صدر مؤخراً عن دار البشير للثقافة والعلوم كتاب "مآذن من بشر ...أعلام معاصرون" للأستاذ الدكتور خالد فهمى إبراهيم أستاذ اللغويات فى كلية الآداب جامعة المنوفية، والرئيس الأسبق لدار الكتب، والأستاذ أبوالحسن الجمّال.. الكاتب والباحث فى مجال الدرسات التاريخية والأدبية. ويتناول المؤلفان عددا من الشخصيات المعاصرة الذين جاهدوا علميًّا بدائرتي العلوم الشرعية بما هي علوم غايات, والعلوم العربية بما هي علوم الآلات، وقد كان التجلي المادي للنشاط الفكري لأمثال هؤلاء الأعلام سببًا في استبقاء النموذج المعرفي الإسلامي في العصر الراهن الذي مورست فيه صنوف من التشويه على العقل المسلم المعاصر. فى القسم الأول والذى كتبه الدكتور خالد فهمى يلقى الضوء على منجز العديد من الشخصيات الرائدة من الرموز "التى افتتحت ميادين، وعبدت طرقًا، ومهدت سبلًا، ودفعت شبهًا، وأسقطت تهمًا، وأحيت مواتًا، وفجرت ينابيع طرحها الجمود والتقليد، وذكرت بقضايا طالما لفها النسيان، ونقضت أبنية شيدها الاستشراق والاستعمار، وهدمت أساطير، وفضحت أكاذيب، وعرَّت أعلامًا، وأخرست أبواقًا طالما نعقت في وجه الفكر الإسلامي". تناول الدكتور "على عبدالحليم محمود" وجهوده فى مجال التربية الإسلامية ووسائلها، ومحاضنها، وركائزها في الإطار الحركي والتكويني لأبناء الحركة الإسلامية, حتى غدا واحدًا من أهم المصادر المعاصرة في هذا المجال بمنجزه الثري الذي خلفه في هذا المجال، وتناوله لدور المرأة المسلمة من خلال كتابه "المرأة المسلمة وفقه الدعوة إلى الله". كما تناول ذكرياته فى مقاله عن الدكتور عبدالوهاب المسيرى، أثبت من خلاله أنه واحد من الأعلام الذين خلدوا فى متن التاريخ بكتبه الحجة التى كشف فيها النقاب عن الصهيونية وجرائمها. وكان حديثه عن الدكتور النبوى شعلان وأبعاد الجهاد العلمي الذي اضطلع به, بما هو واحد من أكبر المضطلعين بإعادة إحياء عدد ضخم من المؤلفات الأصول الخاصة بنظرية النقد العربي التي نبتت في الأرض العربية الإسلامية، متعاطية مع النصوص التي شكلت السياق الحاكم للعقل والوجدان العربي المسلم. والدكتور عبدالعظيم الديب، ابن دار العلوم الذى تخرج عام 1956 فى نفس الدفعة التى تخرج فيها العالمان الجليللان عبدالصبور شاهين، ورمضان عبدالتواب، وقد انشغل الديب- رحمه الله- منذ بداياته الأولى بواحد من أعلام الفقهاء الشافعية والأصوليين الأفذاذ والكلاميين المتقدمين؛ وهو إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك بن يوسف الجويني 478 ه ؛ وهو الأمر الذي أنتج للمعرفة الفقهية والأصولية المعاصرة الكتابين التاليين:" إمام الحرمين: حياته وعصره، آثاره وفكره، مع تحقيق كتابه: البرهان في أصول الفقه.. وهي عمله لدرجة الماجستير، وكتاب "فقه إمام الحرمين: خصائصه وأثره ومنزلته".. وهي عمله لدرجة الدكتوراه. ثم يعرج الدكتور خالد فهمى ليستعرض جهد وفكر راهب الفكر الإسلامى العلامة أنور الجندى، الذى جاهد على مدار 60عاما قضاها فى محراب العلم ينقب ويناقش معارضى الفكرة الإسلامى بالحجة والبرهان، يكافح التغريب وأذنابه فى العالم الإسلامى. وبرغم ما كان من تأييد أنيس منصور للتطبيع مع إسرائيل ، فإن الكاتب حسب له إنجازه بكتاب بترجمة كتاب (العظماء مائة) لمايكل هارت، وإسهامه في أدب الرحلات وقدم بضع كتب مهمة فى هذا المجال منها (حول العالم فى 200يوم)، والتراجم للمعاصرين فى لغة أدبية بديعة، ومنها: كتب (عاشوا في حياتي)، و(في صالون العقاد كانت لنا أيام) . ثم يستعرض دور الدكتور توفيق الشاوى، المفاوض الذكى، والتى ألحت عليه قضايا وحدة الأمة واستقلالها منذ بواكير حياته وهو يدرس فى فرنسا وهو ما تجلَّى بأعلى صورة في خدمة قضايا التحرير لبلدان المغرب العربي، ولا سيما المغرب والجزائر. وتناول الكاتب دور الدكتور حلمى القاعود فى مجال الدرسات الأدبية والفكر الإسلامى وتنظيره لمصطلح الأدب الإسلامى وتصديه لضجيج الحداثة والحداثيين الذى يفرضون فكرهم بالقوة المسلحة، وتناول دور أعلام آخرين مثل الدكتور رمضان عبدالتواب، والدكتور سعد مصلوح، والشاعر الدكتور جابر قميحة، والدكتورعبدالصبور شاهين، والدكتور عبدالعظيم المطعنى، وعالم الاجتماع الدكتور أحمد المجذوب، والدكتور مصطفى الشكعة، والمستشار الدكتور على جريشة.. أما فى القسم الثانى الذى كتبه الأستاذ أبوالحسن الجمّال، تحت عنوان "أعلام معاصرون فى الفكر والأدب"، وقد أختار 13 شخصية تنوعت بين التاريخ، والأدب، والعلم، فبدأ الحديث عن مؤرخ الأندلس الأستاذ محمد عبدالله عنان، الذى تفرغ للعلم وتحمل مشاقه فلم يهنأ يوماً، ولم يخلد للراحة، وإنما أضاف الجديد للعلم كل يوم، ووجد سعادته بين التأليف والرحلة فى سبيل العلم، ولم يكتف بما هو متاح مكتوب، وإنما نهل من المخطوطات الموجودة فى دور الكتب العريقة فى مصر، وتونس، والمغرب، والأندلس، وفرنسا، وهولندا، وانجلترا، فقد قصد هذه المكتبات فى رحلات علمية كان ينفق عليها من ماله الخاص، ولم يتوقف طموحه عند هذا الحد، بل زار الأصقاع الأندلسية الدارسة واستخدم مذهب "المعاينة" ونتج عن هذه الجهود دراساته العميقة والرصينة، والتى مازالت تحتل أفق الدرس العلمى ينهل منها الباحثون وعامة القراء لأسلوبها السهل الممتنع الأدبى الممتع. ثم عرج ليتحدث عن اللواء الركن محمود شيت خطاب، رب السيف والقلم الذى اشترك فى عديد من المعارك، وفى حرب فلسطين، وقد كان مثالا للضابط المؤمن الملتزم خلقياً وعلمياً ..لم ينجرف غلى الحياة الصاخبة المعربدة التى كان يحياها البعض من زملائه وقادته وقد كانوا يضغطون عليه لينجرف معهم وقد أبى وقد خلف العيد من الدراسات الفائقة الرائدة فى العسكرية الإسلامية. وتحدث الكاتب أبوالحسن عن الرائد الدكتور حسين مؤنس، الذى تنوعت كتاباته وآثاره فجمعت بين التاريخ والأدب، فأطلق عليه "مؤرخ الأدب وأديب المؤرخين"، وهو فى هذا الصدد يعد امتدادا لمؤرخى الاندلس العظام الذين كتبوا التاريخ بلغة الأدباء مثل: ابن حيان، وابن بسام، وابن القوطية، وابن حزم، وغيرهم. كما تحدث عن المؤرخ الدكتور أحمد شلبى.. هذا المؤرخ الموسوعى، الذى خلف لنا عشرات الكتب وأهمها على الإطلاق موسوعاته: "التاريخ الإسلامى" فى عشر مجلدات، و"موسوعة الحضارة الإسلامية" فى عشر مجلدات، وموسوعة "مقارنة الأديان" فى أربعة مجلدات بخلاف الكتب الأخرى. وتطرق الكتاب أيضا لأستاذة الآثار الدكتور سعاد ماهر، التى خلفت الكتب والموسوعات الرائدة، أهمها "مساجد مصر وأولياء الله الصالحين" فى خمس مجلدات ضخمة، التى ستغرقت من وقتها سنوات حتى استوت على سوقها. وكذلك تحدث عن الدكتور إبراهيم عبده مؤرخ الصحافة العربية الذى ترك لنا آثاراً فى تاريخ الصحافة العربية مازال الباحثين يشتاقون إلى الإطلاع عليها لأنها على حد علمى لم تطبع بعد رحيل صاحبها منذ 29 عاماً، إضافة إلى كتبه الساخرة "رسائل من نفاقستان"، و"أقول للسلطان"، و"من النفاق ما قتل"، و"تاريخ بلا وثائق" وغيرها، وقد ضرب حوله جداراً من الصمت. ومن بين أعلام الكتاب الدكتور حامد عبدالفتاح جوهر صاحب البرنامج التليفزيونى الشهير "عالم البحار"، وقد ذهب فى رحلة لمعهد علوم البحار فى الغردقة بعد تخرجه فى كلية العلوم جامعة فؤاد الأول (القاهرة)، فوجد الأجانب المشرفين عليه يعبثون بالأحياء البحرية النادرة ويرسلونها إلى معاهد بلادهم فآثر المكوث فى مدينة الغردقة، التى كانت نائية فى هذا التوقيت إلا من عمال شركة "آبار الزيوت" الانجليزية، وقد حبب إليه هذا المدينة بشاطئها الخلاب البكر، وعمل على رفعة معهد علوم البحار بها حتى نهاية عمره. وتناول الأستاذ أبوالحسن الجمّال شخصيات أخرى مثل الإمام محمد أبوزهرة الذى صدع بالحق فى وقت عز فيه قول الحق، وتحدث عن جهوده الفقهية وآثاره فى هذا المجال وكتبه التى مازالت تطبع ويقبل عليها الباحثون وعامة القراء على السواء. وكذا تناول الأديب الإسلامى الكبير نجيب الكيلانى الذى خرج بالرواية من نطاق المحلية ليتجاوزها إلى نطاق العالمية وحقق فى هذا قصب السبق ..وتناول أيضا دور الدكتور إبراهيم عوض بين الأدب والفكر الإسلامى ودور الدكتور محمد رجب البيومى مؤرخ النهضة الإسلامية والذى أرخ لها من خلال سير أعلامها المعاصرين وكان الحجة فى هذا المجال... وأخيرا يؤكد مؤلفا هذا الكتاب أن وفاءهم لهؤلاء الأعلام يمثل الارتباط بالكتاب العزيز والسنة المشرفة فهمًا ووعيًا هو أساس كل تكوين عقلي ونفسي معًا، وكان لارتباط هؤلاء الأعلام بهموم الأمة، وقضاياها المصيرية أثر بالغ في ترشيد مسيرتهم على امتداد الطريق، ولما بدا واضحًا أن ارتباط العلم، أيًّا ما كان مجاله، بالحركة أو الدعوة بالمفهوم الواسع الشامل حاسمًا في منجزهم. ويؤكد المؤلفان أن هؤلاء العلماء كان الإطار الأخلاقي المؤسسي على التصور القرآني القائم على عمادَي الربانية والإنسانية فاعلًا في مسيرة منجزهم الدعوي والعالمي جميعًا.