مضى على تخرجي بضعة أشهر من كلية آداب قسم لغات شرقية كنت أجيد التحدث بثلاث لغات مختلفة ولدي القدرة على عمل محادثة طويلة دون تلعثم أو توقف في فندق خمس نجوم مطل على النيل مباشرة ببنائه الشاهق الأنيق عملت في الاستقبال أرتدي الزي الرسمي الكحلي الأنيق جاكت كلاسيك وتنوره ضيقة حدودها ملاصقة لركبتي .... الحذاء كعب عالي يعلوه سيقان جميلة داخل جوارب كريستال شعري مصفف وعلى وجهي القليل من المساحيق بها يتأكد الجمال أسير مزهوة بما حوذت شباب وجمال وعمل يتمناه الكثيرون وربما حقدوا علي في الوقت الذي يتقاضى فيه خريج الجامعة داخل أروقة دواوين الحكومة ثمانية وأربعين [جنيهًا]كنت أتقاضى أنا ما يفوق الست مائة جنيه فضلا عن الأرباح السنوية في نهاية العام ولكن كنت أنفقه كله لايتبقى منه شيء بل وأنتظر في الأيام الأخيرة للشهر انتهاءه لأتقاضى الراتب الجديد
أنحدر من أسرة متوسطة الحال بالمعادي لم نشعر بما يشاع عن غيرنا بالضائقة المادية يجاورنا [بعض]من نجوم المجتمع أو بعض الذين أصبحوا نجوم المجتمع فيما بعد
سادت عائلتي القيم المجتمعية المتعارف عليها فكان يندرج على لسان [والديَّ]هذا صح وهذا خطأ ولكن شح مصطلح الحرام والحلال [الذي] لم تكتس به سلوكياتنا كثيرا فأسرتي تصوم وتصلي وتلتزم بآداب المجتمع العامة هكذا نشأت وهكذا درجت تزوجت بعد استلام عملي بقليل بزميل دراسة لي نشأت بيننا عاطفة كانت شرارة البدء لاقترابنا فيما بعد وفي هذا الفندق رأيت أحداثا كثيرة بعضها عام وبعضها يخص بعض نجوم المجتمع المصري أو العربي والخليجي بشكل خاص عاصرت تلك الحادثة التي كان أبطالها مطرب شعبي مصري وأمير عربي كانا يتنافسان على الفوز براقصة فكاد الأمير العربي بالمطرب بعمل بشع انتقل على أثره إلى المستشفى وهو في حالة خطيرة جدا
رأيت بعضا من الفنانين والفنانات وبعضهن يجافيهن الجمال وروافده أما وجوههن التي نراها على الشاشة لاأعرف كيف يصنعونها أمير عربي آخر شبه مقيم بالقاهرة هو وعائلته ........... لاأنسى ذلك اليوم كانت ابنته ذات الأربعة عشر عاما تفتح باب الأسانسير فتطلع إليها أحدهم شاب في الثامنة والعشرين من العمر فما كان إلا أن سحبه الحرس الشخصي بعد أن ادعت عليه زورا بأنه عمد إلى لمسها والتحرش بها وفي جناحها الخاص جرده الحرس الخاص بها من ملابسه ونكلوا به إذ كيف يجرؤ على التطلع إليها وهي الأميرة ولكنها أميرة لم تتعلم كيف تكون أميرة بالفعل فقد تربت ونشأت على أن الناس إما سادة وإما عبيد ويبدو أنه تجذر بداخلها أنها من الصنف الأول لذلك لم تستطع الوقوف في مصاف الأميرات الحقيقيات زلزال مصر الشهير في أكتوبر 1992 كنت وقتها بالحمام في الفندق وسمعت جلبة بالخارج ورأيت كل شيء يهتز من حولي أصابتني رجفة تزلزل قلبي واهتز مثل اهتزاز الأرض وجدتني أخرج من الحمام مسرعة أنطق الشهادتين وأتمتم بالاستغفار وأقول لنفسي يا هلاكي المحقق لو سقط هذا البناء الشاهق بمن فيه وكنت واحدة من الضحايا كيف ألقى الله وأنا الحارس الأمين على معصية الله فهذه الطوابق التي تعلوني تمارس فيها الفاحشة بأنواعها زنى ولواط وسحاق وشرب الخمر ولعب القمار وفاعلوها [آمنون مطمئنون] تحت سمعنا وأبصارنا جميعا وأنا واحدة من القائمين على رعايتهم لأول مرة أقف مع نفسي في لحظة فارقة أين أنا وإلى أين اتجه أعود إلى البيت توقفت الأرض عن الاهتزاز وما توقف قلبي وجدتني لاأتوقف عن الاستغفار والإكثار من الصلاة فتحت صوان الملابس استخرجت قطعة من القماش اشترتها لي أمي وبدأت أقصها وأنفذ ماكنت أراه في برنامج كاريمان حمزة التي كانت تعرض فيه كيفية عمل الحجاب وعلى الفور قمت بالتنفيذ وذهبت إلى عملي في اليوم التالي وأنا أرتدي الحجاب قابلني مديري المصري وتعجب من شكلي هل هذا لكسر الملل والروتين أم أنه بصفة دائمة؟ أجيبه بل بصفة دائمة يستنكر فعلي ويقول عودي إلى عقلك أما العجيب في الأمر هو مديري الأجنبي رحب بجديدي وأثنى عليه مازالت ردود الفعل من حولي تتراوح بين الرفض والقبول بيد أن الرفض كان أكثر أذهب بصحبة زوجي فيما بعد لزيارة والدي يسبقني زوجي ويخبرهم بجديدي أسمعه قبل أن يروني يقول "حالا تحضر وترونها بالحجاب"بينما أنا أخلع الإيشارب على السلم وأتقدم تجاههم فيقولون لزوجي متعجبين "أين هذا الحجاب "؟فأجيب نيابة عنه وأقول" حجاب إيه وهل أنا جننت" لاأعرف مالذي اعتراني عند بيت عائلتي فصورتي المخزونة في وجداني هي دون الحجاب ظللت أجاهد نفسي التي بين جنبي ورغم ارتدائي إيشارب وجوارب ثقيلة إلا أني أشعر أني مازلت دون الالتزام وشيء ما يعتمل في صدري
ست سنوات تلت هذا الزلزال وتلت حجابي وبدأت الغوص والجوس فيما يجب أن أفعله ومالا يجب وعلى قلبي يجثم شيئا ما غير مريح وفي حلقي غصة فأين الخطأ؟
مازلت الحارس الأمين للعصاة من كل صنف ليس لي ولاية عليهم ولكن بالطبع لي ولاية على نفسي التي دار بيني وبينها هذا الحوار لن تحصلي على هذا الراتب في أي مكان آخر يرزق من يشاء بغير حساب وما شأنك بالعصاة ؟ العصاة موجودون في كل مكان لن أشارك في تهيئة المناخ لممارسة الرذيلة ولن تصلحي الكون فالخير والشر متلازمان مابقيت الحياة على سطح الأرض أضعف الإيمان أن أنأى بنفسي بعيد عنهم سوف تندمين سأصلي صلاة استخارة تخبو نفسي أسيفة
بالفعل صليت صلاة استخارة وفي تلك الفترة ظهر في مصر ماسموا أنفسهم بعبدة الشيطان فأراني في الرؤياكلما هممت بالخروج من الفندق جذبني عبدة الشيطان إلى داخله استيقظت من نومي وقد عرفت المنطقة التي أقف فيها تقدمت باستقالتي وفي البداية رفضت وقال لي المدير راجعي نفسك ولكن كنت قد اتخذت قرارا لارجعة فيه وخرجت من الفندق وشعرت براحة مازالت تعتمل في صدري حلت محل الضيق وبعد ذلك بعام عملت أمينة مكتبة بالتربية والتعليم أما راتبي فكان سبعين جنيها في السابق كنت أشتري بهذا المبلغ الزهيد بعض المخبوزات ولكن الآن وبعد أن زال الهم الجاثم على صدري فلا شيء يساوي راحة البال.