الحاجة لبناء رأس للثورة المصرية حاجة لاغنى عنها, تماما كحاجة الجسم الحى للماء والهواء. وربما تُحسد الثورة الشعبية المصرية, لإستمرارها منذ يناير, وإعادة إحيائها فى نوفمبر, فقط بالمليونيات كجسم للثورة, وفى غياب رأس لهذا الجسم, الأمر الذى يستحيل إستمراره. ومما يزيد حدة الحرج الذى يحيط بإستمرار غياب رأس للثورة المصرية, أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة, بحكم تخصصه, لايملك الخلفية السياسية لإدارة شؤن البلاد, وإلا لما شهدت مصر حالة التأزم الجارية, ولشهدت سلاسل إنقلابات عسكرية, على غرار ما شهدته بلدانا فى أمريكا اللاتينية وأفريقيا فى أوقات سابقة. ولقد فاقمت النخبة المصرية, كبارا وشبابا, من الأزمة بعدم تمكنهم, أو حتى محاولتهم, التوصل الى طريقة لتشكيل "مجلس قيادى جماعى للثورة", والذى نودى به مرات, على مدى الأشهر الماضية. من ناحية أخرى, للنخبة المصرية العُذر. ذلك أن الثقافة المصرية العامة قد عانت من عدم الإهتمام بالطريقة Methodology , الأمر الذى تقاسيه البلاد لسبب رئيسى جزئى, وهو المعاناة, على مدى عقود مضت , من سياسات (ومجتمع) القائد الواحد. الأمر الذى أدى الى التدنى بأهمية الطريقة (أو المنهجية العلمية) فى العمل العام, طالما كان هناك القائد الواحد الذى جعل نفسه بديلا للمنطق, والمنهج, والرؤى والأعمال الجماعية. وربما أيضا بسبب تواضع الإهتمام بالطريقة, حدث بأن تنادى البعض (ولايزال) بتشكيل مجلس للرئاسة, وهو أمر لايُعد مناسبا لعديد من الأسباب والإعتبارات السياسية والإدارية, ولايتلائم مع حالة الثورة. ذلك أن السلطة هى الثورة (ممثلة فى مجلس قيادتها), وليست لرئاسة ما, سواء كانت فرد أو مجموعة. هذا إضافة الى أن إدارة شؤن البلاد, والمنوطة مرحليا الى المجلس اللأعلى للقوات المسلحة المصرية, لابد وأن تجرى فى سياق إطار مرجعى من التوجيهات, والتباحثات, والمتابعات, من مجلس ثورة, وليس من رئيس أو مجلس رئاسة. وهكذا, فى ظل عدم توفر الإمكانيات أو الموائمات, بشأن "مجلس قيادى جماعى للثورة", أو حتى مجلس رئاسة, فإنه من الضرورى توليد بديل (منطقى وسريع وجماعى) يكون بمثابة المكتب التنفيذى لتسيير شؤن الثورة, من أجل حمايتها وإستكمالها. هذا الكيان يُعدُ إطارا مرجعيا للتسيير الإدارى لشؤن البلاد بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. الحاجة الى هذا البديل, فى اللحظة الحالية للثورة, هى حاجة تاريخية, للأسباب التالية: - ماتواجهه الثورة (وستظل تواجهه) من أزمات فى ظل غياب رأس لها. - وجود مظاهر لصدع فى مقاربات نشطاء قوى الثورة والتيارات السياسية بشأن الإنتخابات, خاصة وقد أصبح لتصريحات الرئيس الأمريكى ومساعديه توجها ضاغطا, بخصوص ضرورة إجراء الإنتخابات فى موعدها. ذلك بينما هذا الأمر يعتبر شأنا مصريا خالصا, ومن الضرورى أن يجرى فى إطار يتوافق مع المسار الثورى, ولايكون عبئا عليه. هذا إضافة الى أن الإنتخابات – فى ظل الأزمة الحالية للثورة - لاتحمل من تعبئة وطنية بقدر ماتحمل من عبء صراعى, الأمر الذى لابد وأن يأتى بشأنه ترتيبا مدروسا بواسطة كيانا ثوريا, وليس بواسطة المجلس الأعلى للقوات المسلحة, والذى قد يأتى قراره مدفوعا بحرج الظروف والضغوط, أو غير معتمد على المنظور السياسى الثورى. - مالايمكن تخطيه من إهتزاز للثقة فى توافقية أداءات المجلس الأعلى مع متطلبات الثورة. - الحاجة الى وجود مايشبه المكتب التنفيذى للثورة, والذى يدير شؤنها, من رسم للمسار الثورى, وتنسيق للمليونيات, ومتابعة أعمال المجلس العسكرى والحكومة. ذلك إضافة الى متابعة للمحاسبات القانونية والسياسية, بشأن ماجرى من عنف وقتل تجاه المتظاهرين السلميين. من أجل ذلك يمكن إقتراح لتشكيل "الهيئة العليا لإستكمال وحماية الثورة" على النحو التالى: 1- شيخ الأزهر. 2- رئيس مجلس القضاء الأعلى. 3- نقيب الصحفيين. 4- نقيب المحامين. 5- رئيس إتحاد العمال المستقل. 6- ممثل لمنظمة "كفاية" 7- ممثل لمنظمة "6 أبريل. 8- ممثل لمنظمة الجبهة (أو الجمعية) المصرية للتغيير. 9- السيدين/ عبد الخالق فاروق, وعبد الحليم قنديل. هذا, ويتلاحظ من التسميات الواردة أنها تجمع بين شخصيات موجودة بالفعل فى مواقع قيادية عليا, سواء على المستوى الرسمى للدولة (حيث لها بالفعل علاقات مؤسسية مباشرة أو غير مباشرة مع حالة الثورة), أو على المستوى المدنى (من خلال مؤسستين نقابيتين تتصل مجالات أعمالهما بشكل مباشر مع قضايا الرأى والديمقراطية ومقاومة الفساد, ويعتبرا بإستمرار بمثابة ترمومتر للحياة السياسية), أو على المستوى الجماهيرى الثورى (عبر المنظمات الثلاث التى تأسست قبل الثورة من أجل مناهضة النظام السابق, وقامت عندئذ بمساهمات محورية فى التصدى له ولنظام أمنه). ذلك إضافة الى شخصيتين, كان لكل منهما فضل السبق بموا جهة مباشرة, وغير مسبوقة, مع رأس النظام السابق, من خلال إصدار كتابا علنيا يوجه له الإتهامات و/أو يدعو الى رحيله. بالإرتكاز على هذا المقترح نتمنى مايلى: 1- تواصل الشخصيات المقترحة مع بعضهم بعضا, ودراسة المقترح المقدم, والإرتقاء به, وفقا لرؤيتهم الجماعية, الى التنفيذ. ذلك على أن يتقدموا للحصول على ثقة شارع الثورة, من ميدان التحرير. 2- أن تقوم هذه الهيئة العليا بإدارة شؤن الثورة, فى سياق وإطار من التعامل مع كافة الأطراف من السياسيين والتنفيذيين فى البلاد, وأن تشكل كيانات مساعدة (وإستشارية) لها من المفكرين والسياسيين والشباب من قوى الثورة. 3- أن يرى المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذه الهيئة العليا لإستكمال وحماية الثورة ككيان مشارك له, يصنعا معا القدرة على الإنضاج والتكامل والإستمرارية لشؤن الثورة المصرية.