضاً قناعاتي الكاملة بأن غالبية ثوار التحرير الآن خرجوا من منطلقات وطنية بحتة للدفاع عن الثورة.
نعم، خرجوا للمطالبة بتحقيق ما تبقى من مطالب الثورة، وما تعرضوا له من عمليات إطلاق نار وقنابل غاز جريمة إنسانية من الطراز الأول، لا بد أن يخضع من ارتكبها للمحاكمة.
يجب أن يتم تعويض ضحايا الأيام الماضية؛ حماية لثورتنا، وحفاظا على نظافة سجل قواتنا المسلحة، التي نفى قادتها مرارا أي دور لهم في عمليات القتل والاعتداءات التي تعرض لها ثوار التحرير، وهو نفي أتمنى من كل قلبي أن يكون صحيحاً.
وبعد أن سجلت تلك الملاحظات، أشير إلى أننا نرى كمراقبين لتطورات الأحداث ومجريات وفعاليات الثورة في بلادنا، نري الصورة من جانب واحد، ولا تتوفر لدينا المعلومات التي تجعلنا نرى تلك الصورة كاملة من جميع الوجوه، ومن هنا يجيء تقييمنا للأمور في كثير من الأحيان ناقصاً.
ناقصا؛ لأننا نعتمد على معطيات ناقصة، وأدلة غير مكتملة، ومن هنا يجيء حكمنا على الأمور في غير محله، لأن أجهزة الدولة السيادية تتوفر لديها كافة المعلومات المتعلقة بسياسة الدولة وإدارة الحكم، ومصالح الناس، والأمن القومي المصري.
وعلى سبيل المثال، قد يؤدي صدور قرار سياسي واحد في غير محله إلى تحرك قوى معادية لمصر، وفرض حصار قمح عليها، وساعتها يجوع الناس، لتخرج وتطيح بكل شيء طلباً للخبز، وقس على ذلك في كل المجالات.
وفي الدولة قادة صغار نطلق عليهم فلول نظام سابق، يمسكون بمقاليد الأمور؛ في البنوك، والشركات، والمؤسسات، والمصالح الحكومية، والوزارات، لديهم دولاب عمل معين، وأسرار عمل لو تم تطهير الوطن مرة واحدة منهم بالقطع ستنهار الدولة.
وفي الدولة شخصيات، يتم استخدامها في أعمال معينة، بتلك المرحلة، والخلاص منها ربما يجعلنا لا نجد بديلا لها، وساعتها سيتعثر إنجاز تلك الأعمال.
وعلى سبيل المثال، وزيرة الدولة للشئون الخارجية والتعاون الدولي من فلول نظام مبارك ولا تزال بالوزارة، ومن أسباب وجودها علاقاتها القوية جدا بدوائر خارجية، بحيث تمكنها هذه العلاقات من جلب مساعدات ومعونات اقتصادية لمصر في تلك المرحلة، إضافة إلى دور سري لها في مساعدة الدوائر المصرية في استعادة الأموال التي هربها فلول النظام السابق خارج مصر.
ولو تابعنا تطورات التغيير التي تتم بشكل ممنهج بمصر مثلا خلال الأيام الماضية، هذه التطورات التي لا يشعر بها أحد، نجد تغييرا وتطهيرا شاملا في قيادات المجلس الأعلى للصحافة، حيث تم إسناد مواقع قيادية بالمجلس، وتعيين أعضاء في داخله غالبيتهم فوق مستوى الشبهات.
وفي البنك المركزي تم الإبقاء على فاروق العقدة، رغم أنه من فلول نظام مبارك، إلا أنه أثبت نجاحا في المحافظة على قيمة الجنيه المصري في أشد الفترات تدهورا للاقتصاد المصري؛ مقابل تطهير البنك المركزي ومجلس إدارته من كل رجال جمال مبارك.
هذا، إلى جانب تعيين رئيس وزراء جديد، ومنحه صلاحيات واسعة، وهو الدكتور كمال الجنزوري، هذا الرجل المشهود له بنظافة اليد والصلاح والتقوى، وحب الوطن، وأتوقع أن يستكمل ما تبقى من مسيرة التطهير المطلوبة، وإصدار قانون إفساد الحياة السياسية.
وتسليم نقابة المهندسين المجمدة منذ أكثر من عقد ونصف إلى الأعضاء فيها، حيث تم إجراء انتخابات فيها لاختيار مجلسها، ومجالس النقابات الفرعية في مختلف أرجاء المحافظات، بعد أن نفذت الحكومة حكم الدستورية بإلغاء القانون المشبوه رقم مائة، والذي سبق وأصدره مبارك من أجل الهيمنة على النقابات.
والعبد لله، وهو يوضح تلك الأمور، يسجل وجود أمور لا يستطيع تفهمها، مثل الإبقاء على الأحزاب التي أفسدت الحياة السياسية، وكان يتعين صدور قرارات حل لها؛ مثلما تم حل الحزب الوطني!!
وأيضا احتضان أصحاب القرار لعدد من رجال أعمال كانوا شركاء للعهد البائد، بل من أبرز المروجين لمشروع التوريث، وترك قيادات الحزب الوطني تخوض انتخابات مجلس الشعب، إلى جانب ترك الفوضى الأمنية بالوطن، وكان من الممكن للشرطة أو الجيش أن يسيطرا عليها خلال 48 ساعة، وهو الأمر الذي ألحق بوطننا خسائر فادحة.
إنني، إذ أكتب ما سبق أسجل إعجابي الشديد بأداء رجال الشرطة والجيش في الانتخابات البرلمانية التي بدأت أولى مراحلها أمس الاثنين، تلك الانتخابات التي تجري في مصر الآن تحت إشراف القضاء المصري العظيم، وحماية خير أجناد الأرض.
ومن اللافت للنظر اختفاء "البلطجية" من دوائر الانتخابات تماما، حيث هربت الفوضى، وسادت الفرحة مصر وسادها الأمن والأمان، بعد أن سيطر رجال الأمن على كل عنصر حاول اللجوء للعنف، حين تم توقيفه على الفور، وتقديمه للعدالة.
تجرى الانتخابات في نزاهة غير مسبوقة، أذهلت المراقبين داخل مصر وخارجها، وأكدت للجميع أن قواتنا المسلحة العزيزة متى تقول تفعل، ومتى تعد تفِ.